خلال خمس سنوات من نزاع دموي في سورية، باءت جهود دولية عدة لإيجاد حل بالفشل، لكن من شأن التطورات الأخيرة في الملفين العسكري والإنساني، أن تفتح الطريق أمام تقدم سياسي أيضاً.
وبعد فشل المفاوضات بين الحكومة والمعارضة السوريتين في بداية شباط (فبراير) الماضي في جنيف، تضغط القوى الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة وروسيا لإنجاح جولة جديدة تعقد بموجب قرار لمجلس الأمن ابتداء من غد (الإثنين) في جنيف. وتختلف هذه الجولة عن مبادرات الحل السابقة بإنها تترافق مع اتفاق لوقف الأعمال القتالية ونقل مساعدات للمدنيين المحاصرين، إلا أن العقبة الأساسية تبقى مصير الرئيس بشار الأسد، إذ تتمسك المعارضة بأن لا دور له في المرحلة الانتقالية، في حين يصر النظام على أن الرئيس «خط أحمر»، رافضاً البحث في مسألة الانتخابات الرئاسية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 أعلنت الجامعة العربية اتفاقاً مع سورية يتضمن وقف العنف، الإفراج عن المعتقلين، سحب الجيش من المدن، وحرية حركة المراقبين العرب والصحافيين. ولكن لم يتم احترام أي من البنود، وفي الأسابيع التالية علقت الجامعة العربية عضوية سورية فيها ثم فرضت عليها عقوبات غير مسبوقة.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ نيسان (أبريل) من العام نفسه عقوبات على الحكومة السورية، تم تشديدها لاحقاً، واستهدفت تعاملات الحكومة التجارية والمالية وشخصيات في النظام. وفي 22 كانون الثاني (يناير) 2012 قدم وزراء الخارجية العرب مبادرة جديدة تنص على نقل سلطات بشار الأسد إلى نائبه فاروق الشرع. وفي 24 من الشهر نفسه، أغلق النظام الباب في وجه أي حل عربي، وأكد تصميمه على قمع الاحتجاجات الشعبية ضده، في وقت كانت البلاد بدأت تسلك طريق الحرب. واختفى الشرع من المشهد السياسي.
وفي 24 شباط (فبراير) 2012 عقد اللقاء الأول لمجموعة «أصدقاء سورية» الذي قاطعته موسكو وبكين، وضمت عدداً كبيراً من الدول، وتم تنظيم الكثير من الاجتماعات لممثلي الدول الداعمة للمعارضة السورية ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في دول عدة.
وطالبت المعارضة في كل هذه الاجتماعات بدعمها بالسلاح، الأمر الذي لم يحصل بشكل يمكنها من تحقيق توازن عسكري على الأرض للدفع في اتجاه حل سياسي. وفي 12 نيسان (أبريل) 2012 بدء سريان وقف لإطلاق النار بموجب خطة لمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، لكنه لم يصمد أكثر من ساعات، وما لبث أنان أن استقال من مهمته. وفي حزيران (يونيو) 2012 اتفقت في جنيف مجموعة عمل مؤلفة من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وتركيا ودول عربية على مبادئ مرحلة انتقالية، لكن الأطراف السوريين وغير السوريين المعنيين بالنزاع اختلفوا على تفسير هذه المبادئ التي لم تلحظ بوضوح مصير الأسد الذي تطالب المعارضة برحيله.
واعتبرت واشنطن أن الاتفاق الذي لم يطبق يفسح المجال أمام مرحلة «ما بعد الأسد»، في حين أكدت موسكو وبكين أنه يعود إلى السوريين تقرير مصيرهم. في 14 أيلول (سبتمبر) 2013 أبرمت الولايات المتحدة وروسيا في جنيف اتفاقاً حول إتلاف الترسانة السورية من الأسلحة الكيماوية، وجاء الاتفاق بعد هجوم بالأسلحة الكيماوية في ريف دمشق نسب إلى النظام وتسبب بمقتل المئات، وتجنب النظام، بعد موافقته على الاتفاق، ضربة عسكرية أميركية على سورية.
وعلى رغم إعلان «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» تخلص دمشق من أسلحتها الكيماوية، إلا أنها أكدت أنه استخدم غاز الكلور في النزاع بشكل «منهجي».
في كانون الثاني (يناير) 2014 عقدت مفاوضات في سويسرا بين المعارضة والنظام، بضغط من الولايات المتحدة الداعمة للمعارضة ومن روسيا الداعمة للنظام، وانتهت من دون نتيجة ملموسة. تلتها جولة ثانية انتهت في 15 شباط (فبراير) من العام نفسه، وأعلن وسيط الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الذي حل محل أنان آنذاك، وصول النقاش إلى طريق مسدود. وفي 13 أيار (مايو) 2014، استقال الإبراهيمي بدوره بعد أكثر من 20 شهراً من الجهود العقيمة. وفي آب (أغسطس) 2015، دعم مجلس الأمن بالإجماع مبادرة تضع خريطة طريق للتوصل إلى حل سياسي في سورية.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، وبعد مرور شهر على بدء الحملة الجوية الروسية في سورية دعماً للنظام، اجتمعت 17 دولة في فيينا، بينها روسيا والولايات المتحدة والسعودية وإيران وتركيا، لبحث الحل السياسي في سورية بغياب ممثلين عن كلا المعارضة والنظام. واتفق المجتمعون على السعي إلى وضع أُطر انتقال سياسي، فيما اختلفوا على مستقبل بشار الأسد.
وفي 14 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، توصلت الدول الكبرى في فيينا إلى خريطة طريق تنص على تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات وعقد محادثات بين الحكومة والمعارضة في حلول بداية كانون الثاني (يناير) 2016، من دون الاتفاق على مصير الأسد. وفي 10 كانون الأول (ديسمبر)، اجتمعت في الرياض للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في سورية مكونات معارضة سياسية وعسكرية، شكلت هيئة من 33 عضواً للتفاوض مع النظام. وتبنى مجلس الأمن في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015، بالإجماع وللمرة الأولى منذ بدء النزاع، قراراً يحدد خريطة طريق تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وينص على وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهراً، من دون أن يشير إلى مصير بشار الأسد. وفي الأول من شباط (فبراير) الماضي شاركت «الهيئة العليا للمفاوضات» في مفاوضات جنيف، ولكن ليس بصفة مفاوض، في حين تم استبعاد أهم حزب كردي في سورية عن المشاركة. وباءت تلك المفاوضات بالفشل ما أجبر موفد الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا على تعليقها ومن ثم إرجاء عقد الجولة الثانية مرات عدة.
وفي 12 شباط (فبراير) 2016، اتفقت القوى الكبرى في ميونيخ الألمانية على خطة لوقف الأعمال القتالية في سورية في غضون أسبوع، وفي اليوم التالي بدأت المدفعية التركية بقصف مواقع لمقاتلين أكراد في سورية.
وفي الـ 21 من الشهر نفسه، اتفقت روسيا وأميركا على وقف الأعمال القتالية في سورية استثنى تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة» ودخل حيز التنفيذ في 27 شباط (فبراير.(
وفي 8 آذار (مارس) قالت الأمم المتحدة إن جولة المفاوضات الجديدة ستبدأ في موعد أقصاه 14 من الشهر نفسه، مشيرة إلى أنها أوصلت مساعدات منذ اتفاق ميونيخ إلى 150 ألف مواطن سوري محاصر.