هلكوت حكيم: العراق في معمعة الهزيمة الثلاثية

Share Button

بالأمس كانت بقايا القيادات البعثية السابقة تدفع بمن يستمع اليها للانتشار في الشوارع والمطالبة بخروج المحتل الأميركي من البلاد. وما ان تمكنت، حتى حملت السلاح ضده وفتحت الأبواب 204 - الحياةامام كل من يريد ان يقتل جندياً اميركياً يؤدي خدمته العسكرية في العراق. فأتت بأولئك الذين تعودوا على سفك الدماء في كل مكان من دون اي حساب سوى زعزعة الأمن والاستقرار.

من لا يفهم موقف تلك القيادات وهي تعود اليوم تحت عباءة داعش، بحثاً عن مجد وسلطة فقدتهما حين انهار نظام صدام؟ كانت تلك القيادات وما زالت منسجمة مع ذاتها وواضحة في افكارها ونشاطاتها. فبالنسبة لها كان الأميركيون حقاً محتلين ولولاهم لما كانوا هم يفقدون سلطة تمتعوا بخيراتها طويلاً.

بالأمس كانت قيادات شيعية في العراق تدفع بحشود الناس الى الشوارع كي تطالب بمغادرة المحتل الأميركي. وتطورت الحال بها الى حمل السلاح ضد المحتل ورفع كأس الانتصار يوم غادر ارض العراق تاركاً لهم بلداً يحكمونه. ولو لم يأت المحتل الأميركي لكان شيعة العراق يئنون حتى هذه الساعة تحت حكم لا يرحمهم. فالمحتل الذي طردوه قدم لهم الحكم في بلد غني على طبق من ذهب. مع ذلك طلبوا منه، وبخط رئيس الوزراء نوري المالكي ولسانه، أن يخرج بعدما انجز عمله. اذ صاروا يعتبرونه عبئاً عليهم بما لديه من انتقادات تمنع عليهم الحكم من دون معارضة. كانوا آنذاك منسجمين مع انفسهم وأوفياء لإيران التي حضنتهم.

اليوم تطلب هذه القيادات ذاتها من المحتل المطرود ان يعود ليدافع عنها ضد «المؤامرة الداخلية والإقليمية» التي تحاك ضدها. فهل تندم على ما فقدت في السابق تجاه المحتل؟ المحتل بقي منسجماً مع نفسه في حين اخذت هي تتخبط في تناقضاتها.

المهزوم الأول في هذه المسرحية المأسوية التي تجري امام اعيننا هو نوري المالكي. اذ لم يتمكن منذ تسلم الحكم ان يهيء، وهو المنتصر، جواً للسنة العرب المهزومين يحسون فيه انهم لا يدفعون ثمن جميع جرائم نظام صدام حسين. الا ان حكومة المالكي لم تقم بأية محاولة في هذا المضمار.

فتصرف المالكي وكأنه لا يملك في نهاية المطاف نموذجاً للحكم غير نموذج صدام، حين بدأ يدير حكمه يوماً بعد يوم بشكل فردي ثم دكتاتوري خلق له اعداء حتى داخل طائفته الشيعية. ولم يكتف بسياسة معادية للسنة، بل بدأ يعادي الأكراد أيضاً وهم حلفاء الشيعة، قبل صدام وبعده. وقد وصل به الحال ان يذهب، في فورة الانتخابات البرلمانية اخيراً وبعد مقتل الصحافي العربي محمد بديوي على يد ضابط كردي من حرس الرئيس جلال الطالباني اثر شجار بينهما، الى مكان الحادث وينادي امام كاميرات التلفزيون بـ «الدم بالدم»، وأن يضيف بكثير من الافتخار بأنه «ولي الدم»، اي ولي الثأر، هو الذي وصل الى السلطة على رأس تحالف باسم «دولة القانون».
كان موقفه هذا وراء تصويت الأكراد بقوة لمثلي احزابهم رغم انتقاداتهم العنيفة لها بسبب الفساد المدمر المتفشي بينها. ولذا استطاعوا ان يكسبوا في البرلمان المنتخب قبل شهرين خمسة مقاعد مضافة على مقاعدهم في البرلمان السابق. فتصريحات المالكي التي اعتبروها مثيرة للحقد العربي على الأكراد اعادت الى ذاكرتهم صوراً سوداء من الماضي القريب.
والمهزوم الثاني هو الطائفة الشيعية التي اثبتت عدم امكانيتها إدارة بلد فيه من العناصر والمعتقدات ما لا يعد ولا يحصى. اذ لم يتمكنوا من مواكبة الأحداث وتفهم التعدد الديني والمذهبي بخاصة، فبقوا حبيسي أفكار تكونت عبر مئات سنين قمع خلالها العربُ السنة اخوانهم في الدين والعرق واللغة العربَ الشيعة. ولم تتمكن الطائفة الشيعية بل لم تحاول ان تعطي للعالم صورة اخرى عن نفسها غير التي توارثتها منذ الثورة الإيرانية. ودخل بعض قيادات الشيعة في عالم الفساد المالي الجارف في العراق. وهذا الفساد بالذات يفسر رفض العسكريين الشيعة دخول المواجهة ضد السنة وداعش. اذ يرون ان قياداتهم تغذيهم ليل نهار بالآيات القرآنية وأخبار الصحابة الأولين، في حين تثري نفسها بأموال الفساد على مسمع ومرآى الجميع.

أما الهزيمة الثالثة فتلحق بتلك الفكرة التي تقول وبكلمات رنانة ومؤثرة ان العراقين عرباً وأكراداً، شيعة وسنة، مسلمين ومسيحيين ويزيديين وصابئة، فقراء وأغنياء، لا يهدفون إلا ان يعيشوا معاً، لكن الشيطان الأميركي هو الذي يفرق بينهم كي يسود. ومرة أخرى أظهرت شعوب العراق ما يجيش في اعماقها من حقد على الآخر ورفض له. انهم لا يريدون ولا يتمكنون، بخاصة بعدما حدث، ان يتعايشوا بهدوء، جنباً الى جنب.

بالأمس كان الشيعة والأكراد ينتفضون طلباً لمعاملة احسن. اليوم ينتفض العرب السنة طلباً لمعاملة احسن وتقسيم اعدل للموارد التي تعودوا ان يستفردوا بها خلال ثمانين عاماً من عمر العراق. فهل يفهم الشيعة طلب السنة والبعثيين الذين لا يترددون في طلب عون مجرمي داعش. ام فات أوان الأمل؟

* أستاذ عراقي كردي في جامعة باريس

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...