في بداية التسعنيات كانت هناك مخاوف كردية من قرار الرئيس التركي آنذاك توركت أوزال بالانضمام إلى التحالف الأمريكي البريطاني الفرنسي لضرب العراق وإقامة منطقة عازلة في شمالي العراق بتفويض من مجلس الأمن الدولي .أوزال طلب من قيادة أركانه بوضع قاعِدتي باطمان و انجرليك في خدمة طائرات التحالف وأعتبر هذا التدخل نعمة من الله لأن بلاده كانت تبحث عن دور إقليمي فاعل في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي . هواجس الكرد آنذاك تمثلت في أن تقوم تركيا باحتلال المناطق الكردية بحجة حماية التركمان و محارب حزب العمال الكردستاني . لكن هذه المخاوف سرعان ما تبددت أولاً لأن تركيا لا ولن تستطيع القيام بأي شيء دون التحالف الدولي ثانيا لان الحركة الكردية في العراق نجحت في لغة الحوار والمصالح المتبادلة مع تركيا، وبعد إزالة هواجس الطرفين ومنها إلى توطيد العلاقة مع تركيا ثم تطبيع العلاقات الديبلوماسية و الاقتصادية بينهما اليوم خير دليل على ذلك . أوزال الليبرالي و المخلص للجمهورية الكمالية والذي أيد ظهور الاسلاميين ايضا , اعترف ضمنيا بإقليم كردستان العراق بعد تحقيق مصالح بلاده .
في سورية اليوم يوجد تحالف دولي بقيادة امريكا لمحاربة داعش الذين يعتبرون الكرد حلفائهم الوحيدين على الارض ولو بشكل مرحلي تكتيكي . فتركيا التي رفضت الانضمام إلى التحالف إلا بشروط منها أن يكون اسقاط الأسد وإقامة المنطقة العازلة من أولويات التحالف انضمت اليوم دون أن تتحقق شروطها و قامت بوضع قاعِدتيّ ديار بكر و انجرليك تحت خدمة التحالف وقامت بقصف أوكار داعش في ريف حلب .
هذا التغيير في الموقف التركي طبيعي بحسب كلام البعض بعد تنامي خطر الارهاب على أمنها من جهة و بعدما أُطلِقت يد أيران في المنطقة بموجب اتفاق الأخيرة مع الدول الست في بروكسيل . تركيا من سياسية صفر مشاكل كادت أن تٌصبح صفرا على الشمال بسبب موقفها الأنتهازي من الأزمة السورية و اغفال دخول الجهاديين عبر اراضيها . ما يُقال أن تركيا بصدد إقامة منطقة عازلة بموجب أتفاق مع الولايات المتحدة ليس إلا تبريرا لموقفها السابق الرافض في دخول التحالف وإضافةً ما هي إلا حرب أعلامية فارغة المضمون لأن إقامة المنطقة العازلة أو الآمنة بحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي وهذا فيه أستحالة لأن “الفيتو” الروسي الصيني سيكون بالمرصاد لمثل هكذا قرار بالإضافة إلى تكلفة هذا المشروع سوف تصل إلى 500بليون دولار امريكي و نشر 50 الف جندي بحسب قائد القوات الامريكية في الشرق الأوسط الجنرال لويد أوستن . هذا يعني أن دور تركيا سوف تختصر على قصف داعش ولن تستطيع القيام بشيء آخر خارج غرفة العمليات المشتركة بقيادة الامريكان . وهنالك رؤية ثانية تقول أن مضمون الاتفاق التركي الأمريكي يقتضي إنشاء جزر آمنة من جرابلس إلى مارع لأنه يحول دون ربط الاقاليم الكردية الثلاث وخاصة كوباني وعفرين فقط. على أعتبار أن الكرد لن يستطيعوا وقف العمليات التركية المباركة من التحالف الدولي لا عبر التنديد ولا التهديد فأن الحركة الكردية بأمس الحاجة اليوم إلى رص صفوفها وترك خلافاتها جانبا وتبني سياسة أكثر براغماتية بعيدا عن الرؤى الحزبية الضيقة و الإيديولوجيات العميقة .
ومن هنا على الديبلوماسية الكردية التحرك بروية وشرح حقيقة الموقف التركي الذي يتذرع بمحاربة داعش لاستهداف الكرد ,والتواصل مع المجتمع الدولي سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع القوى الكردستانية، وتعزيز وحدة الصف الكردي ، خاصة من قبل حركة المجتمع الديمقراطي ( Tev – Dem) سلطة الأمر الواقع في المناطق الكردية التي تقع على عاتتقها تنقية الأجواء الكردية – الكردية، والقبول بمشاركة المجلس الوطني الكردي في سوريا بالقرار السياسي ، للوقوف أمام التهديدات التركية الجدية هذه المرة. التي تهدد الكرد ليس في سوريا فقط بل التجربة الكردية في كردستان العراق، وكذلك الالتفاف على نتائج الانتخابات النيابية التركية التي حصل فيها حزب الشعوب الديمقراطية على أكثر من 13% من أصوات الناخبين .