منذ أن اندلعت الأزمة السورية عام (٢٠١٥)، والنظام التركي لا يكف عن استهداف المناطق الكردية في سوريا بكل الوسائل وخاصة العسكرية منها، ويقصف من دون انقطاع البنية التحتية فيها، ليزيد من معاناة سكانها ويدفع المنطقة نحو كارثة حقيقية، فضلاً عن احتلاله فيما بعد لمعظم هذه المناطق (عفرين، كري سبي وسري كانية)، وذلك تحت ذريعة محاربة (الإرهاب)، المتمركز على حدوده كما يزعم، فهو في الأساس لا يستهدف حزباً أو إدارة كما يدعي وإنما يحارب الوجود الكردي بذاته، ويسعى كل جهده إلى تفريغ المناطق الكردية وتغيير ديمغرافيتها في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي.
إن منظمة هيومن رايتس ووتش (وهي منظمة دولية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان)، تؤكد هذه الحقيقة في التقرير الذي أصدرته بتاريخ (٩/٢/٢٠٢٤)، ، وتتحدث فيه بالتفصيل عن عمليات القصف التي تشنها القوات التركية على البنية التحتية للمناطق الكردية في شمال شرق سوريا، وتقول بأن تلك القوات (تعيث خراباً)، في هذه المنطقة، وتصف ما قامت بها بـ(جريمة حرب)، وتؤكد بأن: (هذه الغارات الجوية وهجمات المسيّرات التركية على البنية التحتية المدنية الحيوية تعرّض سبل العيش للخطر، وتفصل المجتمعات المحلية عن الكهرباء، والرعاية الطبية، وغيرها من الخدمات الأساسية..).
إن هذا الواقع الكارثي الذي يعيشه الشعب الكردي في سوريا، دفعت بقضيته القومية نحو دائرة الخطر، حيث يصاب المراقب السياسي بالذهول وهو يتابع هذه القضية، ويحاول الإطلاع على الموقع الذي تحتله على الخارطة السياسية للأزمة السورية، ويشعر بالخيبة وهو يشاهد الحركة الكردية منقسمة على نفسها بهذا الشكل المقرف، ومتوزعة على جبهات الصراع التي تديرها جهات دولية وإقليمية متنفذة، ففي الوقت الذي اصطفت فيه أطراف كردية سورية مع الإئتلاف السوري الذي يفتخر بولائه المطلق للنظام التركي بحسبما صرح به مؤخراً رئيس وفد المعارضة السورية إلى مباحثات آستانة (أحمد طعمة)، عندما شرعن علناً للقوات التركية قصفها المستمر للمناطق الكردية تحت ذريعة استهدافها لما يسميه بالإنفصال الكردي في شمال وشرق سوريا، في الوقت نفسه اصطفت أطراف كردية أخرى مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، هذا التحالف الذي لا يهمه مستقبل الكرد في سوريا ومصير إدارته القائمة على أرض الواقع، بقدر ما يهمه محاربة داعش واجتثاثه، الأمر الذي يغلق أبواب الحياة كلها أمام من تبقى من أبناء شعبنا على الأرض سوى باب الهجرة..
ومن هنا، فإن الحركة الكردية مدعوة للقيام بمسؤولياتها التاريخة في مواجهة هذا الواقع الكارثي الذي يدفع الوجود الكردي نحو الفناء، وتجاوز خلافاتها التي لا تصب الماء إلا في طاحونة الساعين إلى التغيير الديمغرافي في كردستان سوريا، والالتقاء حول رؤية مشتركة لحل المسألة الكردية في سورية، والوقوف بصوت واحد مع المبادرة التي طرحتها منظمة (هيومن رايتش ووتش)، في تقريرها الذي يدعو المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من الآثار الكارثية التي يعانيها السكان المدنيين في تلك المناطق إثر عمليات القصف المستمرة من جانب القوات التركية، وتطالب تركيا بالتوقف فورا عن استهداف البنية التحتية المدنية الحيوية، واحترام القانون الإنساني الدولي، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة..