مصطفى أكيول: كردستان العراق الحليف الأمثل لتركيا

Share Button

إثر سقوط الموصل العراقية في يد ميليشيا «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وخطف التنظيم مئة تركي بينهم ديبلوماسيون وطفلان، دار نقاش عالي النبرة في وسائل الإعلام 202 - نيويرك تايمزالتركية قطعه رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، إذ طلب منها «متابعة القضية من غير ضجيج». وبعد يومين على تدخل أردوغان، حظر أمر قضائي تناول حوادث الموصل في نشرات الأخبار والتعليقات السياسية. وتذرعت المحكمة بـ»ضمان سلامة الرهائن» والحؤول دون نشر أخبار تظهر الدولة التركية في حال ضعف.
وحاجة الأتراك ملحة لمناقشة مكامن ضعف دولتهم، والأخطاء المرتكبة في الأزمات المتناسلة على حدودهم الجنوب شرقية في منأى من الاستقطاب الذي شاب، أخيراً، الحياة السياسية التركية. ولا تدور المسألة حول تأييد أردوغان أو معارضته بل حول مستقبل أمن تركيا وعلاقاتها بجيرانها في الجنوب. والحق يقال، أردوغان وأستاذه الذي صار وزير خارجية تركيا، أحمد داود أوغلو، يستحقان الثناء لترك أنقرة سياستها الخارجية التقليدية المحافظة. فهذه رمت إلى حماية توازن قوى الأمر الواقع والرد على التطورات رداً دفاعياً. وفي وقت من الأوقات، انعقدت ثمار نهج «تصفير المشكلات» مع دول الجوار، فحسِب أردوغان وداود أوغلو، إثر اندلاع الثورات العربية في 2011، أن أوان ذيوع «النموذج التركي» الإسلامي المعتدل آن، وأن المنطقة كلها تحتذي به. لكن المغالاة في الغرق في عالم المثل أو الأيديولوجيا وسوء تقدير نفوذ تركيا، أديا إلى أخطاء لا يستهان بها. ففي سورية، حسِب أردوغان أن موعد سقوط بشار الأسد الذي انقلب عدواً، قريب. وارتكبت تركيا خطأ ثانياً حين أساءت تقدير خطر المجموعات الجهادية مثل «داعش» التي شوهت صورة المعارضة السورية المعتدلة. ولم ترم تركيا إلى تقوية فرع «القاعدة» في سورية، لكن دعمها سقوط الرئيس السوري وغضها النظر في مرحلة عن المتطرفين المعادين للأسد، ساهما في نشوء مسخ «داعش».
ولا شك في أن نهج «تصفير المشكلات» لم يخفق إخفاقاً كاملاً. ويعود الفضل إليه في استمالة كردستان العراق إلى تركيا وتحول الإقليم أبرز حلفاء تركيا في العراق إذا لم نقل في المنطقة كلها. وطوال عقود نظرت أنقرة بعين الريبة إلى الأكراد وطموحاتهم السياسية في تركيا والمنطقة. وأفلح أردوغان وداود أوغلو والرئيس التركي عبدالله غل في التقرب من الأكراد وتعبيد الطريق أمام الصلح والتحالف. وفي الأعوام الخمسة الأخيرة، اشتد عود الحلف بين تركيا وكردستان العراق، على وقع تعاظم الاستثمارات التركية في الإقليم، وافتتاح قنصلية في أربيل والصداقة بين أردوغان ومسعود بارزاني.
وفي مطلع الشهر الجاري، أبرمت أنقرة اتفاقاً مع قادة كردستان العراق لتصدير النفط الكردي إلى العالم عبر خط أنابيب تركي. ويشير الاتفاق إلى أن تركيا تعتبر الإقليم الكردي شريكاً استراتيجياً، وأنها تخففت من التمسك بوحدة أراضي العراق. وأعلن الناطق باسم حزب أردوغان أن تركيا تؤيد حق أكراد العراق في تقرير المصير، وموقفه هذا يخرج على السياسة التركية التقليدية.
ويبدو أن تركيا ترحب بالحلفاء الأكراد، سواء كانوا عراقيين أو ربما سوريين، وترى أنهم يشكلون منطقة عازلة بينها والفوضى في العراق وسورية. وهذه استراتيجية حكيمة إذا تكللت بإرساء السلام الداخلي وطي النزاع الطويل بين تركيا وأكراد الداخل الذين لجأوا طوال أعوام إلى شمال العراق وسورية وشـنوا هجمات على الجنود الأتراك.
وحري بقادة تركيا التسلح بالحكمة واللين. فالصلح مع الأكراد لم يكن ممكناً لو لم يتخفف أردوغان وزملاؤه من قيود القومية التركية التي كبلت أيدي أسلافهم العلمانيين. لكن قادة تركيا الجدد ليسوا مطلقي اليد، فهم أسرى قيود أيديولوجيا ترفع لواء الإسلام السنّي. والانعتاق من القيد هو الجسر إلى أداء دور الوسيط في منطقة تتوسع فيها الهوة بين الشيعة والسنة، وإلى مواجهة المتطرفين السنة ومد اليد إلى المسلمين من مذاهب أخرى في الداخل والخارج. وإذا لم يخرجوا من قيد الأيديولوجيا، قد تخسر تركيا ثمار إنجازاتها الديبلوماسية الأخيرة وتنزلق إلى أتون الخلاف المذهبي في المنطقة.

* صاحب «إسلام بلا تطرف»، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 22/6/2014، إعداد منال نحاس

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...