نواف حسن : في ذكرى الميلاد التاريخ يُنطِقُ حتى الحجر

Share Button

Newaf Hesen

مع حلول الذكرى التاسعة والخمسين لميلاد حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، كأول تنظيم سياسي كردي في البلاد لا يسعنا إلا أن نتذكر بكل إجلال المناضلين الأوائل الذين وضعوا أول أبجديةٍ للحركة الكردية في البلاد وأصبحوا رموزاً لشعبنا الكردي حيثما كان.
ففي أواسط (1956) تم تأسيس أول حزب سياسي كردي باسم (حزب الأكراد الديمقراطيين السوريين) من قبل كلٍ من المناضلين (أبو أوصمان صبري -حمزة نويران – عبد الحميد درويش) وبمساعدة وتأييد من قبل أشقاءٍ كردستانيين وفي المقدمة مام جلا ل الطالباني، الذي كان ملاحقاً في سوريا، وعبد الله اسحاقي (دارا توفيق) سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران، والمناضل الإيراني عبد الرحمن الذبيحي. وتم اعداد وكتابة البرنامج السياسي للحزب باللغة الكردية من قبل الدكتور نو الدين ظاظا.
وبعد نشوب الخلافات في الحزب الشيوعي السوري في كرد داغ تركت مجموعة من المناضلين الحزب وجرت لقاءات عديدة معهم و تم الاتفاق على انضمامهم للحزب والموافقة على شروطهم بتغيير اسم الحزب إلى ( الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ) وكتابة البرنامج السياسي للحزب باللغة العربية واعتبار التاريخ الذي سيتم الاجتماع بينهم تاريخاً لتأسيس أول حزب سياسي كردي في البلاد حيث تم الاجتماع بتاريخ ( 14 / 6 / 1957 ) في مدينة حلب بمنزل محمد علي خوجة بحي ( سوق الخميس ) وبحضور كلٍ من المناضلين المؤسسين ( أوصمان صبري – حمزة نويران –عبد الحميد درويش – رشيد حمو – شوكت حنان – محمد علي خوجة – خليل محمد- و بغياب الشيخ محمد عيسى شيخ محمود الذي كان يؤدي فريضة العمرة ) .
كان لتأسيس الحزب صدى كبيرا لدى أبناء شعبنا بالوقوف الى جانبه والانضمام الى صفوفه في جميع مناطق تواجده بشكل كبير، إلا أنه نتيجة لنشاطه وللعديد من الأسباب الأخرى تعرض الحزب للانشقاق في (5 / آب / 1965) والذي يعتبر الأول في مسيرة الانشقاقات التي لا زالت مستمرةً حتى الآن لوجود الحاضنة الكردستانية بكل أسف أحد العوامل الأساسية الداعمة لذلك في أغلب الأوقات.
إلا أن تشتت الحركة لم يرق للمناضل البارزاني الأب , حيث بذل جهوداً كبيرة من أجل توحيد الحزبين اللذين اصبحا أمراً واقعاً , ( رغم دعم بعض القادة من PDK للمنشقين آنذاك ), حيث دعا الطرفين لعقد مؤتمرِ وطنيِ في كردستان العراق من أجل توحيد الحزبين , وكان ذلك في (آب 1970 ) في ناوبردان إلا أنه وبكل أسف تم الإجهاز على تلك الجهود النبيلة والمخلصة , حيث لم تتمكن القيادة المرحلية التي شُكلت وانيطت بها مهمة توحيد شقي الحزب والتي ما لبثت أن أعلنت عن تشكيل حزب جديد باسم الحياد , وعقدت فيما بعد مؤتمرها الـتأسيسي عام (1972 ) في كردستان العراق قرية ( الداودية ) بمنطقة بامرني وسمي الحزب الجديد باسم ( الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي ) , وبذلك أصبح عدد الأحزاب السياسية العاملة على الساحة السياسية ثلاثة أحزاب مختلفة في تاريخ التأسيس متشابهة في التكوين.
وكما جرت العادة لدى جميع الأحزاب السياسية الاحتفال بتاريخ تأسيسها , التزم الأخوة في الحزب اليساري الاحتفال بانطلاقة اليسار كل عام في (5 / اب). والديمقراطي التقدمي في (14 /6 حزيران) من كل عام بميلاده , ( تم إضافة كلمة التقدمي لأسم الحزب عام 1977 تمييزاً لتشابه الأسماء ) إلا انه ونتيجة لتوالي الانشقاقات التي تجاوزت الحدود المعقولة . ازداد عدد الأحزاب المحتفلة بذلك التاريخ حتى وصل الأمر بتمييع مغزى وقدسية المناسبة وأصبح الاحتفال مقروناً بتأسيس أول حزب سياسي كردي في البلاد، دون ذكر أسم الحزب وحتى أسماء هؤلاء المناضلين الذين أسسوا ذلك الحزب، متناسين ” أن الشعوب الحية تحي العظماء من أبنائها الأموات، أما الشعوب المتخلفة فلا يسعها إلا أن تميت العظماء من أحيائها ”
. فالأخوة في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي كانوا يحتفلون مع التقدمي بشكل حضاري وأخوي في أغلب الاحتفالات حتى انعقاد مؤتمرهم السابع في (أيار – 1995) حيث قرروا اعتبار (14 /6 / 1957) تاريخاً لتأسيس حزبهم، أي بعد (38) عاماً فقط، فهل نقول لهؤلاء الأخوة طوبى لذاكرتكم ، أم نقول معذرةً أيها الرفاق فالتاريخ لا ينسى شيئاً وإن مر بمرحلةِ نسيان فهو يسجل ويُنِطقُ حتى الحجر.
وهنا نتساءل هل يعقل ان جميع الأحزاب السياسية العاملة الآن وربما التي ستتشكل في المستقبل تأسست في يوم واحد ؟؟، أم أن لذلك التشويه غايات أخرى لتضييع ذلك الأرث النضالي الكبير الذي تركه هؤلاء المناضلين الراحلين وخاصةً المستمرون في العطاء والنضال حتى الآن بخبرة العقود وهمة الشباب ؟؟، ناسين أو متناسين أن مكانة الحزب وتقديره بين الأوساط السياسية العربية والكردية بشكلٍ خاص لا تقاس بعمر الحزب، بل بإنجازاته وصوابيه مواقفه واستقلالية قراره السياسي.
وهنا لابد من الإشارة إلى تجربة كردستان العراق في ذلك المجال، فالاتحاد الوطني الكردستاني الذي تشكل من ائتلاف ثلاثة أحزابٍ سياسية وهي: كتلة ثوار كردستان بزعامة مام جلال الطالباني وكتلة كادحي كردستان بزعامة نوشيروان مصطفى والحزب الأشتراكي الكردستاني بزعامة صالح اليوسفي. وكان التأسيس في ( 1 /6 / 1975 ) واتخذ التاريخ نفسه تاريخاً لميلاد الاتحاد الوطني الذي تشكل من الأحزاب الثلاثة المذكورة, رغم أن أغلب القيادات في تلك الأحزاب كانت تناضل في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس ( 16 / 8 /1946 ) ناهيك عن تشكيل كلٍ منهم بتاريخٍ مختلف عن الآخر, و كذلك عند خروج كوران من بين صفوف الاتحاد في ( 2009 ) اعتبر ذلك التاريخ تاريخاً لتأسيسه ,لكنه رغم قصر عمره اصبح منافساً قوياً للحزبين الرئيسيين , وشارك في انتخابات ( 2009 ) بقائمةٍ مستقلة وحقق مفاجأةً من العيار الثقيل إذ حصل على ( 25 ) مقعداً من أصل (111 ) واصبح ثاني أكبر كتلة في برلمان كردستان . وفي انتخابات (2010) حصل على ثمانية مقاعد في البرلمان العراقي وأصبح خامس كتلة برلمانية ,وفي انتخابات (2014 ) زاد عدد مقاعده من ( 8 ) إلى (14 ) مقعداً .
بينما نرى الأمر مختلف تماماً عند الأخوة في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي حيث أعلنوا عن تاريخ ميلاد حزبهم بعد (38) عاماً ولا يزالون على ذلك التاريخ مستمرون حتى بعد الوحدة الاندماجية التي تمت بينهم وبين ثلاثة أحزاب أخرى مختلفة المنشأ والتفكير وتاريخ الظهور على الساحة السياسية وهي : حزب آزادي ( مصطفى جمعة – حزب آزادي مصطفى أوسو- حزب يكيتي الكردستاني 0(جميعها يسارية المنشأ ) تحت اسم الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا في مؤتمرهم الذي انعقد في كردستان العراق في ( 3 – 6 /4 /2014 ) بهولير .
يتضح من ذلك احترام وتقدير هؤلاء الأخوة للتوثيق التاريخي للحدث والذي لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال تجاوزه , فالتوثيق يعتبر مسألة حساسة ودقيقة وفي غاية الأهمية , لذا يقتضي أن نكون أمناء على تاريخنا وتدوين أحداثه بكل صدقٍ وأمانة قبل أن نطالب الآخرين بعدم تزوير تاريخ تواجدنا ضمن جغرافيتنا المحددة والموثقة تاريخياً .
وبهذه المناسبة التي كانت انعطافةً في تاريخ شعبنا الكردي لا يسعنا إلا أن ننحني إجلالاً وإكباراً لهؤلاء المناضلين الذين أناروا دروب النضال وأسسوا أول حزبٍ سياسي كردي في البلاد، للراحلين منهم الرحمة وللذين لازالوا سائرين على دروب النضال كل المحبة والتقدير.
نواف حسن عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد 646 من جريدة الديمقراطي

صدر العدد الجديد 646 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ...