كتاب “عبد الحميد درويش في الذاكرة الوطنية”:أكثر من نصف قرن من السياسة بعيون نخب سياسية وثقافية مرموقة – إبراهيم حاج عبدي

Share Button

 

ارتبط اسم عبد الحميد درويش بتاريخ الحركة الوطنية الكردية في سورية، على نحو وثيق، لدرجة لا يمكن معها إغفال اسم حميد درويش لدى أي حديث يتناول القضية الكردية بأبعادها المختلفة ليس في سوريا فحسب، بل في مختلف أجزاء كردستان. ففي المثال السوري ظهرت شخصيات كردية مناضلة كثيرة قدمت إسهامات متباينة ضمن صفوف الحركة الوطنية الكردية، لكن، ودون شك، فإن الشخصية الأبرز في هذا المقام هي شخصية حميد درويش الذي دخل ميدان العمل السياسي في سن مبكرة بدءا من قريته القرمانية …
(على بعد أربعة كيلومترات عن مدينة الدرباسية شمال سوريا حيث ولد سنة 1936 ) وساهم مع رفاق له في تأسيس أول تنظيم سياسي للكرد السوريين في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وبقي مواظبا ومثابرا على هذا الطريق حتى يومنا هذا الذي صدر فيه كتاب عن هذه الشخصية السياسية الكردية المرموقة عبر شهادات لنخب سياسية واقتصادية واجتماعية وسواها، أعده ميداس آزيزي تحت عنوان “عبد الحميد درويش في الذاكرة الوطنية ـ شهادات وآراء”، (بيروت ـ 2010).
يصعب، بالطبع، اختزال أكثر من نصف قرن من العمل السياسي الشائك في شهادة أو مجموعة شهادات وآراء، فقد سلك المسار السياسي والنضالي لحميد درويش دروبا و وطرقا متعرجة، وشهد محطات وانعطافات وتحولات في مراحل مختلفة، ولكن ما يلفت الانتباه هو أن درويش بقي، خلال ذلك، محافظا على مبادئه، صبورا في مواجهة المحن، حريصا على تحقيق حقوق الكرد السوريين ضمن الهوية الوطنية السورية الواحدة. ولئن جاءت النتائج دون المستوى المأمول، فإن المسألة، هنا، تتجاوز قدرة شخص فرد لم يتوان للحظة عن الاجتهاد في سبيل ما يصبو إليه الكرد، بل ترتبط بجملة من العوامل والشروط والظروف التي تحكمت بهذه المرحلة أو تلك، ذلك أن العمل السياسي لا يخضع لأمنيات شخص، ولا يستجيب للآمال والطموحات، بقدر ما يتمظهر وفق متطلبات وضرورات هذه المرحلة أو تلك.
ومع ذلك فإن هذه الشهادات تحاول إنصاف الرجل، وتعطيه جزءا مما يستحق، وتسعى إلى إلقاء الضوء على جانب من هذا النشاط السياسي الحافل، وهي وان غلب عليها الطابع الوجداني الذاتي، لكنها تكشف، كما يقول آزيزي، عن “الخصوصية التي يتمتع بها هذا الرجل ضمن المدار الوطني، كشخصية جامعة قادرة على خلق مناخات التوافق الوطني عبر إيجاد الأرضية المناسبة للتحاور وفق رؤى وتفاهمات تخدم الحراك الوطني”. أكثر من 60 شخصية تقدم شهادتها حول تجربة حميد درويش، فضلا عن شهادات لثماني شخصيات في القسم الكوردي الذي يتضمنه الكتاب، والواقع أن نظرة سريعة على الأسماء التي أدلت بشهادتها تشير إلى المكانة الجليلة التي يحتلها حميد درويش في عقول وقلوب شريحة واسعة من المثقفين والسياسيين والمفكرين الكرد والعرب على حد سواء، ولعل ما يميز شخصية درويش، بالإضافة إلى الشق السياسي المعروف للجميع، هو دماثته وتواضعه وأسلوبه المرن والمعتدل في التعاطي مع محيطه، ما اكسبه صداقات كثيرة تشهد، هنا، على سعة صدره أمام الاختلاف في الرأي، ودفاعه الدائم عن الحوار الهادئ والجاد كوسيلة أساسية في التوصل إلى الهدف المنشود، وتسامحه مع الخصوم، وترفعه عن كل ما يعيق عدالة المسعى الذي قضى عمره في سبيله. تأتي الشهادات من شخصيات معروفة في الوسط السياسي والثقافي والإعلامي العربي مثل ميشيل كيلو، جاد الكريم الجباعي، أكرم البني، عبد الرزاق عيد، حسن عبد العظيم، حسين العودات، منذر موصللي…، وكذلك من شخصيات كردية بارزة مثل الشاعر الكبير شيركو بيكه س، عز الدين مصطفى رسول، محمود عثمان، مصطفى صالح كريم، عزيز محمد، عادل مراد، سينم جلادت بدرخان، عدنان المفتي، عبد الرزاق توفيق، محمد حاج محمود، يوسف زوزاني، سعيد كاباري… وسواهم. وثمة شهادات من شخصيات قبلية مرموقة مثل حميدي دهام الهادي، ونواف راغب البشير، وكذلك شخصيات دينية مسيحية مثل البطريرك اغناطيوس زكا الأول عيواص، والمطران اوسطاثيوس متى روهم، وسواها من الشخصيات التي تبرهن على الروح المنفتحة التي يتحلى بها درويش في التعاطي مع مختلف الشرائح بمعزل عن أي تصنيفات أو توجهات أو مرجعيات سوى تلك التي تخدم رفعة الإنسان وحريته وحقه في العيش الكريم. ولا بد هنا من توجيه التحية لمعد الكتاب ميداس آزيزي الذي بذل جهدا واضحا في إعداده عبر لقاءات ومراسلات مضنية، وهو يقول بأنه يسعى من وراء الكتاب إلى تكريم شخصية المناضل الكردي عبد الحميد درويش الذي “أضاء محطات هامة في مسيرة النضال الوطني الديمقراطي، وشكل بصمة واضحة في الذاكرة الوطنية لما مثله من قيم إنسانية ووطنية وأخلاقية”. واللافت أن هذا التكريم، وعلى خلاف التكريمات التي تأتي متأخرة بعد رحيل الشخصية المكرمة، فان آزيزي آثر أن يقدم هذه المساهمة في وقت لا يزال فيه حميد درويش يتمتع بنشاط سياسي حثيث، دون أن تثبط السنين الطويلة في معترك السياسة عزيمته وقواه، وبهذا المعنى فإن الكتاب هو نوع من الوثيقة التي يمكن الاتكاء عليها لدى القيام بمراجعة للحال الوطنية الكردية السورية، وهو كذلك يمثل تحية حارة وصادقة من المعد ومن أصحاب الشهادات المدرجة لشخصية وطنية كردية سورية اجتهدت في سبيل إعلاء الكلمة الكردية في المحافل والمناسبات والمؤتمرات المختلفة، أو عبر اللقاءات مع شخصيات سياسية مرموقة تظهرها بعض الصور الفوتوغرافية المدرجة في صفحات الكتاب والتي تتجاوز الأربعمائة صفحة بقسميه العربي، الذي يحتل الحيز الأكبر، والكردي، إضافة إلى ملحق الصور. “عبد الحميد درويش في الذاكرة الوطنية” كتاب يظهر الوجه المشرق للحراك السياسي الكردي السوري، والذي يمثله خير تمثيل حميد درويش، وحين يتم التركيز على درويش فإن ذلك لا يلغي، بأي حال من الأحوال، جهود ومساهمات الشخصيات السياسية الكردية الأخرى التي قدمت، بدورها، ما تمكنت من تقديمه وفق ظروف المرحلة، غير أن درويش يظل العلامة المضيئة الأكثر تألقا ضمن هذا المشهد السياسي، وهي حقيقة يقر بها الخصوم قبل الأصدقاء.

المصدر : جريدة الاتحاد

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...