في غرفة ذات ستائر خضراء تمنع ضوء الشمس من الدخول, يجتمع عدة عناصر من إحدى الميليشيات الكردية في سوريا حول جهاز لاسلكي محاولين تحديد إحداثيات بعض المواقع بدقة بواسطة أجهزة الـ جي بي اس.
وبعدها يبدأ عمل أحدهم ويدعى طلال رامان, بتحميل تلك الإحداثيات بواسطة جهاز سامسونج لوحي, ليضع علامات بألوان مختلفة على خرائط غوغل محددا أماكن تواجد رفاقه ومواقع تمركز مقاتلي تنظيم الدولة, ليرسلها إلى غرفة العمليات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية ثم ينتظر. وخلال دقائق معدودة يبدأ طيران التحالف ضرباته للمواقع المحددة المرسلة. وفي النهاية تأتي رسالة من تلك الغرفة ” الرجاء تأكيد دقة الضربات وعدم إصابة أحد من حلفائنا بأذى“.
بهذا التنسيق المحكم استطاعت ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي طرد تنظيم الدولة من مناطق واسعة في الشمال السوري قرب الحدود التركية.
وفي الآونة الأخير استطاعت الولايات المتحدة إقناع تركيا بالسماح لطائراتها بالإقلاع من قواعد تركية قريبة من الحدود, لكن هذا الخبر لم يسعد أكبر حليف للولايات المتحدة على الأرض, بل زاد من قلقه وخصوصا بعد إعلان تركيا مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
فقد استغلت الميليشيات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة, رفض تركيا بالمشاركة في التحالف خلال السنوات الماضية في توسيع مناطق سيطرتها على طول الحدود التركية السورية, مغذية طموحاتها في الحصول على دولة كردية مستقلة في الشمال السوري في نهاية المطاف. إلا أن إدراك الحكومة التركية لخطر تلك الطموحات ومشاركتها في التحالف زاد من مخاوف الميليشيات الكردية من سعي الحكومة التركية لإفشال تلك المخططات.
فمن اللحظة الأولى لإعلان تركيا مشاركتها, بدأ طيرانها بشن غارات جوية على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق, وتعتبر ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي هي أحد أجنحة هذا الحزب الإرهابي في سوريا.
كما وينص الاتفاق التركي مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة خالية من تنظيم الدولة على الحدود التركية بطول 60 ميلا بين مدينتي جرابلس وعفرين. وستكون تلك المنطقة خالية أيضا من الميليشيات الكردية التي بدأت بالمحاولة للتقدم باتجاهها وقتال تنظيم الدولة هناك.
ومما زاد قلق الميليشيات الكردية إدراكها التام بأن تحالف الولايات المتحدة معها لا يفوق أهمية تحالف الولايات المتحدة مع تركيا. فلطالما تعاملت الولايات المتحدة مع الميليشيات الكردية بحذر شديد, وخصوصا بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الإرهاب. وبحسب وزارة الدفاع الأمريكية فإن تعونها مع الميليشيات الكردية في سوريا لا يتعدى تعاونها مع بقية الفصائل الأخرى المناهضة لتنظيم الدولة هناك.
وحاول العديد من المسؤولين الأمريكيين وقادة الميليشيات الكردية إقناع من حولهم بعدم ارتباط أكراد سوريا بحزب العمال الكردستاني. لكن الواقع على الأرض يظهر الارتباط الوثيق بينهما وخاصة بوجود صور عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال على جميع مقراتها وحتى أن جميع مقاتلي ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي وميليشيات حماية المرأة تضع على صدرها دبابيس تحمل صوره.
فمن غير المنطقي لدى العديد من النقاد تحول مقاتلي حزب العمال الكردستاني من إرهابيين في العراق وتركيا إلى حلفاء بمجرد دخولهم الأراضي السورية وقتال تنظيم الدولة. فهناك أدلة متزايدة على دخول أعداد كبيرة من مقاتلي حزب العمال إلى سوريا والانضمام للميليشيات الكردية هناك في محاربة تنظيم الدولة.
وبحسب تقديرات بولنت اليريزا, مدير مشروع تركيا, في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية, فإن الآلاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني قد عبروا الراضي التركية للانضمام إلى الميليشيات الكردية في سوريا في محاربة تنظيم الدولة بحيث أصبح من المستحيل التمييز أو التفريق بين المجموعتين.