يظهر شريط فيديو، بثه ناشطون على موقع «يوتيوب»، عددا من سكان مدينة الرقة، شمال شرقي سوريا، وهم يهتفون «الشعب السوري ما بينذل». لكن هتافهم هذه المرة ليس موجها ضد النظام السوري الذي خرج من المدينة بداية مارس (آذار) الماضي، وإنما ضد تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية»، على خلفية اعتقال عناصره عددا من الأشخاص وسجنهم لاتهامهم بـ«عدم معرفة الصلاة» و«العمالة للائتلاف الكافر»، في إشارة إلى ائتلاف المعارضة السورية.
ورغم سعي «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» إلى ملء الفراغ الذي أحدثه خروج النظام من الرقة عبر تشكيل مجلس محلي يؤمن الخدمات لسكان المدينة، فإن مقاتلي «الدولة» لم يترددوا في اعتقال المحامي عبد الله خليل، رئيس المجلس المحلي في المدينة، واصطحابه إلى جهة مجهولة بعد أن اتهموه بالتعامل مع «الائتلاف الكافر»، بحسب ما أكده إبراهيم مسلم المنسق العام للمجلس لـ«الشرق الأوسط»، لافتا إلى أنه ترك للمجلس المحلي تدبير بعض الأمور الخدماتية بما لا يتعدى خدمات المياه والكهرباء، بينما بقية الأمور بيد كل من «دولة العراق والشام الإسلامية» وحركة «أحرار الشام».
وتتقاسم حركة «أحرار الشام» المعروفة بتوجهاتها الإسلامية مع «دولة العراق والشام الإسلامية» السيطرة على الرقة، ويعتبر التشكيلان من القوى العسكرية القليلة التي تمتلك أذرعا مؤسساتية منظمة وتهتم بإدارة شؤون الحياة إلى جانب جهدها العسكري. ويؤكد ناشطون معارضون أن «حركة أحرار الشام» وضعت يدها على أغلب الأموال والمرافق العامة بعد تحرير الرقة مباشرة. فسيطرت على البنك المركزي، الذي كان يحتوي على مبلغ يتراوح بين أربعة إلى ستة مليارات ليرة سورية.
ويوضح مسلم أن «المحفز الرئيس الذي يدفع حركة (أحرار الشام) للبقاء في الرقة هو المنافع المادية»، متوقعا خروجها في وقت قريب لتبقى المدينة تحت سيطرة «الدولة» التي أحكمت وجودها بعد اشتباكات عنيفة ضد عناصر كتيبة «أحفاد الرسول» المرتبطة بالجيش السوري الحر أسفرت عن خروج الأخير من المدينة بعد اقتحام مقره بسيارة مفخخة وتدميره بالكامل من قبل مقاتلي «الدولة».
ويقول ناشطون معارضون إن «تجاوزات الإسلاميين في الرقة تزايدت كثيرا عقب هذه العملية، حيث طالت الملاحقات كل فتاة ترتدي بنطال جينز فتعتقل دون مراعاة الحرمة العشائرية التي تحكم عادات سكان المدينة وتقاليدهم». ووصل عدد المعتقلين الرقاويين في سجون «الدولة» إلى نحو 250 شخصا وضعوا في معتقل قرب منطقة سد البعث.
وإثر الهيمنة المطلقة لـ«الدولة» وحلفائها على المدينة، حاول «الجيش الحر» توحيد صفوفه لإحداث توازن مع القوى الإسلامية المتشددة، فأسس الفرقة 11 التي تجمع 80% من القوى العسكرية المقاتلة في المدينة وما حولها. وشدد بيان تأسيس الفرقة على «حماية المواطنين وعدم السماح لأي جهة كانت باعتقال أي مواطن إلا بموافقة الهيئة الشرعية والمكتب الأمني للفرقة». لكن الصراع الذي اندلع بين الكتائب الكردية والمقاتلين الإسلاميين جعل الفرقة المشكلة حديثا تقف إلى جانب «الدولة» في معاركها ضد الأكراد، حيث أعلن عدد من قادة الكتائب التابعة للفرقة 11 مبايعتهم لـ«الدولة».
في ظل هذا الواقع، يجد ناشطو الحراك المدني في محافظة الرقة أنفسهم وحيدين في مواجهة تجاوزات «الدولة»، إذ ينتشر في المدينة أكثر من 41 تنظيما مدنيا يعملون على تنظيم مظاهرات يومية ضد كل من «الدولة» وحركة «أحرار الشام» الإسلامية و«الهيئة الشرعية»، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين لديهم ومحاسبة السارقين وإيقاف التسلط والتضييق على الحريات.
ويقول أحد هؤلاء الناشطين لـ«الشرق الأوسط»، متحفظا على ذكر اسمه، إن المتظاهرين يرددون هتافات من قبيل «يا حرام ويا حرام سرقونا باسم الإسلام» و«الهيئة الشرعية صارت مخابرات جوية» و«الرقة حرة حرة و(الدولة) تطلع برا»، و«(أحرار الشام) زلم النظام». ويشير إلى أن «الناشطين صاروا يخشون حتى التعبير عن آرائهم على موقع (فيس بوك) كي لا يعتقلهم عناصر (الدولة)، إذ اعتقل الكثير من الناشطين المدنيين بسبب ما ينشروه على مواقع التواصل الاجتماعي». وقال إنه «بات للدولة شبيحتها (ميليشيات حكومية) الذين يقمعون المظاهرات بالرصاص ويلاحقون المتظاهرين والناشطين بموجب قوائم لديهم، إضافة إلى معتقلات يمارسون فيها التعذيب حتى الموت».
وإلى جانب عدد كبير من الناشطين والمواطنين المعتقلين في سجون «الدولة»، فإن معارضين سوريين يتهمونها باختطاف الأب باولو دالوليو الذي توجه إلى مدينة الرقة في نهاية يوليو (تموز) الماضي، وشارك في مظاهرة نصرة لحمص. ووصلت بعد أيام معلومات عن اختفائه أو اعتقاله. وأفادت غالبية الشهادات بأنه توجه بنفسه إلى مقر «دولة العراق والشام الإسلامية»، من أجل لقاء ما يسمى أمير الدولة، لطلب الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين لدى هذه الجماعة المتشددة لتنقطع أخباره بعدها.
وبينما تواصل «دولة العراق والشام الإسلامية» إحكام سيطرتها على الرقة، فإن كتائب معارضة مثل «كتيبة حذيفة بن يمام» لا تزال تقاتل القوات النظامية على ثلاث جبهات: اللواء 93 والفرقة 17 ومطار الطبقة العسكري لتحرير المدينة بالكامل من القوات النظامية التي ما زالت طائراتها تقصف أحياء متفرقة من المدينة.
الشرق الأوسط