محمد سيد رصاص: مشهد جديد في «جنيف السوري»

Share Button

يختلف مشهد (جنيف 4) عن (جنيف 3) الذي عُقد في بداية عام 2016: أتى جنيف 3 برافعة أميركية – روسية بعد تفاهمات لقاءيrsas فيينا ثم القرار الدولي 2254. لم يكن هناك تناغم بين (الدولي) وبين (الإقليمي): تركيا – السعودية – إيران، في جنيف 3، بل مجرد تلاق أميركي – روسي بعد دخول موسكو العسكري إلى سورية، بدءاً من 30 أيلول (سبتمبر) 2015. حصل صِدام عسكري روسي – تركي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 إثر إسقاط الطائرة الـــروسية، ولم يحصل تفاهم سعودي – روسي حول سورية كما يحـــصل بينهما في مسألة النفط، بينما كان الـــوجود العسكري الروسي مؤدياً إلى تحجيم الدور الإيراني في الأزمة الســورية. لم تـــن الرافعة الدولية كافية لتعويم (جنيف 3)، خصوصاً مع فشل المؤتمر من خلال تعطل المفاوضات في جولتها الثالثة في نيسان (إبريل)، فيما ذهبت وعود جون كيري في أيار (مايو) أدراج الرياح بأن «مرحلة الانتقال السياسي السوري ستبدأ في 1 آب (أغسطس) 2016»، في ظل فشل اتفاق كيري – لافروف في موسكو 15 تموز (يوليو) قبل أن يتبعه فشل اتفاقهما الثاني في 9 أيلول في جنيف.

هناك مشهد جديد في (جنيف 4) حيث يأتي هذا المؤتمر برافعة دولية – إقليميه متمثلة في موسكو وأنقرة بدأت منذ لقاء بوتين – أردوغان في 9 آب في موسكو. لم يكن باراك أوباما ثالثهما، بل على الأرجح بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا غب 15 تموز، كانت الاستدارة الأردوغانية نحو موسكو موجـــهة ضده. ليس الوضع هكذا مع دونالد ترامب حيث من الأرجح أنه ثالثــــهما. من دون هذا لا يمكن تفسير بدايــــة الجهد العسكري الروسي الجوي الكبير ضد المسلحين بشرق حلب بعد انتخاب ترامب بأيام، ولا تفسير كيف أن الاتفاق الروسي – التركي هو الأساس لخروج المسلحين من الشرق الحلبي بعد معركة هي أقل بكثير، على صعيد الجهد العسكري، مما جرى في عملية اقتحام المسلحين الراموسة بين 31 تموز و 6 آب 2016. هذا هو المفتاح لكيف أن (إعلان موسكو) في 20 كانون الأول (ديسمبر) الذي بنيَ عليه (مؤتمر الآستانة) كان متزامناً مع خروج المسلحين من شرق حلب، وهو عملياً ثنائي المفاعيل روسي- تركي التحقت به إيران التحاقاً، ولكيف أن السقوط العسكري لمدينة الباب في أيدي القوات التركية ومسلحين سوريين موالين لأنقرة كان عملياً مع افتتاح مؤتمر جنيف 4 في 23 شباط (فبراير) 2017. كانت حلب وشمالها هي مفتاح (جنيف 4) مثلما كانت عبر (الكاستيلو والراموسة) هي المقبرة لجنيف 3.

أمسك بوتين بالملف السوري برضا أميركي، وقد عاد أردوغان إلى الملف السوري عبر موسكو بعد أن أخرجه أوباما منه منذ اتفاق موسكو بين كيري ولافروف في 7 أيار 2013 حول الأزمة السورية، فيما يبدو أن ترامب يرى تركيا بعيون غير التي كان يراها سلفه في البيت الأبيض: هذا سيقود إلى سيبة ثلاثية لمؤتمر جنيف 4. على الأرجح أن هذه السيبة الثلاثية لن تكون بعيدة من اتجاه الرئيس الأميركي الجديد لتحجيم إيران في عموم إقليم الشرق الأوسط ولنفض يديه من تقاربات أوباما مع خامنئي. من المرجح أن يدفع هذا الاتجاه الأميركي بالإيرانيين إلى النظر بسلبية أو بتوجس إلى عملية التسوية التي تجري أو التي تجري محاولات لإجرائها في (جنيف 4). تلفت النظر التقاربات السعودية- التركية في شباط 2017 بعد فتور بدأ في صيف 2016 والرضا السعودي عن اتجاهات ترامب تجاه طهران ونظرات عند الإدارة الأميركية الجديدة لدول الخليج من خلال نظارة التوتر الأميركي- الإيراني الجديد، هي غير ما كان عند المرشح الرئاسي ترامب.

سورياً، قاد التفاهم الروسي- التركي ليس فقط إلى وضع بلوك جغرافي في (الباب) يمنع حصول «الكوريدور الكردي» الذي كان ينوي أصحاب مشروع الفيديرالية الوصل عبره بين «كانتونات الجزيرة وكوباني وعفرين»، بل أيضاً إلى منع تمثيل (حزب الاتحاد الديموقراطي pyd) في (جنيف 4) على رغم قوته التمثيلية السياسية كأقوى حزب كردي سوري وعلى رغم قوته العسكرية الكبيرة على الأرض: على الأرجح أن عبارة مايكل راتني، وهو ممثل البيت الأبيض في الملف السوري: «نحن حلفاء لـYBG (الجناح العسكري) وليس لـpyd» هي السائدة أيضاً في موسكو، وهذا ما قاد إلى إرضاء أردوغان عبر إبعاد صالح مسلم من طاولة الحل السياسي في جنيف في الوقت الذي كان قائد القوات الأميركية بالشرق الأوسط يزور عين العرب – كوباني. أيضاً، أدى التفاهم الروسي – التركي، وبرضا أميركي، إلى إعادة تعويم (الهيئة العليا للمفاوضات) في (جنيف 4) بعد أن عانت من كسوف كبير منذ مبادرة منسقها العام في الجولة الثالثة من (جنيف 3) إلى تعليق المفاوضات والاصطدام بجدار واشنطن- موسكو، وقد كان واضحاً من حجم طاولتي ووفدي منصتي القاهرة وموسكو في افتتاح (جنيف 4) بالقياس إلى حجم طاولة «الهيئة العليا للمفاوضات» ووفدها، كيف تنظر واشنطن وموسكو إلى تضاريس خريطة المعارضة السورية. من هنا كان غياب قدري جميل المختلف عن تغييب صالح مسلم، حيث لم تخض موسكو معركة من أجل رفع حجم تمثيل منصة موسكو، وهو الحليف لها صهراً عن عم اسمه خالد بكداش.

هذه اللوحة الدولية- الإقليمية هي الأساس في مسار (جنيف 4) وفي مصائره، وليس تفاصيل وتضاريس (بيان جنيف1) و(القرار 2254)، وعلى الأغلب أن الأولى هي التي ستقرر الثانية. كذلك ليست التوازنات المحلية هي الأساس في مسار الأزمة السورية منذ أقلمتها في خريف2011 ومنذ تدويلها مع بيان جنيف1 الصادر في 30 حزيران (يونيو) 2012. هنا، يلفت النظر في نصوص ثلاثة، كمرآة لـ(الدولي)، هي وثيقة دي ميستورا (نيسان 2016) ووثيقة موغيريني (تشرين الثاني 2016) ومشروع الدستور الروسي لسورية (كانون الثاني/ يناير 2017)، اجتماع هذه النصوص الثلاثة على تقديم (نظام طائف سوري) على طراز لبنان (ميثاق الطائف 1989)، في اتجاه دولي نحو (نظام دولة المكونات) لدول الشرق الأوسط فيما لا يطبق هذا في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وموسكو.

السؤال الآن: هل تكفي الرافعة الدولية- الإقليمية في (جنيف 4)، في ظل السلبية الإيرانية، لتعبيد الطريق وإيصاله إلى النجاح، أم أنه سيكون مصيره الفشل مثلما كان الأمر في (جنيف 2) عام 2014 حين انفرط التفاهم الأميركي– الروسي بسبب نشوب الأزمة الأوكرانية، وفي (جنيف 3) عام 2016 عندما كانت الرافعة الأميركية- الروسية من دون تضافر (الإقليمي) مع (الدولي)؟

 

 

* كاتب سوري

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...