شهدت المناطق الكردية لفترة تزيد عن السنة والنصف من عمر الثورة السورية استقرار نسبي, و في الآونة الأخيرة بدأت تمتد اليها الأيادي لتحريك الاوضاع نحو خلق القلاقل والمشاكل فيها, ودعوات للدخول إليها من قبل مسلحين غرباء عن المنطقة بدواعي التحرير و اسقاط النظام, ورغم بطلان مثل هذه الدعوات إلا ان التهديد جدي والخطر حقيقي و الايادي التي ترتب لذلك متشابكة ومعقدة الى درجة اللامعقول، اذ ان الجيش الحر والنظام وقوى اقليمية وبعض القوى الموجودة على الارض والمتناقضة فيما بينها تجدها جميعها موجودة وتعمل معا !
استطاعت القوى الكردية الى حد ما من ترتيب امورها, وايجاد حالة من التنسيق والتفاهم فيما بينها, والتي عززت من آمال جماهيرها في الانحياز لتجربتها, التي كانت رخوة أساسا ولو الى حين, ما لبث ان اعترضت هذه الحالة خلافات داخلية منها سياسية ومنها حزبية ضيقة, والى حد ما شخصية, كما زاد من تعقيد الاوضاع وسوءها التدخلات الاقليمية ومنها الكردستانية, كحالة السوريين جميعا يضاف البعد الدولي الى ذاك التدخل, كل هذه الامور عرقلت من مسيرة التجربة الكردية, وتم محاولة النيل من المجلس الوطني الكردي منذ بداية تشكيله , ومن ثم النيل من اتفاقية هولير التي لم تجد نصيبها في التنفيذ, لاعتراض الكثيرين عليها من البداية وخاصة من أولئك الموقعين عليها, وفيما بعد الهيئة الكردية العليا التي وحدت لأول مرة نضال غالبية القوى و الاحزاب الكردية في سوريا واستقطبت من حولها جماهير الشعب الكردي, و أخذت لها مكانا في الوسطين الدولي و الاقليمي , مما حدا بكل متضرر من تلك الهيئة في العمل معا للنيل منها وضربها وإفشالها و نجحوا الى حد كبير في ذلك .
هذا الانقسام في الموقف السياسي الكردي , والانهيار في هياكله السياسية , التي كادت ان تكون مرجعيات مهمة له , وتنامي حالة فقدان الثقة بين جميع الاطراف, وضياع البوصلة التي يمكن التوجه بموجبها نحو الهدف, والذي بات غائبا بدوره, يشكل بمجمله المناخ الملائم لانهيار التجربة الكردية, ان لم يقدم القائمون عليها بالتصدي لها بكل جرأة و مسؤولية , وممارسة النقد الجريء والشفاف نحو الذات والآخر .
واجد أن مقدمات هذا التصدي تكمن فيما يلي :
أولا: الاعتراف من قبل الجميع بمكامن الخطأ على صعيد الممارسة, بدأ من الشخص حتى الحزب والمؤسسة التي ينتمي اليها .
ثانيا: الإقرار بضعف ايمان جميع الأطراف بمفهوم الشراكة, ومحاولتهم الالتفاف عليها للوصول الى الاستفراد بالقرار .
ثالثا: التأكيد على غياب آليات العمل في مؤسسات العمل الكردي, وخاصة غياب الموقف السياسي المستقل والتركيز على الامور الاجرائية البحته, والتي اخذت كل الوقت , وكانت تفشل في اول تناقض سياسي يظهر .
رابعا: غياب الاستراتيجية والتكتيك في آن معاً , اذ لا رؤية واضحة لموقف وطني نحو سوريا القادمة ,وان كان تقدير الموقف بسوريا بات غائباً نظرا لانحراف الثورة عن مسارها, ولكن يبقى التأكيد على دور الكرد الوطني مهمة من مهام الحركة الكردية, وكذلك اخذ الظروف القائمة في المناطق الكردية بعين الاعتبار من الامور التكتيكية في سياق الرؤية الاستراتيجية لسوريا عموما والقضية الكردية خصوصا .
خامسا: ان أي شخص مستقل او هيئة او مجلس او حزب او مؤسسة تستطيع القيام بدورها في اطار العمل الكردي المشترك . وهي تتمم بعضها البعض , ولكن في ظل غياب التفاهم والعمل المشترك فان تلك الامكانات تسخر في أطر الصراع والتكتل والمحاور , والتي تضر بالحالة القومية ككل, و هو الواقع وبكل اسف .
سادسا: المجلس الوطني الكردي عليه البحث في آليات عمل واقعية , تمكنه من اخذ موقعه ومكانه الطبيعي بين جماهيره , وذلك بحل التناقضات السياسية الداخلية فيما بين اطرافه , وبناء مؤسساته على اسس من معايير تساهم في رسم خارطة واضحة لقواه و امكاناته بشكل واقعي , وبعيدا عن الشكليات القائمة , وهنا اجد لزاما على القوى الرئيسية في المجلس الوطني الابتعاد عن عقلية الهيمنة والاستحواذ على القرار, لاستحالته وهو ما اكدت عليه التجربة خلال العمل المشترك منذ اكثر من سنتين.وهو ضار ومعرقل لمفهوم الشراكة الذي به فقط يمكن توفير النجاح للمجلس , لأنه ومن خلال الشراكة ستعود القوى و الاحزاب الاقل في امكاناتها التنظيمية والجماهيرية في المجلس الى تسخير طاقاتها الموجودة خدمة لقرار المجلس الوطني الكردي, وليس التكتل ضمن هذا المحور او ذاك كما هو حاصل حاليا .
سابعا: على مجلس الشعب لغربي كردستان والذي يتحمل في الواقع العبء الاكبر في تحمل المسؤولية في المناطق الكردية , وفي مختلف المجالات خاصة الامنية منها, وبات يشكل الوجه الاخر لسلطة الامر الواقع نتيجة اقدامه على تلك المبادرة، وتخلف المجلس الوطني الكردي عن دوره في هذا المجال, اضافة الى ظروف اخرى ساعدت مجلس غربي كردستان في الوصول الى ما هو عليه حاليا, وهذا الواقع يحتم عليه تحمل المسؤولية الاكبر في فشل التجربة في حال حصول ذلك لا سمح ألله, و أوكد على الرغم من الجهد الكبير الذي يبذله والتضحيات الكبيرة التي يقدمها, ولكنه يعاني من اخطاء منها امراض مترافقة مع السلطة، كمظاهر الفساد و الغرور، وممارسة بعض مظاهر القمع تجاه المعارضين, خاصة في ظل ضعف التجربة وضعف الكادر, وهيمنة فكرة الاستفراد وضعف الايمان بالشراكة, كل هذه الامور ساهمت مع ما يعانيه المجلس الوطني الكردي من ضعف الاداء و الامكانات , مع اسباب اخرى الى فشل العمل المشترك, لهذا أرى ان مجلس الشعب لغربي كردستان, كونه يتحمل مسؤولية القرار والتنفيذ في الواقع الفعلي, و ايمانا بأن اي عمل منفرد لن يساهم في انجاح التجربة. عليه ان يكون المبادر في توفير آليات العمل الكردي المشترك , وان يعزز حالة الثقة والاطمئنان لدى الجميع بمؤسساته, والتي يجب ان تتحول الى مؤسسات وطنية كردية سورية من خلال تفاهم وتوافق الجميع وبعيدا عن مفاهيم عقائدية تعود الى هذا الطرف او ذاك.
بهذا وحسب اعتقادي، سيساهم في اعادة الروح الى اتفاقية هولير, والهيئة الكردية العليا, ومؤسسات العمل الكردي المشترك, ومن ثم التفكير والعمل الجدي بالتواصل مع بقية المكونات في المنطقة, من العرب والسريان و الاشوريين و الججان وغيرهم, لدرء وحماية مناطقنا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ سوريا والتي يصعب التكهن بنهايتها قريبا.
احمد سليمان
عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
الناطق الرسمي باسم الهيئة الكردية العليا