تدهور الوضع الإنساني في سوريا إلى مستويات مريعة

Share Button

أدى النزاع السوري إلى تدهور الوضع الإنساني إلى مستويات لم يكن ممكنا تصورها قبل ثلاث سنوات خاصة في المناطق المحاصرة من قبل القوات النظامية، حيث إن بعض السكان باتوا 1002644_10203366183221271_267882906_nيسدون رمقهم بأطعمة مخصصة للحيوانات، فيما يكتفي آخرون بالقشور والفضلات. وعلى وقع استمرار العنف، تتكاثر الصور المريعة لأطفال باتوا أشبه بهياكل عظمية، أو آلاف الأشخاص البؤساء ينتظرون بيأس وصول المساعدات. وذكر تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) الثلاثاء أن عدد الأطفال السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية تضاعف العام الماضي ويبلغ الآن 5.5 مليون طفل.
باتت مناطق مثل مخيم اليرموك ومدينة حمص وغوطة دمشق، مرادفا للبؤس والعوز، بسبب الحصار الذي يفرضه نظام الرئيس بشار الأسد. وتقول السلطات إنها تريد بذلك الضغط على «الإرهابيين» (في إشارة إلى مقاتلي المعارضة) لإخراجهم، إلا أن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية تتهم النظام باستخدام الجوع «كسلاح حرب».

وتعرقل توزيع المساعدات أيضا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، مجموعات مسلحة مناهضة للمنظمات الدولية مثل برنامج الأغذية العالمي الذي يؤكد أن 500 ألف شخص يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، لا يتلقون المساعدة الغذائية التي يحتاجون إليها.
وقبل اندلاع النزاع السوري منتصف مارس (آذار) 2011، كان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق منطقة شعبية وتجارية يقيم فيها 170 ألف شخص. وتحول المخيم، إلى ساحة معركة، ويخضع منذ يونيو (حزيران) لحصار مطبق.

ويعيش في المخيم حاليا نحو أربعين ألف مدني فلسطيني وسوري في ظروف معيشية مريعة، ويعاني 60 في المائة منهم على الأقل من سوء التغذية بحسب «العفو الدولية»، فيما توفي أكثر من 120 شخصا جوعا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

أكثر الحصارات «دموية»

وهذا ما حدا بكريستوفر غانيس المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للقول: «تضاف إلى قاموس لا إنسانية الإنسان تجاه أخيه (الإنسان) كلمة جديدة هي اليرموك».
وبثت المنظمة مؤخرا شريطا مصورا وصورا تظهر الآلاف من سكان هذا المخيم المحاصر، تبدو على وجوههم علامات الجوع والتعب، وهم ينتظرون مساعدات الأونروا في شارع تصطف على طرفيه المباني المدمرة.

وأضاف غانيس: «إن الناس اضطروا لأكل أطعمة مخصصة للحيوانات. وهناك نساء توفين أثناء الولادة لعدم توفر العناية» اللازمة. وتصف منظمة العفو الدولية حصار اليرموك بأنه أكثر الحصارات «دموية» في سوريا.

وأكدت سحر (56 عاما) المقيمة في المخيم، لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الإنترنت أنها خسرت 20 كيلوغراما من وزنها منذ بدء الحصار. وهي تعاني، إضافة إلى ضعفها، من نقص السكر في الدم وترقق العظام. وقالت هذه السيدة التي فقدت زوجها وابنها في أعمال العنف، بتأثر: «هذا العوز يشكل إهانة لكرامتنا».
وبالنسبة إليها وإلى آلاف المدنيين الآخرين، بات تناول وجبة لائقة بمثابة ذكرى بعيدة المنال. وروت: «قبل بضعة أيام جلب بعض الجيران باذنجانا وأرزا من ببيلا»، البلدة التي تبعد خمسة كيلومترات عن المخيم. واستطردت وهي تحبس دموعها: «كانت المرة الأولى التي أتناول فيها وجبة منذ أشهر.. شعرت بأنني أستعيد قواي». وأضافت «لقد نسينا تقريبا ما معنى الطهو».

كذلك تعكس شهادات عديدة جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية من اليرموك وأماكن أخرى الوضع المذل في بلد كان يتمتع قبل بدء النزاع بالاكتفاء الذاتي. وأشار جاسم، وهو ناشط في اليرموك، إلى أن «الناس يموتون في منازلهم ويصبحون طعاما للفئران قبل أن يعلم بهم الجيران».

ومنذ 18 (كانون الثاني) الماضي، وزعت الأونروا نحو ثمانية آلاف طرد من المواد الغذائية، لكنها «قطرة ماء في بحر» بحسب الوكالة. ولا يقل حدة عن ذلك نقص الأدوية والبنزين والكهرباء. ولفت طارق وهو معلم في الغوطة الشرقية التي كانت معروفة بخصوبة أرضها وبساتينها، إلى «أمور كانت عادية قبل الحصار مثل التلفزيون والتدفئة، لكنها أصبحت الآن من الكماليات».

وقال في اتصال معه أيضا عبر سكايب: «إن سعر كيلو الطحين ارتفع من 50 إلى 750 ليرة (من 0.30 إلى 5 دولارات أميركية)، ولتر المازوت من 20 إلى 1700 ليرة (0.13 إلى 11 دولارا)».
وقد فرض الجيش السوري طوقا على بلدات وأحياء عدة، مثلما حصل في حمص، حيث قامت الأمم المتحدة بإجلاء 1500 مدني خائري القوى في فبراير (شباط) الماضي.

وفي مطلع مارس، قالت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إن «أكثر من 250 ألف شخص يخضعون لحصار في سوريا» و«عليهم الاختيار بين الجوع والاستسلام» موجهة إصبع الاتهام إلى القوات النظامية، وكذلك إلى المعارضين الذين يحاصرون قرى موالية للنظام. ويضاف هذا الرقم إلى حصيلة مريعة أصلا، مع أكثر من 140 ألف قتيل جراء النزاع، وأكثر من تسعة ملايين من اللاجئين والنازحين، وأكثر من 2.2 مليون طفل محرومين من المدرسة، فضلا عن تدمير أو تضرر نحو 50 في المائة من مستشفيات البلاد.

مناشدة المجتمع العالمي

ومن جهة ثانية، ذكر تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) الثلاثاءأن عدد الأطفال السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية تضاعف العام الماضي ويبلغ الآن 5.5 مليون طفل. وتوصل التقرير إلى أن عدد الأطفال الذين تأثروا بالاضطرابات في بلادهم بلغ 2.3 مليون في مارس من العام الماضي، لكن بعد عام، صار هناك4.3 مليون داخل سوريا و1.2 مليون طفل لاجئ في حاجة إلى مساعدة. وقال التقرير إن الأطفال يشكلون الآن قرابة نصف عدد السكان (9.3 مليون شخص) داخل سوريا في حاجة إلى مساعدة، إضافة إلى أكثر من 320 ألف طفل دون سن الخامسة يعيشون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها.

يذكر أن القتال الذي اندلع قبل ثلاث سنوات أودى بحياة ما يربو على 140 ألف شخص، بينهم عشرة آلاف طفل. ويستند التقرير على مجموعة من الأحداث منقولة على لسان أطفال تعرضت حياتهم للتدمير بعد ثلاثة أعوام من الحرب، كما يسلط الضوء على الصدمة النفسية التي يعاني منها الكثيرون. ويذكر التقرير الذي صدر تحت عنوان «تحت الحصار – الأثر المدمر على الأطفال خلال ثلاثة أعوام من النزاع في سوريا.

و يناشد التقرير الذي نشرته المنظمة على موقعها الإلكتروني، المجتمع العالمي اتخاذ خطوات مصيرية تتمثل في الوقف الفوري لدوامة العنف في سوريا وضمان الوصول المباشر إلى مليون من الأطفال «الذين لم نتمكن من الوصول إليهم» و«خلق بيئة مناسبة لحماية الأطفال من الاستغلال والأذى» و«الاستثمار في تعليم الأطفال» و«مساعدة شفاء الأطفال من الداخل بواسطة العناية النفسية» ثم «تقديم الدعم للمجتمعات والحكومات المضيفة من أجل التخفيف من الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي يتركه النزاع على العائلات».

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 86 من جريدة التقدمي

صدر العدد (86) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في منظمة ...