بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها و قسمت كردستان للمرة الثانية بموجب اتفاقية سايكس – بيكو عام (1916 ) بين عدة دولٍ مختلفة القوميات ( تركية – فارسية – عربية ).
حاول الكرد منذ البداية التأقلم مع الظروف المستجدة ورفعوا شعار الإخاء بينهم وبين القومية الحاكمة التي أرغمت على العيش سوياً معها في الأجزاء الأربعة , وذلك بعد أن وصلوا إلى الطريق المسدود عن طريق الكفاح المسلح وعبر خوض عدة ثوراتٍ أخمدت بدعمٍ وتأييدٍ من قوى دولية وإقليمية وبعواقب وخيمة , لعل وعسى أن يوفر لهم ذلك السلم والأمان والطمأنينة والعيش بهدوء وأمان من غدر الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان.
إلا أنه وبعد الكثير من التجارب والمنعطفات التي مرت بها الحركة الكردية , تبين كم كنا بسطاء مع الآخرين الذين لم يكن يكنوا لنا سوى الحقد والكراهية وانهاء الوجود الكردي إن أمكن ذلك , ففي أوقات الشدة والملمات كنا بالنسبة لهم الأخوة في الدين وشركاء في التاريخ والجغرافيا, وفي أوقات سلمها وأمانها كانت تبدي شوفينيتها معتزةً بقوميتها نافيةً وجود الكرد, فتارةً كنا نوسم بأكراد الجبال وتارة الأكراد العرب السوريين وما إلى ذلك من تسميات بعيدة كل البعد عن الواقع والتاريخ , بالرغم من مشاركة الكرد الفعالة في بناء وتأسيس الحضارات التي أقيمت وازدهرت في المنطقة منذ القدم وحتى الآن , والتي يتغنون ويتباهون بها ,ناهيك عن تسطيرهم لأروع ملاحم البطولة في معاركهم الوطنية وساحاتهم المزينة بتماثيل الأبطال الكرد خير شاهدٍ على تلك التضحيات من أجل بلادهم.
إلا أنه لم تثنيهم كل تلك الخدمات عن ارتكاب أفظع الجرائم بحق أبناء شعبنا الكردي في الأجزاء الأربعة والتي تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين خجلاً, وإن كانت بنسبٍ متفاوتة.
ففي ايران وبعد مشاركة شعبنا الواسعة في الثورة الايرانية التي قادها الخميني عام 1979 يكافئ اليوم بالإعدامات الجماعية وبأبشع الطرق أمام مرأى ومسمع جميع الدول و القوى التي تدعي حماية حقوق الإنسان, لكن وبكل أسف يبقي الملف النووي الإيراني هو الأهم اوربياً وأمريكياً عن ثنيهم من ارتكاب تلك الجرائم.
وفي العراق تعرض ابناء شعبنا لإبادةٍ جماعية ( الجينوسايد ) عام 1988 وحملات الأنفال السيئة الصيت والتي أودت بحياة -182 – الف من أبناء شعبنا في كردستان العراق وتدمير الآلاف من القرى الكردية وانهاء كافة وسائل استمرارية الحياة فيها.
وفي سوريا كان لشعبنا دوراً مميزاً في معارك التحرير ضد الاستعمار الفرنسي والمعارك اللاحقة من اجل استعادة الاراضي السورية المحتلة وكان الاعتماد عليهم في أصعب المراحل والأماكن خلال تلك الحروب ووصفهم بالخطرين على أمن الدولة بعد انتهائها و لم نلقى أية بادرةٍ ايجابية حتى من جانب جميع أطراف المعارضة حتى الآن, ومنذ اندلاع الثورة السورية .في أواسط اّذار- 2011 – كان للكرد الدور المشرف بالمشاركة فيها ,وبعد أن تشكلت الأطر السياسية للمعارضة السورية ( هيئة التنسيق – الائتلاف- المجلس الوطني السوري- ) بذلت جميع تلك الأطر كل جهودها من أجل ضم أحزاب الحركة الكرد إليها , لما كانت تتمتع به من قاعدة جماهيرية كبيرة ومنظمة ضمن أحزاب وأطرٍ سياسية وبالتالي كسب التأييد العالمي بكونه يضم أغلب مكونات الشعب السوري والكردي بشكلٍ خاص.
والآن تحاول بعض الدول الإقليمية ذات الشأن جرهم للمحاور الإقليمية والتي كان لنا النصيب الأكبر من خيبات الأمل خلال المسيرة النضالية لشعبنا التي جلبت وستجلب الكثير من المآسي والويلات لشعبنا.
إلا ان المؤسف وبعد اختلال موازين القوى في الشرق الأوسط , تتجه الأنظار ثانيةً للملف الكردي بغية استخدامها لمصلحة الدول الإقليمية والحفاظ على استقرارها وتحقيق مآربها الإقليمية , إلى جانب استخدامها في محاربة التنظيمات الارهابية والمنظمات التكفيرية , خاصةً بعد أن أثبت الكرد من امكاناتٍ وقوةٍ كبيرةٍ في ذلك المجال.
وقد كان لدخول الثورة الكردية في كردستان العراق للمحور الايراني الأمريكي عام 1974 نتائج كارثية سيظل يتذكرها أبناء شعبنا بكل أسفٍ, والتي يجب الوقوف عندها ملياً لاستخلاص الدروس والعبر درءاً لعدم تكرارها ثانيةً .
وهنا ثمة سؤال يراود الكثير من الأذهان هل سيكون من مصلحة الكرد الدخول في هذه المرحلة التاريخية للمحاور الاقليمية ,والتي تتمتع بسرعة التخلي عن الصديق في وقت الضيق عند تحقيق مصالحها؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
نواف حسن
عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا