يقال بأن الشعراء هم “جهاز الحس في الجنس البشري، ومن مخاوفهم وشكوكهم نستطيع أن نحكم بأن العالم لا يسير في طريق الإنسانية، وإنما في طريق اغتراب إنسان واستلاب إنسانيته.”
شيركو بيكەس هذا الشاعر الكوردستاني الذي سعی الی السهل الممتنع ووصل و الذي رسم جمال جبال كوردستان وتمكّن. أما كلماته الجميلة المشبعة بالبوح و الرٶی المعرَّفة بالسرمدية و المليئة بالقيم النبيلة وكل ما هو بهيّ وإنساني في هذه الحياة فهي بمثابة بركان يحمل في طياته سمفونيات شعرية تبرز فيها فلسفة الحياة بأشكالها الإنطباعية والواقعية و الرمزية والسريالية والمستقبلية وتجريد المجسّد بكل أدواتها وإلماحاتها الفنية و إيحائاتها الزمانية والمكانية ، التي وظفها هذا الشاعر المناضل البيشمركه لخدمة شعبه ووطنه المجزء بأفضل و أعلی أشكالها.
أمضى شيركو بيكەس ، المولود عام ١٩٤٢في مدينة السليمانية ، العاصمة الثقافية لجنوب كوردستان ، سنوات من عمره في الجبل والسجن والمنفی والغربة. مارس الترجمة والسياسة وتقلّد المناصب العامّة حيث عين كوزير للثقافة وغيره ولكن قصائده هي التي يعوّل عليها في معرفة مواقفه المختلفة أكثر من الخطب والمقالات.
أعماله التي أتسمت في بدایة رحلته الشعرية بالرومانسية تحولت فيما بعد الی رسم فضاءات مليئة بالدخان والبارود والنابالم ودوي قصف الطائرات والكيمياوي بعيداً عن عهد العشق تحت وميض الليالي المقمرة والهدوء والإستقرار و حطّمت جليد الستينيات واستطاعت أن تتوّج اللغة وتصبح صرخة تمرّد و دفاع عن الوجود.
شارك شيركو شعبه أفراحهم و أحزانهم كل هذا بأكثر من ١٨ مجموعة شعرية تجريبية متنوعة بسيطة الأسلوب و بعيدة الرٶی وله نثر ثوريّ جميل ومميّز جداً ولكنه لا يُعدّ أداته لممارسة الحياة بطولها وعرضها ، فملاحمه الشعرية في حلبجة والأنفال ماهي إلا نصب تذكاري مشيّد للشهداء وضحايا جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الكوردستاني.
لقد تأسست حركة “المرصد” في السبعينيات علی یده وتمكنت تلك الحركة أن تمثل بداية الحداثة الفنية والشعرية في الثقافة الكوردستانية بعد أن عجزت الأساليب والقوالب القديمة في التعبير الإبداعي عاجزة أمام الواقع الكوردستاني الجديد المتمثل بتعقيداته السياسية والإجتماعية وثوراته الغارقة في الإنكسارات والخيبات أمام النظام الإستبدادي الظالم والصمت الإقليمي والدولي عما كان يجري في كوردستان.
السياسة أغنت أدبه و كيف لا وهو ابن الشاعر الفيلسوف الوجودي الوطني و الليبرالي فائق بيكەس ، الذي كان من الشعراء الوطنيين الكورد في الثلاثينات و الأربعينات من القرن الماضي. احب الحرية وعشقها ودافع عنها بالكلمة.
وهو القائل:
“وضعت أذني على قلب الأرض
حدثني عن حبه للمطر
وضعت أذني على قلب الماء
حدثني عن حبه للينابيع
وضعت أذني على قلب الشجر
حدثني عن حبه للأوراق
عندما وضعت أذني على قلب حبيبتي حدثني عن الحرية”.
لقد نال شيركو بيكەس عام ١٩٨٨ جائزة “كورت توخولسكي” السويدية الأدبية العالمية و تُرجمت منتخبات من قصائده فيما بعد على شكل دواوين إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والسويدية و الدانماركية والمجرية والفارسية والتركية والعربية.
بالأمس سكت نسر جبال كوردستان شيرکو بيكەس أما بركان شعره فهو خالد كنيران باباكوركور الأزلية.