صبيح اسماعيل ” الشعب الكردي و استحقاقات المرحلة الراهنة “

Share Button

 تعرض الشعب الكردي عبر مسيرة نضاله الطويل إلى مختلف صنوف الاضطهاد القومي على يد الأنظمة الشوفينية المتقاسمة لكردستان وبالتعاون والتنسيق مع الدول العظمى ذات النفوذ sabihوالهيمنة على القرار الدولي في قمع و إخماد الثورات والانتفاضات الكردية في عموم كردستان بحكم تداخل وترابط المصالح الاقتصادية بينهم وغياب تلك المصالح لدى الشعب الكردي الذي قارع الظلم والاضطهاد لعقود طويلة لنيل حقوقه القومية المشروعة .

وتاريخ الشعب الكردي حافل بالانتكاسات والإخفاقات بسبب الأحابيل والمؤامرات الدولية الظالمة بحقه كشعب توّاق للحرية والحياة كغيره من الشعوب , ونذكر هنا على سبيل المثال لا للحصر اتفاقية سيفر  عام 1920م التي أقرت بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره في البنود ( 62 – 63 – 64 ) ولم يشر إليها بل أنكرتها اتفاقية لوزان عام 1923م بالتواطؤ مع أتاتورك بعد نجاح ثورته عام 1923 م في تركيا  وتكرر نفس السيناريو في انهيار جمهورية مهاباد عام 1946م إثر تشابك المصالح الدولية مع إيران  .

وفي النصف الأخير من القرن المنصرم في عام 1961م ثورة أيلول الوطنية في العراق التي قادها المرحوم السيد مصطفى البارزاني التي لم يكتب لها النجاح بسبب تخاذل المجتمع مع العراق ودول الجوار في اتفاقية الجزائر الخيانية عام 1975م .

وباتت القضية الكردية مهمشة و مغيبة عن أزهان المجتمع الدولي ولم يكن لها حضور في أروقة الأمم المتحدة ومؤسساتها , وفي ظل أجواء القهر والاستبداد والتمييز والإقصاء تابع مسيرته النضالية دون أن يصاب بالقنوط من واقعه المزري بالأساليب السلمية والديمقراطية بعيدة عن أجواء التطرف والتعصب القومي حيال الشعوب المتعايشة ومحافظا دوما على تلازم وسوية النضال الوطني والقومي في إطار دولهم الوطنية , ولم تلقَ صدى مطالبهم آذاناً صاغية أو تعاطفاً دولياً إلا بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية في العقد الأخير من القرن الماضي وبروز النظام الدولي الجديد الذي يجيز بمشروعية التدخل في شؤون الأنظمة الدكتاتورية  والشمولية التي تقمع شعبها وتتنكر لحقوق الأقليات والقوميات المتعايشة معها دون حسيب أو رقيب .

وحصل أول تعاطف دولي من منطلق إنساني بحت إثر حدوث الهجرة المليونية لأكراد العراق بعد الانتفاضة التي تلت حرب تحرير الكويت عام 1991م وذلك بإقامة ملاذ آمن , وفيما بعد تم إقرار الفدرالية لإقليم كردستان بعد سقوط الطاغية صدام حسين عام 2003م .

وقاد الشعب الكردي تجربة فتية ولكنهاغنية بالتقاليد الديمقراطية والتحولات الاجتماعية والاقتصادية.

وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي وتعاظم دور التنظيمات الإسلامية المتشددة من أمثال داعش و أخواتها كقوة ضارية على الأرض وامتلاكها حاضنة شعبية مؤيدة ومساندة لأفكارهم الظلامية التي يتاجرون بها باسم الإسلام والإسلام منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف , متبعين أسلوب الترغيب والترهيب والسلب والنهب في نشر تعاليم دولة الخلافة الإسلامية بعد إيوائهم من قبل النظام السوري والعراقي ( المالكي ) سابقاً ومدهم بالمال والسلاح.

وباتت قوة فتاكة تهدد مصالح الدول العظمى في المنطقة وكذلك في عقر دارهم لذلك نشطت الدبلوماسية الغربية وتوصلت إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش وأخواتها في سوريا والعراق عن طريق الضربات الجوية الاستباقية  على مركز العتاد والذخيرة للتنظيم .

إلا أن هذه الخطوة لا تجدي نفعاً , إذ لم يكن هناك قوة موازية للمواجهة وتغطية المواقع على الأرض , لذلك وقع اختيار التحالف على الكرد كقوة ضارية ووفية ومخلصة لحلفائها ومحافظة على العهود والمواثيق مهما كان الثمن والتضحيات .

لذلك أغدق التحالف الدولي الحركة الكردية بالعتاد والمعدات الحربية الحديثة  لأنهم شاهدوا مدى استبسال وتضحيات قوات البيشمركة وقوات الحماية الشعبية في شنكال و جلولاء وزمار وكوباني بحماية أرضهم وممتلكاتهم ووجودهم كشعب آمن ومسالم وعريق يعيش على أرضهم التاريخية منذ آلاف السنين ومحروم من أبسط الحقوق القومية بسبب الإهمال والغبن التاريخي الذي لحق به من مغتصبي حقوقه ومن المجتمع الدولي

وفي هذا السياق هناك سؤال يطرح نفسه هل هذه اللفتة الكريمة من التحالف اتجاه الحركة الكردية هي صحوة ضمير تدغدغ مشاعرهم لتضميد جراحات الماضي وتصحيح الظلم التاريخي , أم هي صحوة المصالح التي هي دوماً في سلم الأولويات لدى الكثير من دول الغرب, لكن حقيقة الأمر أن بوصلة علاقة الغرب والأمريكيين تحديداً تتجه دوماً نحو المصالح في أية بقعة  من العالم , وهذا ما يؤكده تصريحات أركان السياسة في الغرب في أكثر من منبر إعلامي بأنه ليس لديهم مبادئ ثابتة وإنما مصالح ثابتة , وفي المحصلة المصالح تطغى على المبادئ في حسم الصراعات الدولية إذا لزم الأمر , وبالرغم من ولوج الكرد في أتون الحرب بل في فوهة المدفع مع أشرس تنظيم إرهابي ومرشح بامتياز لدخول موسوعة غينيس , لا بل موسوعة الإرهاب للأرقام القياسية في ( النحر والسبي والقتل وقطع الأيادي وتشريد الأبرياء وإعدامات بالجملة ) .

نعم قدم الشعب الكردي خلال المواجهات مع داعش في ساحات القتال كوكبة من الشهداء من خيرة أبنائه لكنه شغل مكانة مرموقة في لب المعادلة الدولية وبات رقماً صعباً وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه وكشريك فاعل في الأرض ومؤثر في قيادة دفة العمليات العسكرية بجدارة , وما إيلاء التحالف الدولي أهمية خاصة للكرد سواءً في الدعم اللوجستي أوا لتدريب على مختلف صنوف الأسلحة , وما الزيارات المكوكية لزعماء دول التحالف على إقليم كردستان إلا دليل قاطع على امتلاك الكرد لتلك المقومات القادرة على جذب المصالح الدولية .

وتوفير المناخات الملائمة لتحقيق أطماعهم السياسية والاقتصادية في المنطقة ,لقد آن الأوان لنفض الغبار المتراكم عن ملفات القضية الكردية في الرفوف المهمشة و إبراز القضية الكردية في المحافل الدولية كقضية شعب له الحق في تقرير مصيره بنفسه أسوة بغيره من الشعوب , وأن يساهم بجدارة مع التحالف الدولي في صد هذا الهجوم الداعشي الهمجي الذي يستهدف الحضارة والإنسان ونسف نتاج عصارة عقل وفكر البشرية برعونتهم و أفكارهم الراديكالية البائدة التي عفا عليها الزمن و إعادة عجلة التاريخ قرونا إلى الوراء إلى عهود الرق و الوأد والسبي  .

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد 646 من جريدة الديمقراطي

صدر العدد الجديد 646 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ...