ان أي متابع لتحركات تنظيم الدولة الاسلامية في العرق و الشام والذي غير اسمه في الآونة الاخيرة الى (الدولة الاسلامية) و المعروف بلقبه المختصر (داعش)، سيلاحظ بانه هناك تغطية اعلامية فورية و واسعة جدا لتلك التحركات سواء اكانت في سوريا او العراق، و ذلك على الرغم من عدم امتلاك التنظيم لأي قناة تلفزيونية فضائية أو محلية خاصة به.
تحرك عناصر التنظيم بشكل مفاجئ و سريع من سوريا باتجاه العراق، و نتيجة لانسحاب الجيش العراقي، فقد سيطرت داعش على مدينة الموصل والمدن و البلدات المجاورة لها بشكل شبه كامل، و من ثم تحرك التنظيم باتجاه مناطق اخرى و التي تعرف حسب الدستور العراقي بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد و اقليم كوردستان العراق، وسيطر على مدينتي سنجار (شنكال) و زمار في المنطقة الواقعة بين الموصل و دهوك و كذلك على منطقة مخمور الواقعة بين الموصل و اربيل من جهة، و من جهة اخرى و بعد عدة ايام دخلت عناصر التنظيم بلدتي السعدية و جلولاء الواقعتين بين مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى و مدينة السليمانية في اقليم كوردستان.
ومن ثم تحركت قوات البيشمركة الكردية و بدعم جوي امريكي، في كل تلك المحاور وعلى عدة جبهات قتالية طولها هو طول الحدود بين الاراضي الخاضعة لسيطرة حكومة اقليم كوردستان، و تلك الاراضي التي استولت عليها داعش في الفترة الاخيرة، و التي يقدر طولها بألف و خمسين كيلومترا – حسب تصريحات لمسؤولين كبار في حكومة الاقليم – و تمكنت قوات البيشمركة من طرد داعش من منطقة مخمور، و التقدم باتجاه زمار و شنكال و محاصرة عناصر داعش داخل السعدية و جلولاء.
صاحبت هذه التطورات الميدانية في جبهات القتال، تغطية اعلامية مباشرة من قبل كافة الفضائيات الكردية في الاقليم و كذلك اولت وسائل الاعلام الدولية و العربية و الاقليمية اهتماما كبيرا بما يجري في تلك الجبهات.
وعلى الرغم من ذلك بقي صوت داعش مسموعا اعلاميا اكثر من صوت البيشمركة، و ذلك لعدة اسباب:
1- شدة التنافس الحزبي بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني الكوردستاني و حزب العمال الكوردستاني، و تأثيره على عمل و تغطية القنوات الاعلامية التابعة لكل حزب.
2- التذبذب و التخبط في استراتيجية و سياسة ادارة القناة من قبل القائمين عليها، حيث كانت بعض القنوات قبل دخول داعش الى تلك المناطق، تقدم صورة للبيشمركة على انه غير مدرب و غير جاهز للدخول في جبهات القتال وكانت تستضيف في برامجها عبر الهاتف البعض من مقاتلي البيشمركة ليشتكوا من قلة و تأخير الرواتب المخصصة لهم، ولكن بعد هذه الاحداث اصبحت تلك القنوات تبث الاغاني التي تمجد البيشمركة و تتحدث عن خبرة البيشمركة القتالية و قدرته على التضحية و الفداء. و بنفس الوقت كانت هناك قنوات اخرى تستعمل مصطلح (قتيل) عوضا عن (شهيد) و ذلك بحجة المهنية و الحيادية، بعد هذه الاحداث باتت تستخدم مصطلح (الشهيد). هذه التناقضات ارهقت المتلقي الكردي، و جعلته يفقد الثقة نوعا ما في تلك القنوات.
3- (اعلام داعش ترتفع فوق سنجار) عنوان ملفت استخدمته اغلب الفضائيات الدولية و المحلية في تعاملها مع الحدث، و لكن في الحقيقة ان اعلام داعش تم رفعها منذ مدة ليست بالقصيرة في القنوات الاعلامية الكردية و ذلك من باب حسن النية و السرعة في نقل الصورة و المعلومة، حيث شارك الاعلام الكردي كسواه في التكبير من شأن داعش و جعل ذكر هذا الاسم يجعل الرعب يدب في قلوب المواطنين من خلال نشر القنوات الكردية كغيرها لمقاطع فيديو كانت قد نشرت على حسابات تابعة لإعلاميي داعش على اليوتيوب، تبين عناصر التنظيم و هم يقومون بتنفيذ اعدامات جماعية لمعارضيهم في عدة مناطق داخل سوريا.
4- داعش استفادت من شبكة الانترنت شر استفادة، و جعلت من الشائعات تنخر في عظم تلك المجتمعات التي تريد السيطرة عليها، و لم تتمكن القنوات الاعلامية الرسمية من تفنيد تلك الشائعات، ويرجع الخلل في الحالة الاعلامية الكردية الى ان القائمين على ادارة الفضائيات و المؤسسات الاعلامية قاموا بتقزيم الاعلامي – و الذي يفتقر اصلا الى الخبرات و المؤهلات اللازمة- وجعلوا منه مجرد موظف (مسخ) ينتظر دوران عقارب الساعة لتشير الى انتهاء الدوام اليومي، و بالتالي لينتظر آخر الشهر للحصول على راتب لا يكفيه لحياته اليومية مما يجعله يضطر للعمل في مهنة اخرى كدوام اضافي.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي قدمت العديد من الدول الغربية الدعم لإقليم كوردستان العراق لمواجهة الارهاب المتمثل بسيطرة داعش على العديد من المناطق، حيث ظهر المقاتل الكردي وخاصة البيشمركة في هذه المنطقة من العالم بمظهر حامي حق الانسان في الحياة و حريته في العبادة واعتناق الآراء المختلفة، الامر الذي يمهد لانطلاقة جديدة للإعلام الكردي بعيدا عن التشنجات الحزبية.
* اعلامي كردي سوري.