بعد ثلاث سنوات من الأزمة السورية، ومن خلال انطلاق الصراع العسكري في شمال العراق، أمكننا أن نكشف إحدى مراحل مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه الغرب في برلين في كانون الثاني (يناير) عام 2002، في اجتماع سري جمع مسؤولين أميركيين كباراً مع وفد كردي بحضور وكيل وزارة الخارجية الألمانية.
ان الإطالة المستمرة للأزمة السورية والامتناع والتردد في إيجاد أي حل، ومن بعدها انطلاق القتال في شمال العراق، كل هذا التأخير المتعمد جذب أطراف الإرهاب الدولي وعناصره، إلى تحضير البيئة والمناخ لتطبيق مخطط الشرق الأوسط الجديد، وهو واضح المعالم والغايات: إقامة دول طائفية في أرجاء الشرق الأدنى، وإلحاح إسرائيل الأخير خلال المفاوضات مع الطرف الفلسطيني للاعتراف بها (دولة يهودية) هو القاعدة الأساسية لهذا المخطط.
ومن خلال قراءة مفصلة لخريطة الشرق الأوسط الجديد بالألوان في كتابي «حصاد السياسة» المطبوع عام 2009، نجد حدود الدولة اليهودية وهي الأقوى، وفي أطرافها دولة درزية ودولة سنية ودولة شيعية ودولة علوية ودولة كردية.
وكأن النزاع الحالي الذي نراه في أطراف الشرق العربي مقدمة واضحة لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد (الحياة العدد 16109 تاريخ 13/5/2009). الفوضى العراقية وإصرار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على إثارتها تجعله احد عناصر تطبيق المخطط من دون أن يدري.
إن عدم التدخل الدولي في الأزمة الإنسانية المريعة في سورية، ثم التمهل المتعمد في إيقاف تفاقم النزاع العسكري في العراق، يسيران بكل وضوح في طريق تطبيق المخطط من خلال تهيئة تربة صالحة له.
ان الغرب الذي يعمل لمخطط الشرق الأوسط الجديد هو محور تقوده إسرائيل التي توجه السياسة الأميركية أولاً وتجذب له بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمها بريطانيا. هذا الغرب (الذي يدعم الصهيونة) يستفيد كلياً من انعدام القيادة الحقيقية لدول الربيع العربي وغباء او عمالة بعض المسؤولين العرب، ما يساعد على أن ينال المخطط النجاح على مراحل.
ولم تتردد صحيفة «وول ستريت جورنال» في عددها بتاريخ 13/6/2014 ان تذكر ان الشرق العربي هو في طريقه إلى «سايس بيكو» جديد من خلال الأحداث في سورية والعراق، وإن تتابع الأحداث في السنوات الأخيرة يشير إلى فرض هذا الواقع الجديد.
وأتت مجلة «تايم»، في عددها الرقم 25 بتاريخ 30/6/2014، ومن خلال خمس صفحات، تردد الظروف التي أحاطت بمخطط «سايكس بيكو» عقب الحرب العالمية الأولى، وان الاتجاه الجديد هو خلق خطة أكثر واقعية من المخطط السابق.
أما صناعة الإرهاب فهي احدى مقومات تطبيق المخطط، إذ يتم استعماله في السير نحو فرض هذا الواقع. ويكثر الحديث في الأوساط العالمية عن مكافحة الإرهاب الدولي الذي يزداد انتشاراً وأذى في الكثير من البلدان، خصوصاً في الدول الإسلامية في آسيا وافريقيا.
ان مكافحة الإرهاب الدولي تتطلب عناصر عدة، اهمها القضاء على منابعه المادية التي تغذيها أطراف خفية تخضع لمخططات بعيدة المدى. وإذا ما توقف تدفق المال والسلاح على كتائب الإرهاب فإن زواله يصبح ممكناً ويسيراً، اذ لا يمكن ان ينمو في أذاه اذا ما قطع عنه الغذاء المادي من مال وسلاح. واول شروط مكافحة الإرهاب قطع هذه التغذية التي تأتي من مصادر لها مخططاتها في إثارة الفوضى وعدم الاستقرار.
أولى خطوات تطبيق المخطط هي حرب الولايات المتحدة على العراق عام 2003، وقد تتالت الأحداث الدولية فيما بعد في اتجاه تطبيق هذا المخطط الذي يجعل من إسرائيل أقوى دول المنطقة، تحيط بها دول طائفية يسهل اختراقها كي لا تحمل لها أي أذى.
ان الطريق الذي نراه في سورية والعراق واضح المعالم، لكن يشوب التنفيذ الكثير من العقبات، منها ما هو عفوي غير مخطط، ومنها ما هو مبرمج، والقسم المبرمج يرتكز على استغلال غباء المسؤولين في الأقطار التي يشتد فيها الصراع والدمار والفوضى، ولا بد من العمالة أن تتغلغل لتساعد على التنفيذ.
قد يتساءل المرء عن انتشار الفوضى والخراب والدمار في أطراف البلدان العربية ليذكر ما كتبه ضابط الاستخبارات البريطاني ويليام كار قبل حوالى قرن في كتابه «أحجار على رقعة الشطرنج»، وفيه نقرأ كيف خططت الصهيونية الحرب العالمية الأولى والثانية من خلال هيئة عالمية خفية ـ وكيف تم تخطيط الحروب العالمية. كما نقرأ بوضوح كامل المخطط الموضوع للحرب العالمية الثالثة التي نمر بها من خلال مقطع واضح هذا نصه: «أما الحرب العالمية الثالثة فقد قضى مخططها أن تنشب نتيجة النزاع الذي يثيره النورانيون بين الصهيونية السياسية وقادة العالم الإسلامي».
وهذا ما نراه الآن بوضوح زائد، إذا ما استعرضنا الأحداث في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.