أخبار عاجلة

مصطفى عبد الوهاب العيسى: الإرهاب الفكري … كورونا العقد القادم

Share Button


هذه الظاهرة ليست بظاهرة جديدة علينا إذا ما ربطنا جذورها بالدين على سبيل المثال ، فالديانات بشكل عام ( الابراهيمية والغير ابراهيمية ) كانت دائماً ، ولا تزال أهم مصادرالإلهام التي يرغب ويحاول أن يرتكزعليها المتطرفون والإرهابيون لدى ممارسة نشاطاتهم وبث أفكارهم المعادية للديانات الأخرى ، وفي كثير من الأحيان أيضا ضد أبناء نفس الدين ممن لا يتفقون معهم ، وهي أيضاً ليست بظاهرة غريبة على أحد فهي موجودة في كل المجتمعات دون استثناء بما فيها الأكثر تحضراً .
دون إطالة و دون الخوض بالأصول التاريخية للظاهرة نستطيع القول بأن جذورها تعود لآلاف السنين إذا ما راجعنا كم ونوع الإرهاب الفكري الذي تعرض له الرسل والأنبياء عبر التاريخ ، ولكن كباقي أنواع الإرهاب لم يكن لهذه الظاهرة هذا الانتشار الكبير حول العالم قبل عدة عقود ، وكغيرها من الظواهر كان من الطبيعي أن تستفيد من ثورة التكنولوجيا والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي لتتفشى بسرعة جعلت محاربتها والوقوف بوجهها ضرورة ملحة رغم صعوبتها البالغة .
لم أقف سابقاً عند هذه الظاهرة رغم كثرة تداول مصطلح ( الإرهاب الفكري ) في الجرائد والكتب ووسائل الإعلام ، وقبل عدة أعوام و لدى قراءة أحد الكتب التي تناولت سيرة أبرز مؤسسي الحركة الكردية في سوريا ( عبد الحميد درويش ) للكاتب علي شمدين توقفت كثيرا لدى ما تناوله شمدين في كتابه عن الوقوف بوجه الإرهاب الفكري ، ومن حينها بدأت بالبحث والمتابعة لما يتم نشره عن هذه الظاهرة بشكل مكثف و دقيق ، ومحاولة الاطلاع على الكثير من الدراسات المهتمة بها .
بالطبع لن أتناول في هذا المقال أي شرح عن هذه الظاهرة وأنواعها التي تناولتها كتب و دراسات كثيرة بإسهاب وتفصيل ، ولكن سأقف عند بعض النقاط التي لاحظت انتشارها مؤخراً في المنطقة ( الشرق الأوسط عموماً ) .
ربما كان ما تشهده منطقتنا من إرهاب دموي وقتل وتدمير وخوف وقلق من الأسباب المنطقية التي جعلت من انتشارهذه الظاهرة عندنا يكون بشكل أكبر مما هي عليه في مناطق أخرى من العالم ، بالإضافة طبعاً لطبيعة مجتمعاتنا المنغلقة التي ساعدت على تفشي هذه الظاهرة بسرعة لا معقولة وغير طبيعية .
لا أتحدث بلغة الأرقام وليس لدي احصاء دقيق عن معدلات الإرهاب الفكري في الشرق الأوسط بعد جائحة كورونا ، ولكن بالملاحظة الشخصية يمكن رؤية زيادة هذه المعدلات بشكل واضح ، وهو ما ينبئ بخطر حقيقي في قادم السنوات إذا ما استفحلت هذه الظاهرة التي ستكون عواقبها أكبر بكثير من جائحة كورونا .
الإرهاب الفكري اليوم رغم محاربته في شعارات ومبادئ معظم المنظمات السياسية والدينية ، ولكن ممارسته حاضرة بشكل واضح في الخطابات والبيانات والندوات التي تقيمها هذه المنظمات ، ومع بروز معالم القطبين في العالم الجديد ، ولأن الإرهاب الفكري ليس حكراً على اليسار أو اليمين فقد ازدادت في منطقتنا التهم الجاهزة بالعمالة لأمريكا والغرب أو التبعية لروسيا والشرق ، بل وأصبحنا نشهد اليوم بعض الكيانات الوسطية ( أفراد ومؤسسات ) وقد مورس عليهم هذا الإرهاب من الطرفين ليكونواعملاء لأمريكا وأتباع لروسيا بنظر من يهاجم اعتدالهم من المتطرفين .
إن ممارسة الإرهاب الفكري من قبل الساسة أو غيرهم في الميدان السياسي أو من قبل المؤسسات الدينية أصبح أمراً واقعاً وطبيعياً ، ولم نعد نستهجن كالسابق تفشي هذه الممارسة بشكل غير مسبوق لدى كثير من وسائل الإعلام التي تدعي المهنية ومنابر الفكر التي تعرف بنفسها على أنها مستقلة ، أو حتى وصول ممارسة هذا الإرهاب من قبل الجامعات والمدارس ومختلف المؤسسات التعليمية ، ولكن الخطورة الحقيقية اليوم تكمن في ممارسة هذا الإرهاب على نطاق واسع يشمل كل فئات وطبقات المجتمع تقريباً ، وهنا تتلخص النقطة الأولى التي أردت تسليط الضوء عليها : ألا وهي ممارسة الإرهاب الفكري لدى فئات كبيرة من المجتمع وأخص الكتاب والمثقفين الذين كان من المفترض أن يحاربوا هذه الظاهرة بدلا من ممارستها تجاه الرأي الآخر ومحاولة سلبه حرية التعبير ، أما النقطة الثانية فهي شح القوانين والتشريعات التي تجرم الإرهاب الفكري في معظم الدساتير ، وتكمن خطورة هذه النقطة في أن الكثير من ممارسي الإرهاب الفكري المتعصبين والمتطرفين لا يمكن ملاحقتهم قضائياً بسبب الثغرات القانونية الكثيرة التي تبرئهم وتحول دون إدانتهم رغم انتهاكهم لحقوق الإنسان مثلا أو حقوق المرأة بشكل خاص .
أما النقطة الثالثة التي ربما تكون الأهم والأكثر حساسية فهي الفراغ وتأثيره الرهيب على انتشار هذه الظاهرة بهذا الشكل المخيف في مجتمعاتنا ، ولا أقصد بالفراغ فقط حالة البطالة وانعدام فرص العمل لدى الشباب ولكن الفراغ الثقافي بدرجة أولى والذي بتنا نعاني منه بشدة بسبب ظروف المنطقة ، والفراغ السياسي الذي يتناسب عكساً مع الظاهرة كالفراغ الذي شهده العراق مثلا في الآونة الأخيرة أكثر من مرة أو غياب الحل السياسي في سوريا وانعكاسهما على زيادة معدلات الإرهاب الفكري في كتابات المثقفين مثلا .
أما بالنسبة للنقطة الرابعة والأخيرة فهي الإرهاب الفكري لدى من كنا نعول عليهم كثيرا في محاربة هذه الظاهرة ، وأقصد الكثيرمن مثقفي جاليات الشرق الأوسط في البلدان المتقدمة ، وبروز الدونية والفوقية في مقالاتهم وكتاباتهم .
مع الأسف ورغم ظروفهم المساعدة يبدو أن جينات وبذور الإرهاب الفكري المزروعة بعقولهم استطاعت التفوق على كل مظاهراحترام الرأي الآخر وثقافة الآخرين في البلاد المضيفة التي لم تعد هي الأخرى قادرة على إخفاء الإرهاب الفكري الذي تمارسه معظم منظماتها الإعلامية والسياسية ، وهو ما أمكن ملاحظته بوضوح في الفترة الماضية قبل اندلاع الحرب في غزة ، بل وحتى قبل بدء النزاع في أوكرانيا ، وهو ما يشير لحجم الكارثة المستقبلية التي تنتظرنا في الشرق الأوسط إذا ما كانت روسيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى لم يتمكنوا بعد من ضبط أو تخفيف حدة هذه الظاهرة لدى وسائل الإعلام لديهم أو لدى كتابهم ومثقفيهم رغم كثرة وتشعب قوانينهم المتعلقة بالديمقراطية والحريات العامة والتي مع الأسف بات الكثير منها مجرد حبر على ورق .
الاختلاف الفكري ظاهرة صحية ، واختلاف البشر في الأفكار والمعتقدات والعادات والطبائع أمر طبيعي ، وما نعيشه اليوم مع سهولة ممارسة الإرهاب الفكري على وسائل التواصل الاجتماعي هو كارثة وجب التنويه عنها والتذكير بها .
نحن اليوم أمام مفصل هام في المعركة الثقافية ضد كل صور وأشكال الإرهاب الفكري ، وكسر الأقلام وتكميم الأفواه وتجميد العقول هي الخطوات الرئيسية في تمهيد وتعبيد الطريق للإرهاب الدموي ، ويجب أن تكون إدانة ورفض ومحاربة الإرهاب الحقيقية اليوم لجميع أشكاله وأنواعه .
لا يمكن أن نكتفي اليوم بإعداد المزيد من الدراسات حول سبل الوقاية من هذه الظاهرة ، بل لا بد من تفعيل وتوظيف هذه الدراسات ونشرها على نطاق أوسع ( الدراسات القرآنية المختصة أنموذجاً ) حتى نستطيع مواجهة هذا المرض ومكافحة هذا الفيروس الذي لا يمكن حصر أضراره المستقبلية الاجتماعية وحتى الاقتصادية على الإنسانية جمعاء لأن الوباء لا يمكن أن يكون حكراً على منطقة دون أخرى .
وبعيداً عن العذرية وما تحمله من رمزية في الشرق أختم بالقول : لا أعلم حقيقة إن كان لدى الإنسان شيء أغلى من العقل يمكن سلبه أو هتكه أو التضييق عليه ! .
12/2/2024

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

Newaf Hemed: Têkoṣero

Ev helbest min li ser Têkoṣer û xebatkarê hêja mamoste HEMÎD DERWÎṢ nivîsî bû bi ...