سيذكر التاريخ ذات يوم، أنه وبينما كانت سورية على صفيح ساخن في منتصف العام الرابع عشر من القرن الواحد والعشرين، كان الشعب السوري يُقتل بشتى أنواع السلاح وعلى مرأى من العالم بأسره، من قبل نظام استفحل في نشر الدماء والدمار والخراب في كل أنحاء البلاد، مرتكباً شتى أنواع الجرائم ضد الإنسانية على مدى ثلاثة أعوام بحق شعب خرج ضده وطالب بحريته السليبة منذ عقود. وسيذكر التاريخ أيضاً أن العالم « الديموقراطي « لم يكتفِ بعدم مساعدة هذا الشعب على محاكمة جلاده كمجرم حرب فحسب، بل غضّ النظر عن مهزلة انتخاب رأس النظام لولاية جديدة تجيز له قتل السوريين لسبع سنوات أخرى.
ولأن التاريخ لا يَنسى ولا يُنسى، فإن هذا الشعب لم يعرف الانتخابات إطلاقاً في ظل حكم آل الأسد للجمهورية، فمنذ أن أُصدر دستور عام 1973 برعاية حافظ الأسد كانت الانتخابات صورية وشكلية تتم عبر استفتاء عام بـ نعم أو لا على المرشح الذي تقترحه القيادة القطرية لحزب البعث. فيما كان شائعاً أن نتائج تلك الانتخابات كانت مقررة سلفاً، ويذكر أن جميع الانتخابات الرئاسية كانت نتائجها تتراوح بين 97-100 في المئة بالموافقة على الشخص المستفتى عليه، سواء كان حافظ الأسد أم وريثه غير الشرعي بشار الأسد الذي جلس على سدة الحكم بتعديل دستوري هزلي تمت الموافقة عليه في مجلس الشعب بكلمتين هما : تصويت – إجماع.
وفي عام 2012 وعقب الثورة السورية ضد بشار الأسد، ومع استمرار العمليات العسكرية في مختلف المدن السورية، أصدر الأخير -في سلسلة إصلاحاته الشكلية- أمراً يقضي بتأليف لجنة لإعادة كتابة الدستور، ويذكر أنه لم يتم إشراك المعارضة السورية التي هي داخل البلاد ولا خارجها في هذه اللجنة. وفي ظل مقاطعة غالبية الشعب للاستفتاء على هذا الدستور، ما لبث بشار الأسد أن اصدر مرسوماً يقضي باعتماده رسمياً في البلاد. ومنذ أيام، أعلن محمد جهاد اللحام رئيس ما يسمى بـ «مجلس الشعب» في سورية، فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة في موعدها، مشيراً إلى بدء تقديم الطلبات للترشح لينافس بشار الأسد على حكم الجمهورية.
عن أي ترشح وعن أي دستور وعن أي قوانين نتحدث، في حين أن الشخص الذي أصدرها ومن هم معه متهمون بتدمير ثُلث سورية وقتل مئات الآلاف من الشعب بل من المدنيين، وارتكاب أكثر من 1900 مجزرة راح ضحية أقل واحدة منها أكثر من عشرة أشخاص، وأكثر من 2000 شخص غالبيتهم الساحقة من المدنيين والأطـــفــال قتــلوا نتـيجة قصفهم بالسلاح الكيماوي المحرم دولياً، وأكثر من 10 آلاف طفل قتلوا بنيران قوات النظام وطائراته وبراميله المتفجرة، وأكثر من 100 ألف معتقل بشكل تعسفي، وأكثر من 11 ألف شهيد ارتقوا تحت التعذيب بشكل ممنهج في أقبية النظام وأفرعه الأمنية، وأكثر من 7 آلاف امرأة مغتصبة من قبل قوات نظام الأسد، وأكثر من 7 ملايين مهجّر في دول الجوار، وأكثر من 4 ملايين نازح، وأكثر من 2500 مسجد وأكثر من 2000 مدرسة ومئات المستشفيات باتت مدمرة بشكل كلي أو جزئي نتيجة قذائف النظام وسلاحه الجوي. عن أي انتخابات يتحدثون واقتصاد البلاد صار في الحضيض؟ عن أي انتخابات وأي قوانين وأي مراسيم نتحدث وكل ما ذكرنا أعلاه هو جزء بسيط من البرنامج الانتخابي لأحد أبرز المرشحين لحكم البلاد التي أغرقها بالدماء ؟
السؤال البريء الذي يطرح نفسه وسيترك للتاريخ أيضاً أمر الإجابة عليه، هو: بماذا أخطأ الشعب السوري حين طالب كغيره من الشعوب بحريته، حتى يترك وبأمر صادَق عليه «العالم» علناً وفي الخفاء -وإن ادّعى غير ذلك- يجيز لبشار الأسد ونظامه قتل السوريين وتدمير بلادهم إلى ما لا نهاية.
صحافي سوري – الأردن