في الأشهر التسعة الأولى من الثورة السورية والتـــي اتسمت بزخــم شعـــبي كبير، حـــيث شاركت كل شرائح المجتمع السوري ومكـــوناته في التظاهرات التي كانت تعم كل أنـــحاء سورية، لم يتورع نظام الأســد عن استخدام الرصاص الحي لقتل المتظاهرين، والذين بلغ عددهم حوالى ٦٠٠٠ شهيد من بينهم ٣٥٤ طفلاً و٢٨٨ امـــرأة. هــــذا إضافة إلى اعتقال الآلاف من السوريين وإخضاعهم لعمليات تعذيب وتنكيل ممنهجة في أقبية الفروع الأمنية السيئة الصيت.
وكان شعار جنود الأسد في تلك المرحلة: «الأسد أو نحرق البلد»، حيث كانوا يضعونه على الجدران في الأماكن التي يمرون منها بعد ارتكابهم عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب والسرقة، ليُعْلِموا السوريين ما ينتظرهم من إجرام وقتل وتدمير في حال أصروا على المُضي قُدماً في طريق نيل حريتهم واستعادة كرامتهم وخلاصهم من حكم عائلة الأسد الاستبدادي وسنوات القهر الأمني الذي مُورس على الشعب السوري أربعة عقود.
اليوم وبعد أن قتل نظام الأسد ما يزيد عن ١٥٠ ألف شهيد أكثرهم من المدنيين الآمنين واعتقل ٢٥٢ ألفاً، استشهد منهم ١٨ ألفاً تحت التعذيب، وبعد ٩٤ ألف مفقود وحوالى ٧.٥ مليون مهاجر داخل سورية و ٣.٥ مليون لاجئ في دول الجوار ودمار لمليون ونصف مليون منزل، إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالسيارات والأثاث والنهب لمدخرات السوريين من عصابات الأسد، إذ قُدرت تلك الأضرار إجمالاً بنحو ٢٠٠ مليار دولار، بات ما حدث ويحدث في سورية أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية وفق تقارير دولية.
وقد أصبحت سورية بلداً محتلاً من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية و «حزب الله» و «داعش» وعدد لا يُحصى من المرتزقة، الذين جلبتهم إيران من كل حدب وصوب لقتل الشعب السوري، بذريعة الدفاع عن مقامات آل البيت الأطهار!
بعد كل هذه «الإنجازات» المروعة التي قل نظيرها لرئيس في تاريخ البشرية، تأتي المسرحية الهزلية للانتخابات الرئاسية، وشعار حملتها «سيبقى الأسد وسنحرق ما بقي من البلد». لكنها تحتاج هذه المرة، خلافاً للمعتاد، إلى «منافسين كومبارس» من أجل إقناع دول العالم بالديموقراطية التي هبطت فجأة على نظام الأسد من غير سابق إنذار، وأن الماركة المسجلة لعائلة الأسد وأمثالها من الأنظمة الاستبدادية، وهي الفوز بالانتخابات الرئاسية بنسبة ٩٩.٩٩ في المئة من دون منافسة، لم تعد تصلح في هذه الأيام، ولا بد من إجراء تعديلات على ديكورات المسرحية.
في كل دول العالم المتحضر، تظهر نتائج الانتخابات بعد فترة وجيزة من إجرائها بسبب التقنيات الحديثة في الفرز والإحصاء. لكن في الأنظمة الاستبدادية كنظام الأسد لا تظهر نتائج الانتخابات إلا بعد فترة طويلة. وأستطيع أن أعلن منذ الآن أن بشار الأسد سيفوز في المسرحية الهزلية لانتخابات الرئاسة.
المشكلة ليست في تلك المسرحية الهزلية التي سيجريها الأسد وشبّيحته. المشكلة الحقيقية في المجتمع الدولي الذي يسمح لنظامه بالبقاء جاثماً فوق صدور السوريين، وأخذه السوريين الموجودين في المناطق التي يسيطر عليها كرهائن وإجبارهم على انتخابه واستمراره في قتل الشعب السوري عبر إلقاء البراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية والقنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية.
إن المكان الطبيعي لمجرم الحرب بشار الأسد وشبّيحته هو خلف القضبان في محكمة الجنايات الدولية لينالوا جزاء ما اقترفته أيديهم بحق الشعب السوري. فهل يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه ما يجري في سورية؟ ويجد حلاً لـ «المقاومة والممانعة» الروسية-الصينية في مجلس الأمن لإحالة ملف الجرائم في سورية إلى محكمة الجنايات الدولية، بما ينقذ ما بقي من البشر والحجر ويفتح بوابة أمل لدى السوريين للخلاص والبدء ببناء سورية المستقبل التي يحلمون بها؟