يبدو أن المصيبة أكبر من ناسها ,وأن العاصفة أقوى من مريديها ,والثورة أكبر بكثير من تخبطات وتكهنات بعض المراقبين لها او الذين يتزعمون قيادتها وتوجيهها في بعض الأحيان
والا لما كان الوضع السوري يدخل دوامةً عنيفة تكاد تعصف بما تبقى من بقايا السوريين.
الحالة السورية الراهنة محل تساؤلات كثيرة تدفع بنفسها الى الهذيان ,لكن كل التكهنات لم تعد تجدي نفعاً .المرحلة أشبه بغابة يصرخ فيها الجميع ويقتل فيها الجميع بغطاء يخنق النجدة المطلوبة.
السوريون وحدهم من دفعوا وما زالوا يدفعون الثمن باهظاً بسبب المواقف الدولية الخجولة ,هم وحدهم تحملوا العناء في ظل تكالب الدول الحليفة للنظام عليهم مجرد أن تفوهوا طلباً لتغيير هذا النظام البليد .السوريون وحدهم هم من فقدوا كل ما لهم في عقر دارهم , وحدهم من خسروا الخسارة الكبيرة المرة .
ليس خفياً على أحد أنه بعد استلام الأسد الأبن سدة الحكم بطريقة غير شرعية خلافة والده الذي حكم سوريا عقوداً من الزمن أيضاً ليس بشرعية ممنوحة له من الشعب ,لم يرى الناس النور في حكمه ولم تطبق العدالة والديمقراطية التي كانت من وعوده التي اندثرت بمجرد تحكمه بالسلطة , سلطات الأمن بقيت كما هي واستقوت أكثر على الشعب المغلوب على أمره بل وطالت ذراعها لتدخل بلدان اقليمية أخرى ,وظلت الطبقات الفقيرة تصمت على كل ما يجري ويطبق بحقها في سبيل ألا تقبع في غرف مظلمة تحت الأرض بطوابق غفيرة يفوح منها رائحة الأشلاء وتمتلئها صرخات موجعة .
اليوم وبعد كل الذي حدث خلال ثلاث سنوات من الثورة السورية التي واجهها النظام بعنف لا مثيل له حيث أعاد الى أذهان العالم مشاهد حروب مدمرة كلفت البشرية خسائر كبيرة وبعد تدمير البنى التحتية السورية يعلن الأسد عزمه مجدداً استلام سدة الحكم لفترة أخرى غير شرعية من خلال الانتخابات التي جرت في الثالث من حزيران الجاري والمحسومة لصالحه مسبقا ً , حيث تروج السلطات السورية ومن يعمل تحت عباءتها للانتخابات والتي تسميها “بالعرس الديمقراطي” ,التي جرت رغم كل ما حل بالبلاد والعباد ورغم كل التدمير الممنهج للمدن السوورية والقتل المتعمد للانسان السوري, تحت يافطة(الاستحقاق الوطني ) فهي ليست الا مخططاً لاستكمال استنزاف الدولة بكامل مؤسساتها واجتثاث كافة الروابط الوطنية بين مكونات الشعب السوري ، واطالة أمد الحرب الأهلية التي تحضر لها في مطابخ أجهزة الأمن السورية ,والأنكى من كل هذا انه توجه لجان من دول هي بالأساس مرتعاً للديكتاتوريات الآسنة (روسيا -ايران -زيمبابوي -اوغندا ..الخ)وحليفة لنظام الأسد لمراقبة الانتخابات في محاولة منها لاضفاء الشرعية عليها وتجميل صورة النظام المشوهة لدى العالم .
فأي انتخابات هذه التي ستجرى على أشلاء السوريين ,عن أي انتخابات يتحدثون وهم الذين دفعوا بالبلاد الى حافة الهاوية وهم الذين لم يجعلوا شيئاً يسلم من براميل طائراتهم وقذائف مدافعهم.
لكن الجديد غير مفيد في هذه الانتخابات ا أنها تشهد حدثاً انعدم حدوثه في زمن سلطة البعث ,حيث هناك كوميديا ساخرة سوداء في وسط الحزن السوري تشرف على مسرح الانتخابات وهو دخول مرشحين آخرين في سباق استلام الكرسي المشلول على الأرض الذي يهتز صراخاً لكن بنفس النكهة وبنفس الخلفيات, أي ليس هناك ما يعطيهم صفة المرشح بل من الانصاف القول بأنهم مجرد “كومبارس” هزلي لاستكمال الاستحقاق الدموي والمهزلة التي لم يشهد العصر مثيلاً لها.
ميران درويش