يتذكر اكراد سورية يوم 12 آذار من العام 2004 يومها اشُعل اهالي مدينة القامشلي (أقصى شمال شرق سورية) شرارة الانتفاضة, بعد ان تحولت مباراة كرة قدم بين فريقي المدينة (الجهاد) وفريق محافظة دير الزور (الفتوة) الى مواجهات بين مشجعي الفريقين, واستمرت لساعات راح ضحيتها ثلاثة شهداء. وارتفعت وتيرة الاحتقان القومي بين سكان تلك المنطقة من القوميتين الكوردية والعربية بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين في العام 2003, مما زاد حدة الحساسية بين شركاء الارض والتاريخ, واستغلها بعض المتطرفين وادت الى مواجهات عنيفة بين الأكراد في مدينتي القامشلي والحسكة بشكل رئيسي, وبعض العشائر العربية, سرعان ما امتدت إلى بقية المدن التي يتواجد فيها الأكراد واستمرت ستة أيام دامية راح ضحيتها وفق مصادر حزبية كوردية 36 شهيداً.
اسماعيل حمي( من مواليد 1964 يحمل اجازة في الادب الانكليزي -الصورة ادناه ) كان محروماً من الجنسية السورية لعقود, السكرتير السابق لحزب يكيتي الكوردي, وهو الان عضو في مكتبه السياسي, كما يشغل عضو في الهيئة الكوردية العليا.
عن ابعاد الانتفاضة الشعبية للأكراد في العام 2004 يقول السكرتير السابق لحزب يكيتي ” في العام 2004 حصلت انتفاضة شعبية وتأثرت بتداعيات الوضع الاقليمي لاسيما حرب العراق في العام 2003 والتي عكست على المشهد السوري؛ مما حرك هواجس النظام الحاكم الذي كان يخشى ان ينتفض الشعب الكوردي ويطالب بحقوقه التي حرم منها لعقود, فوجه ضربة استباقية لأخافتهم فقام بافتعال حادثة كرة القدم وقتل عدد من الشباب الكوردي, ولكن جاءت النتائج بعكس حساباته واخطأ في مخططه, حيث أنتفض الشعب الكوردي من ديريك والقامشلي ووصلت خبطات الثوار الى حلب ودمشق وسائر المناطق التي يتواجد فيها الكورد”.
الذاكرة الشعبية الكوردية في سورية مليئة بالأحقاد على النظام الحاكم؛ فأول إجراء تمييزي تعرض له الكورد السوريين، ولا يزال يعانون منه الأمرين، هو مشروع الإحصاء الاستثنائي الذي اقُر في العام 1962 والذي حُرم بموجبه أكثر من سبعين ألف كردي من الجنسية السورية، وعددهم اليوم يقارب مائتي وخمسين ألفاً حصل اغلبهم بعد قرار من الجنسية في نهاية العام 2011 على الجنسية, أي بعد انطلاقة الثورة السورية بحوالي عشرة اشهر.
حزب يكيتي الكوردي وفي العام 2002 الذي ينتمي اليه المعارض الكوردي اسماعيل حمي تعرض حوالي 500 من كوادره الى الاعتقال بعد ان قام الحزب باللصاق بيانات على جدران مدينتي القامشلي والحسكة, بمناسبة مرور 40 عاماً على الاحصاء الاستثنائي. أفرج عن أغلبهم وحُكم على 20 ناشطاً تراوحت احكامهم بين العامين و4 اعوام, بتهمة اقتطاع جزء من سورية والحاقها بدولة اجنبية.
السياسي الكوردي اسماعيل حمي والده وعائلته حُرموا من املاكهم واراضيهم بعد سحب الجنسية وتطبيق قرار الحزام العربي- او الحزام الاخضر كما يطلق عليه الاكراد- هذا الاجراء التمييزي ولد لديهم حقد مضاعف على النظام السوري, حتى لغته الام كان محروم التكلم فيها في المدارس لاسيما في الصفوف الاولى من دراسته. يتذكر انه عُوقب في الصف السابع لأنه تكلم بلغته الام. كان التكلم باللغة الكوردية ممنوع, ومازالت صورة اللافتة التي كانت تكتب وتعلق في المدارس والدوائر الحكومية” ممنوع التكلم بغير العربية” عالقة في ذاكرته.
ويقول المعارض حمي” المستغرب انني اطالب بأعاده الجنسية العربية السورية وهم يتهموننا العمل على سلخ جزء من سورية, تناقض غير مقبول كان يمارسه النظام البعثي طوال اربعة عقود ونيف”.
وكان الأجراء الأخر الأشد عنصرية تطبيق الحزام العربي في العام 1968, بموجبه اغتصبت السلطة الحكومية قسماً كبيراً من اراضي الأكراد المحاذية للحدود السورية-التركية بطول حوالي 350 كلم وبعرض حوالي 15 كلم من منطقة المالكية الى مدينة راس العين أي على الشريط الحدودي. واستقدم النظام البعثي الحاكم عدداً من العوائل العربية من مدينة الرقة وريف حلب, الى تلك المناطق ذات الأغلبية الكوردية, مما زاد من الشحن القومي بين الطرفين. هذه المشاريع جعلت الأكراد يحقدون على الأنظمة الحاكمة المتعاقبة منذ العام 1963.
وكانت المحاكم الاستثنائية توجه تهمة (مناهضة أهداف الثورة) الى المعتقلين الاكراد عموماً, ويضيف المعارض الكوردي حمي ” اعتقد هذه التهمة يكون ترجمتها الحرفية (مناهضة اهداف حزب البعث الحاكم). حتى بعض قوى المعارضة صدقت اكاذيب النظام وتظليله وتشويه صورتنا, اعتقد ان الاكراد حريصون على انتمائهم الوطني لسوريا الوطن والدولة”.
وأكد المعارض اسماعيل حمي” من اكثر الخلافات المستعصية من المعارضة السورية الى الان هو شكل الدولة السورية القادمة, نحن لم نطرح حقوقنا القومية صراحة ولكن كنا ندعوا دائما الى ان النظام المركزي في سورية فشل ويجب اعتماد اللامركزية كنظام بديل, ونعلم ان سوريا كانت دولة اتحادية مؤلفة من خمسة أقاليم لما لا نكرر هذه التجربة بعد الاحتقان الطائفي والمجازر التي ترتكب على الهوية”.
بعيداً عن السياسية قليلاً, وعندما كنت أتجول في مدينة عامودا التقيت مع الفنان الكوردي صباح قاسم(48 سنة- نحات وفنان كوردي) في المتحف الذي افتتحه وهو معرض متنقل يعرض فيها الأشكال والقطع النحتية التي ينحتها, عرض حوالي 3000 قطعة ومجسم يجسد واقع الانسان الكوردي وحضارته.. عرضها في مسرح سينما عامودا, بمناسبة الاسبوع الثقافي الكوردي في عامودا.
وفي رده على رسالته من التحف, قال الفنان صباح قاسم” ( الصورة ادناه وهو يقف بجانب مقتنياته ) رسالتي من هذا المعرض: ان لم يكن لنا ماضٍ فلن ننجز مستقبلاً, ففي كل قطعة او مجسم في هذا المتحف هناك فكرة او صورة للإنسان الكوردي كيف كان يعيش وما هي ادواته, حاولت نقل هذه الافكار من خلال مطالعتي وقراءتي للتاريخ الكوردي القديم”.
اشرف سينو- 52 سنة- محامي- مدافع وناشط حقوق انسان متطوع يدافع عن قضايا المعتقلين السياسيين. من منطقة الدرباسية المحاذية للحدود السورية- التركية شمالاً. يشغل عضو في مجلس ادارة منظمة DAD الكوردية لحقوق الانسان.
أكد من وجهة نظره كحقوقي” من حقوق الاكراد في سورية الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكوردي وهذا لا يتعارض مع وحدة الدولة والحفاظ على سيادتها”.
وعن التحول في الموقف الكوردي يقول الحقوقي سينو” ولكن من الملاحظ ان هناك تحول في الموقف الكوردي مترافق مع رفع سقف المطالب وذلك يعود الى تعقيد حل الوضع الداخلي ونسمع كثيراً عن مسائلة تقسيم الدولة على الاقل اعلامياً مما دفع بالكورد الى التطلع الى انموذج كوردستان العراق والاحتذاء بهم”.
المهندس سلمان حسو (من مواليد القامشلي 1953- مهندس وباحث زراعي – الصورة ادناه ) عضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سورية.
بقي قرابة 30 عاماً في الوظيفة ولم يترقى ليصبح مديراً عاماً. كان يحلم بهذا المنصب, هو نال درجة باحث زراعي كونه قدم الكثير في مجال القطاع الزراعي ولكنه بقي معاون مدير علماً انه من كان يشغل منصب المدير العام في المديرية الزراعية في القامشلي كان أقل خبرة وكفاءة وسناً ولكن كونه كوردي حرم من منصب المدير العام.
يقول السياسي سلمان حسو” حزبنا تقدم بمشروع الادارة الذاتية عندما تأسس المجلس الوطني الكوردي في نهاية العام 2011 , الان المجلس وحزبنا من مؤسسيه رفع سقف المطالب لتصبح المطالبة بالفدرالية وحسب رؤية المجلس فأن الدولة الاتحادية هي الشكل الانسب لسوريا المستقبل. نحن في الحزب لا نخوض كثيراً في هذه المصطلحات والمفاهيم, نحن نطالب بما هو مقبول, ولا يجوز مطالبة حق هو اصلاً غير مقبول او لم يحن وقته, لان سوريا مؤلفة من خليط من المكونات الاثنية والعرقية وعندما نطالب بحقوقنا يجب ان تكون بالاتفاق مع شركائنا واخوتنا”
وعن موقف الاكراد من الثورة السورية يضيف المعارض الكوردي حسو” منذ انطلاقة الثورة السورية كنا ضد التقسيم وضد الحرب الطائفية ونسعى لبناء دولة جديدة على اسس العدالة والمساواة, ولا يوجد سقف للحقوق, ولكن نبحث عن الممكن فالسياسية ممارسة فن الممكن, ونحن كشعب كوردي حقوقنا مهدورة ومغتصبة منذ عقود ونحن قومية كالعرب والاتراك والاخرين, هم أسسوا دول وفتحوا الجمعات والمدارس لتدريس لغاتهم, ونحن حرمنا من هذه الحقوق, ولكن سنطالب بها بشكل تدرجي وبالتوافق مع شركائنا وضمن دولة موحدة يسودها العدل والمساواة”.
كليستان محمود (32 سنة- ربة منزل) استشهد والديها واخيها وبنت أخيها, في نهاية العام الماضي جراء لقصف المروحي العسكري التابع للنظام السوري في مدينة راس العين. كانوا جميعاً في المنزل يوم 13 -11- 2012, عندما قصفت الطائرة منطقة المحطة في مدينة (سري كاني) شمال غرب سورية, كانت الساعة حوالي الساعة الثانية ظهراً, بعدها حلقت فوق المنطقة التي يسكن فيها عائلتها وهي قريبة من مكان القصف, ومن ثم أطلقت الطائرة قذائف بشكل عشوائي وقعت احدها عند مدخل منزلها.
وصفت كليستان الموقف وقالت” كان والدي وأخي في الخارج, والدي مات فوراً واخي اسعف الى احد المشافى في تركيا ولكن لشدة الجروح تأخرنا في اسعافه ومات قبل ان يصل, اما أبنة أخي الصغيرة اسمها أية كان عمرها – 7 سنة – توفيت ايضاً نتيجة جروحها ولم نستطع اسعافها الى المشفى كون الطائرة كانت تقصف في كل مكان”.
وتابعت كليستان كلامها” وقتها هربنا الى الحدود السورية- التركية, اخوتي الاربعة اصيبوا بجروح, من احبهم ماتوا وبقينا نحن لو كنا متنا جميعاً كان اهون علي من عيشتنا هيي, والدتي تتمنى الموت في كل لحظة, زوجة اخي المتوفي يوم امس”
هنا انهمر كلتا عينيها بالدموع, بقيت حوالي دقيقتين وهي تبكي كطفلة صغيرة وكانت تنظر فيما حولها.
تابعت كليستان كلامها وقالت” أريد ان يصبح لنا دولة كوردية فالشهداء ممن ماتوا وضحوا بأنفسهم لأجل هذا الحلم, يجب على الشعب ان يطالبوا بدولة كوردية, قد يجوز طريقنا طويل ولكن علينا ان نستمر فيه بمن بقي”
نظام حزب البعث الحاكم في سورية طبق سياساته العنصرية والتمييزية بحق القومية الكوردية لإبعادهم عن المسرح الوطني, وبعد انطلاقة الثورة السورية في شه اذار من العام 2011, انخرط الشباب الكوردي ورفعوا لافتات عبروا فيها عن انتمائهم الوطني, ومازالت تنتظر الاحزاب الكوردية تغير جذري في موقف المعارضة السورية والتي يعول عليها اعادة جسور الاخوة بين من عانى التمييز والاضطهاد القومي ومن ظلم كونه معارض, ويأمل الكورد ان يحتضنوا في سورية الجديدة كباقي السوريين تحت سقف القانون والعدالة والمساواة.
كلنا شركاء