مصطفى عبد الوهاب العيسى: النخب السياسية والثقافية الكردية في سوريا قاب قوسين أو أدنى من “الجلطة”

Share Button


بحماس مراهقين ضعيفي الإدراك والثقافة أذكر أنني وبعض الأصدقاء في المرحلة الثانوية كنا، بخلطٍ بين المزاح والعبثية، نقوم بتوزيع المناصب على أنفسنا في الحزب الذي سنقوم بتأسيسه والمُفتقر إلى أي فكر أو منهاج إلا لما نقرأه ثم نسرقه من مبادئ البعث أو شعارات الناصريين أو قيم الشيوعية .. الخ .
و رغم سخرية الموقف والهزلية التي كنا نعيشها ، إلا أننا كنا قادرين على تجميع أنفسنا للوصول إلى خمسة عشر أو عشرين عضواً ، وهذا صراحة ما تفتقده بعض الأحزاب الكردية الجديدة .
قبل عقد ونيف من الزمن لم تكن الأحزاب الكردية في سوريا قد تجاوزت الستة عشر حزباً في سوريا ، وكانت أسماء معظمها غير معروفة لدى الوسط الكردي نفسه ممن هم خارج الدوائر الحزبية ، أما لدى باقي الأوساط ( العربي بشكل خاص ) فلم يكن لهذه الأحزاب أي وزن أو حضور يُذكر باستثناء أربعة أو خمسة أحزاب ذات التاريخ والثقل السياسي في الحركة الكردية .
و رغم هذا كان يؤخذ على الحركة السياسية الكردية في سوريا كثرة الأحزاب والانشقاقات التي دفعت بها إلى التكاثر بهذا الشكل، وإلى ما قبل الأزمة السورية كان يمكن استيعاب أو تفهم وجهات النظر التي ترى في تعدد هذه الأحزاب ظاهرة سياسية صحية على اعتبار أن أغلب الأحزاب الكردية ترفع شعارات الديمقراطية وتتغنى بها، وبالتالي فلا ضير من كثرة وتعدد الأحزاب .
أما اليوم فلا أعتقد أنه بقي هناك من يرى في هذه الظاهرة ظاهرة صحية مطلقاً بعد أن وصلنا إلى هذا العدد الكبير من الأحزاب والذي ربما من المستحيل معرفته بشكل دقيق إذا ما صدقنا المئات من المواقع الاكترونية والصفحات الفيسبوكية في العالم الافتراضي والتي تدعي بأنها أحزاب كردية ، وبأنها تناضل من أجل المواضيع والمسائل الكردية ، وهي لا وجود لها على أرض الواقع ، بل وفي كثير من الحالات وبعيداً عن بياناتها المنشورة التي تدعي وجود قواعد شعبية وجماهيرية واسعة لها، فهي لا يمكن أن يشكل عدد أعضاء بعضها حتى خلية حزبية صغيرة لتكون أحزاباً كبيرة كما تدعي .
واليوم ببساطة شديدة يمكن القول بأننا نشهد ذروة هذه الظاهرة المرضية في تعدد الأحزاب الكردية ، والتي بطبيعة الحال هي مؤذية للكرد قبل أن تكون مؤذية لغيرهم .
يمكن دراسة أثر هذه الظاهرة المؤذية على الحركة الكردية بشكل عام ، وعلى الأحزاب الكردية الرئيسية بشكل خاص ، وقد تناولت مقالات ودراسات بعض الكتاب والمثقفين الكرد هذه الظاهرة منذ سنوات ، ولكن من وجهة نظر شخصية أرى أن معظم ما يكتب ويتم نشره عن هذه الظاهرة مؤخراً يفتقر لعدة أمور هامة أولها كان الاكتفاء بتكرار وسرد ما جاء في كتابات أوائل من تنبهوا لهذه الحالة وقاموا بتوصيف هذه الظاهرة دون إيجاد حلول جديدة تتناسب مع الواقع بعيداً عن الدعوات للمؤتمر القومي الكردستاني الذي لم يعد القراء الكرد أو حتى المهتمين والمتابعين قادرين على قراءة الكراسات الناتجة عن هذه المؤتمرات بسبب حالة الملل التي تنتاب القارئ وهو يقرأ صفحات وصفحات فقط عن أسماء الأحزاب الكردية المشاركة ناهيك طبعاً عن مدى فعالية الحلول الصادرة من مخرجات هذه المؤتمرات ، ومن الأمور الهامة أيضاً هو انخفاض حجم الثقة لدى الشباب الكردي حتى بالأحزاب الكبيرة والقديمة ووصولها لأدنى المستويات بسبب رؤية المصالح الشخصية وهي تطفو على السطح بشكل واضح بعد ظهور هذا الكم الهائل من الأحزاب ، وآخر هذه الأمور المتعلقة بالكرد والبعيدة عن الوسط السياسي هي التأثير السلبي المتزايد لكثرة هذه الأحزاب على المدنيين الكرد والعلاقات الاجتماعية الكردية ( وحتى العائلية ) فيما بينهم ومع جيرانهم من باقي المكونات .
وبعيداً عن الكرد فإن هذه الظاهرة المرضية لها آثارها السلبية على الوسط السياسي في سوريا بشكل عام من عدة نواحي أهمها ما يتعلق بالتمثيل الكردي من جهة ، والحوار الوطني من جهة أخرى ، وبالإضافة لجوانب سلبية أخرى تحتاج لمقال تفصيلي عما سببته ويمكن أن تسببه هذه الظاهرة من عدوى لباقي الأوساط السياسية على اعتبار أن الظواهر السياسية تنتقل بسهولة ، وبسبب التأثير المتبادل بين الأحزاب الكردية وباقي الأحزاب في سوريا الذي شهدناه خلال العقود الماضية .
هذه الظاهرة جعلت من حلم الكرد في توحيد الحركة الكردية في الماضي يتحول إلى أمنية أن تعود الحركة الكردية لثلاثية ” اليمين – الوسط – اليسار ” في المستقبل ، كما أبعدت ثنائية الآشيتي والغربي عن ساحة الفكاهة لتبرز دعابات الكوميديا السوداء على واقع هذه الأحزاب .
هذه الظاهرة وبعيداً عن السيناريو الأسوأ المتمثل ” بالتجلط ” الذي أصاب وسيصيب النخب الثقافية والسياسية الكردية فهي من ستجبر المحنكين السياسيين من الكرد على الاعتزال السياسي مبكراً .
و مؤخراً بدأنا نشهد ظاهرة تشبه شكلاً عمليات التكاثر بالانشطار التي تقوم بها بعض الخلايا في الكائنات الحية بهدف الاستمرار والنمو ، ولكنها فعلياً تُنذر وتُعطي تنبؤات لمن يقرأ المشهد السياسي الكردي بموضوعية بأن بعض الأحزاب الكردية العريقة بدأت تحتضر ! .
إن هذه الانشطارات ستزيد من تشتت الأصوات الكردية ، و تُفرّق الجهود أكثر ، و تُضيّع الكثير من تاريخ الحركة الكردية في سوريا ، والذي بذل في سبيله و قدم من أجله بعض السياسيين والأحزاب الغالي والنفيس ، كما أن من شأن هذه الانشطارات أن تجعل إجماع الأحزاب الكردية على اتخاذ قرار فعال أمراً صعباً في المستقبل القريب .
يجب أن تقر اليوم جميع الأحزاب السياسية الكردية في سوريا عن دورها في خيبة الأمل التي طالت الكثير من الشباب الكرد وكانت سبباً لا يُستهان به في عزوفهم عن العمل السياسي أولاً ، وهجرتهم للخارج  بعد أن فقدوا الثقة وخيبت ظنونهم هذه الأحزاب .
لقد ساهمت بقوة هذه الانشطارات في خلق خلافات كان الكرد بغنى عنها ، كما أنها زادت من التوتر و عمقت بعض الانقسامات في المجتمع والذي سيؤدي بدوره لتقويض المبادرات الهادفة لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ، و هو ما سينعكس علينا بكل تأكيد كسوريين عامة بشكل سلبي فهو يضاعف من صعوبة تحقيق التوافق الوطني .

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد (78) من جريدة التقدمي

صدر العدد (78) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في منظمة ...