معصوم علي: تركيا والمنطقة الآمنة

Share Button

المنطقة الآمنة:
او منطقة حظر جوي او المنطقة العازلة وصولا الى منطقة خالية من داعش وجبهة النصرة وب ي د الى 10426235_460120290793604_8009853366134931270_nالمنطقة الأقل خطرا .
هذه المصطلحات كلها تداولها الإعلام التركي على لسان مسئوليها دون أن تنسى حيث تصرح في كل مرة اتفاقها مع الأمريكان بخصوص ذلك …الأمر الذي يسارع الى النفي من هذا الأخير…
هذه المنطقة التي تهلل الأتراك لإنشائها كانت ضرورية لحماية الشعب السوري في الشهور الأولى للثورة قبل أن تدمر المدن والبلدات وتنزح وتهجر الملايين وتخلق هذا الكم الهائل من السلاح والمسلحين المختلفين فيما بينهم قبل الاختلاف مع النظام ناهيك عن اجتذاب الساحة المفتوحة لعناصر وجماعات متطرفة من كل حدب وصوب منها لأجندات خاصة بها لا علاقة لمطالب الشعب السوري بها –داعش والنصرة ومن يدور في فلكهم من الجماعات الإسلامية المسلحة- ومنها من انضمت منذ البداية للكتائب المتصفة بالمعتدلة للجيش الحر وأخرى جاءت لمناصرة قوات النظام –حزب الله اللبناني وجماعات شيعية عراقية ويمنية وأفغانية وإيرانية إضافة الى مرتزقة من مناطق مختلفة..
وقد طالب الشعب السوري بإنشاء هذه المنطقة الآمنة عبر تسمية جمعة من جمع الثورة بهذا الاسم ورددها حناجر السوريين في كل مكان .
وهذه المنطقة إذا ما تمت ضمن سياقها الطبيعي فيتطلب اتفاق وتوافق ورغبة من المجتمع الدولي عبر استصدار قرار من مجلس الأمن واستعداد دولي لتقديم القوة العسكرية واللوجستية إضافة الى تامين تكاليف استدامة تنفيذها لحين انتفاء مبرر بقائها .. وهنا يجدر ذكره أن مثل هكذا قرار لم يقدم الى مجلس الأمن -لعدم وجود دول ناصرت فعليا الشعب السوري –ولو قدم فعلا لكان الفيتو الروسي والصيني بالمرصاد وتكون مصير مشروع القرار كمصير كل القرارات التي اربدت من ورائها إدانة النظام السوري كما أن قوة حلف الشمال الأطلسي (وهي الوحيدة القادرة على حماية المنطقة الآمنة وفق معايير القانون الدولي )وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لم تبدي استعدادها لإنشاء مثل هذه المنطقة لاعتبارات كثيرة لا مجال لذكرها الآن… وكذلك الأصدقاء المزمعين (دول الخليج العربي) لم يكونوا مستعدين لتقديم التكاليف تخوفا من أن ذلك قد يسرع انتصار الثورة وبالتالي انتقال شرارة المطالبة بالتغيير إليها ….. حيث ان الجميع أرادت أن تطول مأساة الشعب السوري ابتدءا من الأمريكان والروس ومرورا بالدول الإقليمية من إسرائيل وإيران وتركيا ودول الخليج وحتى مصر والمغرب العربي ناهيك عن الجماعات المتصارعة وعلى رأسهم النظام السوري ومرتكزاتها الأمنية مضيفا إليها حزب الله والجماعات الأخرى التي ساندت النظام بكل ما أوتي من إمكانات ….
وللكل المذكور أعلاه أسبابه وغاياته الخاصة به بعيدا عن مصالح الشعب السوري…
ولكننا الآن بصدد المنطقة – الذات التسميات الهلامية – المزمع إنشاؤها تركيا …. حيث أن الأتراك ومنذ تسلم حزب اردوغان (العدالة والتنمية) للسلطة 2002 راودتهم حلم الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف آنذاك حيث سارعت الى وضع العصي في عجلة التقارب مع الاتحاد الأوربي الذي لطالما حلم بها الاتاتركية منذ إنشاء الدولة التركية الحديثة على أنقاض الرجل المريض إبان الحرب العالمية الأولى أوائل القرن التاسع عشر وكان رهانهم على الطابع الشرقي والتفكير الإسلامي للمواطن التركي – بغض النظر عن القومية التركية أم الكردية أم غيرها من القوميات التي تشكل الشعب التركي – . ارتفع رصيده البرلماني نتيجة نجاحها الباهر اقتصاديا وبات يتطلع الى تخطي حاجز الألف مليار دولار للميزانية السنوية للدولة ببلوغ العام 2023 كما عملت على تحقيق هدفها (صفر مشاكل مع الجوار) حيث قام بتطبيع العلاقات نسبيا مع منافستها التاريخية وريثة الإمبراطورية الصفوية إيران وجمدت خلافاتها مع اليونان لا بل حركت ملف العلاقات مع الدولة الأرمينية الأشد عداوة معها بسبب المجازر الارمنية السيئة الصيت وأعطت الدرجة الممتازة لعلاقتها مع الجارة سوريا هادفة العبور من خلالها الى العمق العربي وحتى الشمال الإفريقي أملا باسترجاع أمجاد السلطنة …… ولاستقطاب الشارع العربي امتنعت عن المشاركة في التحالف الدولي للإطاحة بنظام صدام القمعي 2003 ومنعت القوات العسكرية من العبور في أراضيها الى كردستان العراق إضافة الى محاولة إظهار نفسها وكأنها داعمة للحقوق العربي الإسلامي عبر دعمها الإعلامي لحماس وبروبوغندا مؤتمر دافوس الاقتصادي وخروج اردوغان المفاجئ أثناء كلمة رئيس وزراء إسرائيل ليوحي بالعداوة مع دولة إسرائيل إضافة الى تمثيلية محاولة كسر الحصار عن قطاع غزة عبر إرسال سفينة تحمل على متنها نشطاء وحقوقيين دوليين وإسلاميين وأتراك اعترضتها القوات الاسرائيلة وتسببت في قطيعة صورية بين الدولتين (حادثة اهانة السفير التركي من قبل الخارجية الإسرائيلية).
ومن الجدير ذكره أن حزب العدالة والتنمية نجحت على الصعيد الداخلي أيضا حيث استطاع سحب البساط من تحت العسكر عبر تقليص بعض من سلطاتهم وتغييرات في قيادتهم لإبعاد شبح انقلابهم على حكمه أسوة بانقلابات عدة حدثت منذ تشكل الدولة الحديثة وكذلك نفذت جزءا من مشروع ألكاب الهادف الى إنعاش جنوب شرق تركيا –المناطق الكردية- اقتصاديا لا بل تعامل مع الملف الكردي بنوع من الايجابية مقارنة مع أسلافه (حرر بعض القيود على اللغة وسمح ببث تلفزيوني…) وحاول التفاعل ولو على مضض مع مشروع السلام الذي أطلقه زعيم حزب العمال الكردستاني السيد عبدالله اوجلان في نيروز 2013 من معتقله جزيرة ايمرالي والذي يقضي فيها تنفيذا لحكم قضائي مؤبد منذ اعتقاله عام 1999 نتيجة تغيير طبيعة العلاقات بين تركيا وسوريا حيث كان يقيم.
واعتقد أن الخطأ الأبرز الذي ارتكبه حزب العدالة والتنمية يعود الى بدايات تسلمه للسلطة ولا زالت إفرازات هذا الخطأ تلاحقه وسوف لن تنتهي في المدى المنظور ويكون تبعاته قاسية عليه وعلى تركيا برمتها وكذلك على دول الجوار … ألا وهو امتناعها عن المشاركة في التحالف الذي اسقط نظام الطاغية صدام حسين وبالتالي حرمان تركيا من إيرادات فرص الاستثمار في إعادة اعمار العراق لا بل أبعدتها من لعب دور لها تضمن مصالحها كدولة جارة ثم حاولت تدارك ذلك بالدخول الى الساحة العراقية بطرق ملتوية او من الشباك كما يقال مهولة بان العنصر التركماني في العراق يتعرض الى غبن وأنها لن تتنازل عن تركمانية كركوك وان التركمان في العراق يعدون بالملايين الى أن عري بنتيجة الانتخابات البرلمانية ذات الدائرة الواحدة حيث لم تصل أصوات التركمان الى 100 ألف في عموم العراق ..
ثم طبعت علاقاتها مع إقليم كردستان حيث حصلت على تعويض كبير نتيجة عمل الشركات التركية هناك إلا أن مكمن الخطأ وتبعاته بقيت في البؤرة التي نمت فيها الإرهاب حيث مدينة تلعفر التابعة للموصل ذات الغالبية التركمانية إضافة الى مدن سنية أخرى كالفلوجة وغيرها..ولا شك أن الكثير ممن كانوا ضباطا وعساكر في الجيش الصدامي من هذه المناطق قد انخرطت في تنظيمات إرهابية أعلنت ولاءها للقاعدة كما تنظيم أبو مصعب الزرقاوي وغيرهم إضافة الى أنهم كانوا يعلنون جهارا نهارا بأنهم يمثلون المكون السني الذي اغتصب حقوقه اثر سقوط حكم صدام ولا يخفى على احد أن السلطات التركية ممثلة بحزب العدالة والتنمية لا تفوت فرصة إلا وتسوق نفسها حامية ومدافعة عن المكون السني في الإسلام … وبحسب أراء محللين كثر أن تنظيم داعش ولدت من بطن الجيش العراقي المنحل وضباطه الموالين لصدام الخارجين من السجن او المتوارين خشية المحاكمة والسجن …
لما تم سرده آنفا يزيدني اعتقادا بان هناك علاقة حميمية قوية بين داعش والسلطات التركية كما أن هناك أحداث كثيرة تؤكد هذه الفرضية مثل الغموض الذي اكتنف إطلاق صراح الرهائن الأتراك في الموصل وبقاء العساكر الذين كانوا بحراسة ضريح سلطان سليم ضمن منطقة نفوذ هذه المنظمة دون أن يمسهم سوء..الخ
والخطأ الثاني هو التعامل مع ثورات الربيع العربي على أنها ثورة الإخوان المسلمين في هذه البلدان وإنها الخطوات التنفيذية لمشروعها الإسلامي العثماني بدءا من دعمها لحركة النهضة الإسلامية في تونس والإسلاميين في ليبيا والدعم الأكثر وضوحا هو كان ولا زال لإخوان مصر ورئيسها المسجون محمد مرسي ولا يخفيكم دعمه اللامتناهي للجناح الإسلامي من المعارضة السورية وحتى الإرهابية الموالية للقاعدة –جبهة النصرة- وأحرار الشام وغيرها كثيرين إضافة الى علاقتها مع داعش كما أسلفنا.
نعم ….خسرت تركيا الملف العراقي اقتصاديا وسياسيا وفقدت ورقة التركمان التي كانت تلوح بها كل ما دق الكوز بالجرة بل اضطرت التعامل مع دولة جارة اسمها كردستان التي لطالما رددها أسلافهم بأنهم سيقضون عليها إذا ما أقيمت في جنوب إفريقيا او حتى فوق كوكب المريخ ….
– خسرت استثماراتها التي تعد بالآلاف في ليبيا – سر تنامي الاقتصاد التركي –
– خسرت حركة النهضة الإسلامية الانتخابات في تونس وبات التونسيون يؤسسون دولتهم وفق مطالب الشعب بعيدا عن تأثير العدالة والتنمية.
– فشل الإخوان المسلمين في إدارة مصر لا بل باتو مسجونين أو ملاحقين ومحظورين .
– لم يعد ينطلي على احد ادعاء الأتراك إعلاميا بوقوفهم الى جانب الفلسطينيين وتبنيهم لقضية قطاع غزة والقدس …
– تنامي إقليم كردي أخر على حدودها الجنوبية وخرجت عن دائرة تأثيرها ولو نسبيا نتيجة الحرب الأخيرة ضد الإرهاب العالمي داعش في صف التحالف الدولي -ولو دون اتفاقيات معلنة -.
– عادت منافستها التاريخية إيران الى أحضان المجتمع الدولي عبر التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الكبرى وربما أسندت إليها ملفات مهمة في المنطقة على رأسها الملف السوري ما يشعر الأتراك بخروجهم بلا دور ولا مكاسب.
= كل ما ذكر أعلاه تعتبر انتكاسات لحكومة العدالة والتنمية تعيق تحقيق مشروعها القديم الجديد بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية وتعديل الدستور لصالح النظام الرئاسي الذي أعد لهذه الغاية بناءا مؤلفة من ألف غرفة صرف على إنشائها مؤخرا أكثر من ستمائة مليون دولار ومخطط لها أن تتضمن خدم وحشم وأزياء مشابهة لما كان سائدا في قصور الإمبراطورية الغابرة .
ولكن الصفعة التي أفقدت أردوغان وحكومته التوازن كان خسارتهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة الذي يهدد مستقبله السياسي ما جعلهم دوخى يتخبطون مقدمين على تصرفات غير محسوبة العواقب كإعلانهم بانتهاء جهود المصالحة مع العمال الكردستاني والبدء بشن غارات جوية على معاقلهم في جبال قنديل وحملات الاعتقالات ما يهدد إغراق البلاد في حمام دم جديد تخرج عن السيطرة لفترة قد تكون طويلة وتقضي على سبل العيش المشترك .
وذلك بالتوازي مع إعلانها بمحاربة داعش مفسحا المجال أمام الأمريكان لاستخدام قاعدة أنجر ليك ومطارات أخرى لهذه الغاية حريصين على التذكير في كل مناسبة أنهم متفقين مع الأمريكان لإقامة منطقة أمنة عازلة …. الخ هذه التسميات مع النفي الدائم من قبل هذا الأخير.
أعتقد جازما بأن تركيا لم ولن تحارب داعش ولا الجماعات الإسلامية الأخرى نظرا لوجود علاقة متينة تتمثل في المصالح المشتركة بينهم
وما اقتراح الأتراك إقامة هذه المنطقة ذات التسمية الهلامية إلا عمل تركي بحت لن يستفيد منها الشعب السوري بل تهدف تركيا الى :
1- إبقاء الحبل السري بينها وبين داعش والنصرة لإمدادهم بالعناصر البشرية القادمة من الخارج وتكون منفذا لمعالجة جرحاهم ومحطة استراحة واستجمام من خلال هذه المنطقة الممتدة من نهر الفرات شرقا الى حدود عفرين غربا أي بطول يقارب مئة كيلومتر وعرض من 45 – 60 كم جنوبا وبالمقابل بقاء تركيا من خلالهم لاعبا أساسيا في الملف السوري خاصة أنها تتخوف هذه الأيام من إيران لاستلام الملف والمبادرة الى وضع حلول لنهاية المشكلة بعيدا عن مصالح الأتراك وما يعزز هذا الكلام هو التعاون الوثيق مع هذه الفكرة من قبل كل من جبهة النصرة حيث أفرغت مقراتها لصالح الكتائب الأكثر تقربا من تركيا والمتصفة بالمعتدلة من جهة وقيام داعش بتطهير هذه المنطقة من الجماعات والعناصر الغير مرغوب بهم تركيا حيت اعتقال وتهجير الكثير من القرى الكردية الواقعة ضمن هذه المنطقة في الأيام القليلة الماضية وربما مستمرة حتى الآن .
2- إعادة ما يمكن إعادته من اللاجئين السوريين الى هذه المنطقة وسد الطريق أمام موجات جديدة قد تلجأ إليها في قادم الأيام نتيجة للحرب المستمرة.
3- فتح مكاتب للمعارضة- الائتلاف – في هذه المنطقة ولو شكليا تحسبا لأي تغير قد يطرأ على موقف تركيا من الأزمة السورية ولكي لا تضيف هذه المعارضة عبئا على مواقف تركيا ويحرجها لوجودها على الأرض التركية خاصة وأن هناك تحركا دبلوماسيا نشطا من الأطراف المؤثرة كالروس والايرانين والسعوديين والأمريكان وما الاجتماع الأخير الذي ضم وزراء خارجية الأمريكان والروس والسعودية خير دليل إضافة الى الجولات المكوكية لظريف وزير خارجية إيران .
4- خلق جيب بإدارة وسلطة تركمانية بعد إبعاد داعش ظاهريا وتنمية مكونهم ليكونوا لاعبا مميزا يسند إليهم دور كبير في سوريا المستقبل .
5- قطع الطريق أمام هجوم بركان الفرات بقيادة الوحدات الكردية لهذه المنطقة وحرمانهم من الدعم الجوي الأمريكي لا بل تهديدهم والوقوف بوجههم عسكريا إذا ما استدعى ذلك الأمر الذي يمنع ربط مقاطعة عفرين بكوباني والجزيرة والقضاء على الحلم الكردي بإنشاء إقليم روج أفا على غرار إقليم كردستان العراق .
6- إيهام الناخب التركي العلماني وكذلك أحزاب المعارضة بأنها ضد الإرهاب بل تحاربها أملا بأصواتهم في الانتخابات المبكرة أو تشكيل حكومة ائتلافية .
– بقي أن نذكر أن إصرار حكومة أردوغان على ربط الملف الكردي بالإرهاب الداعشي هو تهرب من الاستحقاقات المشروعة للشعب الكردي في تركيا وانتقام لهم على تخليهم عنه في الانتخابات الأخيرة .

وأخيرا لا بد من الإدلاء برأي في الإجابة على التساؤل الذي يطرح نفسه .. هل الأتراك جادون بإنشاء هذه المنطقة او بصيغة أخرى هل لديهم القدرة على تنفيذ ذلك؟..
– لا اعتقد أن الأتراك لديهم القدرة على إقناع المجتمع الدولي او التحالف وخاصة الأمريكان بجدوى إنشاء مثل هذه المنطقة وبالتالي فهم غير قادرون على تحمل تبعات إنشائها لوحدهم بدءا من ناحية القانون الدولي والتكلفة المادية اللازمة وصولا الى المخاطر التي قد تنجم عن الإقدام لمثل هذه الخطوة بمفردها حيث التخوف من جر دول أخرى الى التدخل …. وكذلك وضعها الداخلي الهش امنيا وسياسيا.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...