إن من يلقي نظرة فاحصة على شرقنا (أعني الشرق الأوسط تحديدا) وما يجري فيه من أحداث تبرز أمامه وفي مواجهته حقيقة وصور التخلف الشامل لكل مناحي الحياة في مظاهرة السياسية_ الاجتماعية_ الاقتصادية والثقافية.هذه الصورة التي استمرت حقبة طويلة مريرة من الزمن ولا زالت ,وتميزت وخاصة بطغيان ثقافة قديمة أقرب إلى البدائية ,ومع بروز هذا التخلف بشكل صارخ في حلبة الصراع الدائر الآن ورغم كراهية هذا الاقتتال وشراسته لا اعتقد أن في كليتها بأمر طبيعي كنتاج للتخلف فقط وبإرادة هذه الشعوب أو بنتاج صحوة جماهيرية في معرفة واقعها ومستلزمات غدها. بل جاءت في غالبيتها مصنعة ومفروضة عليها.ربما كان هذا ضروريا من ناحية لكسر هذا الجمود والتخلف المزمن خاصة الفكري والثقافي منها.وها قد بلغت شعوبنا في صراعاتها الذاتية (الداخلية) أعلى درجات التعقيد والمعقدة أصلا وتحول هذا الشرق من السيئ إلى الأسوأ وبات ممكنا أن نطلق عليه تسمية شرق الدم والحرمان والمعاناة, وفي هذه الحالة ما كان له (الشرق) إلا أن ينتج أزماته لتطفو هذه الأزمات إلى السطح مبرزة ومنتجة لأزمات جديدة, في ممارسات الحركة السياسية عامة والكردية خاصة وطبعا بلا استثناء أنظمة ودول المنطقة, فالتي تقتسم كردستان اليوم تسعى في صراعها مع بعضها اى — توسيع رقعة بلدانها في محاولة لتوسيع سيطرتها على المزيد خاصة وقد أصبحت سايكس _بيكو هرمة وساقطة .وكأن أرض كردستان بلا شعب وأنها كانت غنيمة في السابق وأرضا مشاعا لجشع الدول الغاصبة.
حقيقة أن حركتنا الكردية في مواجهة هذه اللوحة التصارعية المعقدة تعيش هي أيضا أزمتها الخاصة ,وفي كل تغيير مرحلي في كل منعطف تاريخي تبرز أزمتها في أشكال وأنماط متنوعة, واليوم وفي مثل هذه البيئة السياسية المتخلفة أصبح من اللازم على الحركة أن تخرج من أزمة التفرقة والتشرذم هذه لترتقي بنضالها والتعامل بجدية وايجابية مع المرحلة في مواكبة العصر ومتطلباته كي يكون هذا الشرق لشعوبه وكردستان لشعبها.
إن بنتيجة تمزق حركتنا وارتباط جزء منها بالدول الإقليمية لها أجندتها في صراعها مع الكرد بالدرجة الاولى, أثمر عن تمثيل طردي جزئي هش في جنيف(3)وضمن وفد مصنع في الرياض وبمباركة تركية وبإستثناء القلة من أعضائها المعتدلين بعض الشيئ تكون أغلبية هذا الوفد من الحاقدين والعنصريين في معاداة الكرد وانكار وجودهم وعدالة قضيتهم القومية.
وفي هكذا لوحة سياسية عدائية اضافة إلى تشرذم حركتنا ما كان بداً من مبادرة جامعة موحدة حتى ولو جاءت بحلول ناقصة فقط لخلق شيئ من التفاهم والتعاون حول المصلحة القومية الكردية استراتيجياً.
وحتى على نطاق سوريا أيضا ولمستقبلها ماوجب أن تمثل القضية السورية بحفنه من أيتام البعث وغلاة الرجعيين بل بأناس قادرين فعلا على تمثيل الشعب في مساهمة ريادية في اتخاذ القرارات وايجاد علاقات واسع مع دول التحالف تأتي فعلا في رسم مستقبل سوريا بما يحقق لشعبها ولكل شعوب المنطقة الأمن والاستقرار.
لقد جاءت مبادرة الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا في سياسة بينية كضرورة ملحة وعلى لسان سكرتير الحزب الرفيق عبد الحميد درويش, إن علمت أطراف حركتنا بأن لا مفر من الاستجابة لها وعدم التعويل على معارضة النظام والتي من فكرها البائس ليس معادية لشعبنا فقط بل لنفسها أيضا وعلى ذاتها وقضاياها الوطنية.
جاءت المبادرة متأخرة ولكنها لاقت ترحيبا واسعا لدى أبناء الشعب الكردي في سوريا و عموم أجزاء كردستان علما أن بعض الأطراف ما انفكت تزايد على المبادرة ,ذلك للإقلال من أهميتها والالتفاف عليها وهذا يذكرنا بموقف الملكيين الفرنسيين من الثورة وتصفية قادتها والتي تقول (سنعيد الملك إلى العرش ونتخلص من خصومنا باسم حماية الثورة والجمهورية من أعدائها).
وفي مثل هذه البيئة السياسية المتعبة والهزيلة ما كانت لتأتي المبادرة إلا في سياسة بينية اصلاحية متأرجحة بين النجاح والفشل دون الاستفادة من تجاربنا الكثيرة مع الكردستان العراقية أعني مؤتمراتنا في أربيل ودهوك وبقاء المشوشين على القضية الكردية في استمرارهم التغني بها (المؤتمرات) والسعي لتحقيقها عبثا.
إذن مابقي للحزب في الحالة السياسية هذه غير الإستمرار في نضاله لانجاح مشروعه القومي باتباع سياسة أكثر جرأة ,عملية هادفة للخروج بهذه السياسة البينية من وضعية التأرجح بين الاستراتيجية والتكتيك لتستقر على قاعدتها الاستراتيجية القومية واقعا حقيقيا.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل المبادرات فقط وكلها تحقق غاياتها؟ أليست السياسة البينية الاصلاحية هذه ما كانت لترى النور وتلقى النجاح إلا بمقومات جديدة وشروط أقل مايقال فيها أنها تغيرت وتبدلت نحو الأفضل والحقيقة أن للسياسة البينية معطياتها ,مبرراتها ,واسباب نجاحها أو اخفاقها, ففي العمل السياسي الواقعي وجب ان تحمل السياسة بذرة ثورية واقعية لتقف صامدة على قاعدة ومنطلقها الاستراتيجي (أي تقوية الحركة بممثليه وبرامج سياسية منطقية في نصرة القضية والسعي لانتصارها).وبخلاف ذلك أي اذا جاءت هذه الحركة السياسية تكتيكية برغماتية لا شك أنها ستبقى في حالة التأرجح خاصة أمام جهل وألاعيب والتفافات تلك القوى التي أصبحت أجندة في خدمة الدول الاقليمية والتي ترى في اقامة أي كيان كردي أو حصول الكرد على حقوقهم استهدافا لمصالحها القومية والأمنية؟
ولا يخفى أن هذا الصراع المرير قد يودي بالغاية السياسية النبيلة ,إلا اذا تابع أصحاب المبادرة متابعة العمل وبيقظة وعناد لإنجاحها وحتى إن اضطر بوضع جزء من الحركة جانبا-تلك المجموعة الدائرة في وجه اي طموح لأية محاولة نوعية في الارتقاء وبالنضال والمطلب ,كذلك من الضرورة والمبدئية أن تقف إلى جانب الجهد الأممي المناصر لحقوق شعبنا ولأولئك الابتعاد عن اللهاث خلف الاعداء والتي باتت تهدد أمن شعبنا والامن العالمي بغزوات قرو وسطية قذرة
أخيرا ما أود قوله بأن مبادرة الحزب ما أتت عبثا ولا كل مبادراته الاخرى وإن كانت في بعضها مثالية ومستقبلية-تهدف جميعها رسم خارطة لمواجهة أزماتنا وإن تعثرت بعضها اليوم فالغد القريب جدا سيشهد على أهميتها وصوابها؟
هشمند شيخو
عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا