نائل حريري : ثلاث عقبات سياسية وميدانية تعترض طريق دي ميستورا

Share Button

من الواضح أن لدى المبعوث الأممي المشترك الخاص بسورية السيد ستيفان دي ميستورا ما يريد العمل عليه وما يريد قوله، ولم يقله بعد. وما زالت «مبادرة دي ميستورا» مجرد فرقعة 204 - الحياةإعلامية. أفكار تتطاير هنا وهناك بانتظار ردود الفعل عليها. في الجوار أيضاً ثمة مبادرة روسية ليست مبادرة، وبينهما خيط رفيع لا يمكن أن يعرف حتى تظهر المبادرات الحقيقية التي لا تزال طي الكتمان في الأروقة السياسية. تلك عناصر توحي بالجدية والرغبة في الخروج بشيء، إلا أنها لا تكفي للحكم عليها.

لكن أياً كانت تلك المبادرة التي يصنعها مبعوث الأمم المتحدة، فهي لا بد تستند إلى أسباب فشل المهمات السابقة، وتحاول تجاوزها. ولا يعني ذلك بالضرورة أن الفشل المزدوج السابق يعود إلى عجز كوفي أنان والأخضر الابراهيمي عن إنجاز مهمتيهما، بل هو أقرب إلى أن يكون مرتبطاً بالمهمتين ذاتيهما.

أمام دي ميستورا مهمة أولى وأساسية لإقناع المجتمع الدولي بأنه يحتاج مهمة مختلفة تماماً لتجاوز العقبات التي لا تزال ماثلة. وبغض النظر عن تفاصيل التهدئة المحلية و«تجميد النزاع»، تكمن العقبة الأولى والأكبر في ضمانات هذه التهدئة، وتفعيل قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة تشرف على الهدن والاتفاقات وتتأكد من تطبيقها. كان المبعوث الأسبق كوفي أنان قد حظي بترف امتلاك قوة مراقبة كهذه، إلا أن الظروف كانت أكثر ضبابية، وفشلت قوة المراقبة تلك في أن تحصي أطرافاً بعينها يمكن الاتفاق معها إذ لم يكن على الأرض سوى مجموعات متفرقة ومتنافرة. اليوم يبدو أن مهمة كهذه ستكون أسهل بكثير مع وجود قوى كبرى على الأرض قادرة على إنجاز اتفاقات أشمل وأوضح، كجيش الإسلام أو لواء التوحيد أو جيش المجاهدين، حتى في ظل حتمية استبعاد «جبهة النصرة» و «داعش» لأسباب تتعلق بتوجهات المجتمع الدولي فقط. لكن، استطراداً، علينا ألا ننسى أن «النصرة» و «داعش» لم يجدا حرجاً في إبرام صفقات تهدئة مع النظام السوري كذلك.

تتبدى العقبة الثانية في ضرورة مراقبة خطوط وقف إطلاق النار وتثبيتها، وهو أمر يختلف تماماً عن مراقبة إبرام الاتفاقات وصيانتها إلى آليات تنفيذها، مما يتجاوز الحاجة إلى مراقبين ذوي طبيعة مدنية إلى ضرورة وجود قوى حفظ سلام إضافية ذات طبيعة عسكرية. وهذا أيضاً رهن باقتناع المجتمع الدولي بمنح مهمة دي ميستورا هذه الصلاحية، أي الموافقة على وجود مثل هذه القوة باتفاق خماسي في مجلس الأمن.

لكن حتى مع تجاوز هاتين العقبتين، وإمكانية مراقبة وضمان إبرام اتفاقات التهدئة وصيانتها، ثمة احتمال كبير ألا تختلف هذه الاتفاقات عما يقوم به النظام من «مصالحات وطنية» يدعيها. إذ إن النظام حتى اللحظة لا يقابل أي عرض للهدن بالرفض، وأقصى ما يقوم به هو ليّ أذرع المفاوضين للوصول إلى شروط أكثر إجحافاً بحقهم. وعلينا الاعتراف أن كثيراً من «مصالحاته» لا تعاني مشاكل حقيقية في ضمان سير الاتفاق وتثبيت خطوط تماسه، بقدر ما تعاني مشكلة جمود حياة هذه المناطق وتحويلها مجرد مناطق «مستسلمة» لا تحظى بحياة طبيعية، ومساحة من حرية الحركة والإدارة تؤدي إلى سلام حقيقي وعدالة انتقالية لاحقة.

هنا تبرز ضرورة مراقبة المناطق الهادئة بعيداً عن خطوط تماسها، بمعنى المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة والتي قد يستمر التضييق فيها وتتضاعف الممارسات القمعية ضمنها بما يحتّم الانفجار اللاحق وفشل أي محاولات للتهدئة، بل ربما عاد الوضع إلى أسوأ مما كان عليه سابقاً. ثمة مثال حي وواضح يمثله معبر بستان القصر في حلب، والذي بقي مفتوحاً أشهراً طويلة في إطار اتفاق ضمني غير موثق، في شكل لم ينتج عنه سوى مزيد من الاستقطاب على كلا الجانبين أدى إلى مزيد من الاختناق والتوتر بعد إغلاقه.

لا يمكن إيجاد حل رقابي تنفيذي ملزم لهذه العقبة إلا عبر حل سياسي أوسع يتضمن حكومة وحدة وطنية في المركز وإدارات محلية مستقلة في المحيط. وهو أمر لا تستطيع مهمة دي ميستورا إنجازه إلا بعد سلسلة طويلة من العمل على حلقات أخرى مضنية. إلا أن ثمة حلاً غير تنفيذي وغير ملزم قد يفيد في ممارسة الضغط على كلا الجبهتين لتوفير ظروف أكثر ملاءمة لعملية السلام الجارية، ألا وهو دخول لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إلى الأراضي السورية. صحيح أن هذه اللجنة لا تملك أي صلاحية تنفيذية، إلا أنها كفيلة بتحريك المياه الراكدة التي تخص الوضع الإنساني والأمني وأوضاع الحريات في تلك المناطق التي أصبحت خاضعة للتهدئة، مما يشكل ضغطاً على تلك الأطراف لتبييض صورتها السياسية والإعلامية، والتأكيد على أنها حقاً «تريد السلام»، بدلاً من ممارساتها اليومية التي تقوم بها في الظلام من تنكيل وهيمنة واعتقال وتعذيب وحجز للحريات، من دون وجود جهة قادرة على إظهار ما يحدث حقاً. ومن المؤسف أن لجنة تشكلت بموافقة المجتمع الدولي غير قادرة على الدخول إلى الأراضي السورية بسبب تعنت النظام ورفضه التعاون مع جهة تابعة للأمم المتحدة، ولو كانـت مستقلة وغير تنفيذية.

تلك العقبات الثلاث كفيلة بهدم المهمة من الداخل قبل الحديث عما يحيط بها من ظروف خارجية. وإذا كان دي ميستورا جدياً وراغباً في إنجاز حقيقي يكسر عطالة الأزمة السورية، فمن الضروري أن يحظى بمهمة قادرة على الفعل، قبل النقاش في تفاصيل الفعل ذاته.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...