كامران قره داغي :إيمان إسلامي من منظور ثقافة الحاضر

Share Button

لعلها مفارقة أن تركيا الأردوغانية، التي يتهم كثيرون رئيسها الحالي رجب طيب إردوغان بأنه يسعى إلى إحياء الخلافة العثمانية، حتى أن معارضين ومثقفين علمانيين أطلقوا عليه لقب تنزيل«السلطان»، كانت دعمت قبل ست سنوات مشروعاً لإنجاز أنسكلوبيديا «الإسلام وأحاديث النبي»، هدفه نشر أحاديث نبوية محددة تنسجم مع القرن الـ21 ومع «حداثة محافظة» على حد تعبير واضعي الأنسكلوبيديا. يُشار الى أن إردوغان كان حتى انتخابه رئيساً للجمهورية الشهر الماضي زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو حزب إسلامي الهوى ورث مبادئه من أحزاب وحركات اسلامية تأثرت بأفكار الإخوان المسلمين والداعية التركي الشيخ سعيد نورسي (1877 – 1960) «الملقب ببديع الزمان، الكردي الأصل، التركي المولد والوفاة»، وفق ما يصفه أتباعه. الأنسكلوبيديا أنجزت أخيراً وهي في سبعة أجزاء نشر منها الجزء الأول في تموز (يوليو) الماضي، بالتزامن مع بدء شهر رمضان، على ان تنشر بقية الأجزاء تباعاً.
هل الجهاديون وهم يرتكبون جرائمهم الإرهابية يستندون فعلاً الى القرآن والحديث دعماً لأفعالهم؟ كان هذا موضع حديث لكاتب هذه السطور مع باحث علماني في الشؤون الإسلامية أشير في ثناياه الى عنوان فيلم أميركي مشهور من بطولة الممثل كلينت إيستوود «الجيد والسيء والبشع». فاذا أخذنا في الاعتبار ان الآيات والأحاديث ترتبط بظروف وأحداث وتطورات محددة فهذا يعني أن لكل مقام مقالاً. فالظروف والأحداث والتطورات في كل زمان ومكان فيها الجيد والسيء والبشع وهذه الحالات تعكسها الآيات والأحاديث ذات الصلة. وبما ان المسلمين بينهم الجيد والسيء والبشع فإن كل فئة منهم تأخذ من الآيات والأحاديث ما ينسجم مع مصالحها وأخلاقياتها وطموحاتها فتطبقها على كل شيء بالمطلق. فالمسلمون الجيدون أو «الصالحون» هم الذين يركزون على الجيد من الآيات والأحاديث.
أما المسلمون السيئون والبشعون، وهم الإسلاميون المتطرفون والجهاديون والإرهابيون من كل المذاهب فهم لا يرون في التعاليم الدينية سوى عكس ما يراه الصالحون. استمعوا مثلاً الى خطاب المدعو أبو بكر البغدادي الذي نصّب نفسه «خليفة» لـ «الدولة الإسلامية» (داعش) حين دعا في خطبته في الموصل المسلمين في كل مكان الى مبايعته. فهو لم يستشهد، كما لاحظ الباحث العلماني، بأي آية أو حديث فيهما دعوات الى التسامح والمحبة والسلام وكل ما هو جيد. لكن خطبته عجّت باستشهادات من نوع «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد» و»كتاب يهدي وسيف ينصر» و»شرّ الأمر محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» و»كتب عليكم القتال وهو فرض لكم» و»قاتلوهم حتى لا تكون فتنة»، وختم بأن «دين الله لا يقام الا بتحكيم شرع الله (…) وهذا لا يكون الا ببأس وسلطان». بعبارة أخرى حرّض المسلمين على كل ما هو سيء وبشع!
الموضوع المتعلق بالأحاديث النبوية ومعناها وتفسيرها واستخدامها مطروح بطريقة علمية في أوساط علماء الدين الإسلامي في تركيا منذ فترة طويلة. فهناك «مدرسة أنقرة» لعلماء دين ولاهوتيين مسلمين يصفون أنفسهم بأنهم ينتهجون «حداثة محافظة» حيال الدين ويلتزمون الإسلام السني من دون التمسك بالفهم الحرفي الصارم الذي ينتهجه العلماء التقليديون المتشدّدون. هؤلاء العلماء الأتراك منكبّون منذ عقود على دراسة الأحاديث النبوية والمخطوطات الإسلامية منذ القرن السابع للميلاد. في العام الماضي وبعد سنين من الجهد أنجز 100 مؤلف ينتمون الى هذه المدرسة انسيكلوبيديا «الإسلام وأحاديث النبي» في سبعة أجزاء تُنشر أجزاؤها تباعاً. المشروع مدعوم من مديرية الشؤون الدينية التابعة للدولة. الأنسيكلوبيديا لا تتطرّق الى كل الأحاديث المنسوبة الى النبي محمد ويقدر عددها بـ 17 آلف حديث، بل تتناول بضع مئات فقط من الأحاديث مصنّفة في مجموعات وفق موضوعها، ينشر كل منها مع توضيح لمعناه على خلفية تاريخية تأخذ في الاعتبار موضوعها ومناسبتها وما تعنيه اليوم. يشار الى ان علماء «مدرسة أنقرة» علــى عكس نظرائهم في دول مسلمة أخرى، درسوا ويدرسون في جامعات حديثة، وكثيرون منهم درسوا في الغرب وتعلموا في جامعاته واهتموا بمناهج تفسير الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد) من قبل اللاهوتيين المسيحيين.
مدير المشروع التركي الأكاديمي محمد أوزافسر وهو ايضاً نائب رئيس مديرية الشؤون الدينية في أنقرة، وهي مؤسسة تابعة للدولة ومرتبطة برئاسة الوزراء، يقول ان ثمة نظرة مغلقة في العالم الإسلامي إلى الدين لكن الأتراك لديهم نظرة مختلفة للثفافة الإسلامية. مثال على ذلك ان نظرتهم منفتحة تجاه تعليم النساء ويعتبرون ان الحديث عن إلزام المسلمين بالتعلم جاء بالمطلق ويشمل الرجال والنساء على السواء. مثال آخر يتعلق بالكحول إذ يرفض العلماء الأتراك تحريمه كما يرفضون تحريم الزي الغربي للنساء. أما العقاب بقطع أيدي اللصوص فعلماء «مدرسة أنقرة» يعتبرون انه فرض في اطار تاريخي محدد ولا يجوز تطبيقه في الوقت الحاضر.
في السياق ذاته يقول البروفيسور في جامعة أنقرة صابان علي دوزغيون وهو من «مدرسة أنقرة» ايضاً، انه وزملاءه يعارضون الإكثار من استخدام الأحاديث النبوية من قبل خطباء الجمعة الذين ينزعون الى «تجميل» خطبهم بها، على حد قوله. ويضيف ان استخدام الأحاديث كيفما اتفق من دون وضعها في سياقها التاريخي أمر لا يخدم مفاهيم هذا العصر. دوزغيون يدعو خطباء الجمعة الى الاقتصار على استخدام الأحاديث التي تتضمنها «الأنسيكلوبيديا» مع شروحها. وزاد المدير العام لمديرية الشؤون الدينية محمد باججي انه لا يجوز للمسلم أن يفتح القرآن أو كتاباً يضم أحاديث النبي فيختار آية أو حديثاً كيفما اتفق ويقول: «آه، هذا هم الحكم في المسألة الفلانية! هذا عمل يدل على الفهم الحرفي والجهل». أوزافسر يضيف: «لم نعد حتى في القرن العشرين. نحن في حاجة لعمل جديد بإيمان اسلامي من منظور ثقافة الحاضر».
هل هي»حملة إيمانية» تنسجم مع القرن الـ21؟ وما المفاجأة التالية من تركيا الإسلامية الأردوغانية؟

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...