كامران قره داغي: إقليم كردستان وتركيا: «قصة حب» أم مصالح مشتركة؟

Share Button

منذ الحرب مع «داعش» خصوصاً، باتت العلاقة بين إقليم كردستان وتركيا تثير جدلاً يكاد لا ينقطع، بين الأطرافimages (1)السياسية وفي أوساط الرأي العام، في كردستان عموماً وفي الإقليم خصوصاً، الى حد ان هذه العلاقة وإشكالاتها تحولت محوراً لمناظرات تديرها وسائل الإعلام بانتظام، بل أخذت تؤزّم أحياناً العلاقات بين الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، تحت قبة البرلمان وخارجه وعلى صعيد «الشارع».

هذا الجدل الذي ازدادت حدته مع نشوب القتال بين الكرد و»داعش»، تكاثرت انعكاساته على موقف أنقرة حيال الهجمات التي تعرض لها الإقليم ولا يزال من قبل التنظيم الجهادي الارهابي.

أحد طرفي الجدل، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني وحركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى، يرى ان الطرف الآخر الأكثر نفوذاً في ادارة الإقليم، بحكم غالبيته في البرلمان والحكومة، أي الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، تمادى في العلاقة مع تركيا واضعاً، بحسب أحد التوصيفات، «كل بيضه في سلة أنقرة»، الأمر الذي يسلب ارادة الإقليم ويُخضع مصلحته لمصلحة تركيا، خصوصاً لجهة التعامل مع حزب العمال الكردستاني (وبالتبعية مع فرعه في سورية حزب الاتحاد الديموقراطي) الذي بينه وبين تركيا، كما هو معلوم، ما صنع الحداد.

في هذا الخصوص لفتني عنوان مقال للكاتبة الصحافية التركية أمبرين زمان (ألمونيتور، 1/9/2015)، وهي زميلة تتمتع بخبرة طويلة مع التطورات الكردية في تركيا والعراق وسورية من وجهة نظر ليبرالية متعاطفة بشدة مع طموحات الكرد، كما أنها زائرة دائمة لأجزاء كردستان ولها اتصالات واسعة مع لاعبين رئيسيين في هذه المناطق، بحيث تستقي معلوماتها مباشرة «من فم الحصان». عنوان المقال «إنحسار قصة الحب بين كرد العراق وتركيا»، وفيه تربط الكاتبة هذا الانحسار بما اعتبره الكرد موقفاً أقل ما يوصف به انه مخيب، فيما مضى غاضبون الى حد اعتباره عدائياً وشامتاً بهم ازاء الهجمات المباغتة لـ «داعش» وهو يكتسح بلدات وقرى في كردستان العراق وسورية، مع ما رافق ذلك من جرائم بشعة ضد السكان الكرد والمسيحيين والايزيديين.

«قصة الحب» هذه بدأت كما هو معروف في مطالع 1991 في أعقاب حرب تحرير الكويت والانتفاضة المسلحة في كردستان العراق والتطورات اللاحقة التي غيرت مستقبل كردستان جذرياً حتى تحولت إقليماً في إطار دستور العراق الفيدرالي منذ 2005. العلاقة التي نشأت آنذاك بين أنقرة والقيادة الكردية شهدت تقلبات كثيرة صعوداً ونزولاً قبل ان تستقر، خصوصاً منذ صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة طيب رجب اردوغان، وهي ترقى الى اقامة علاقات اقتصادية وسياسية وديبلوماسية مباشرة، الأمر الذي يثير بين حين وآخر حفيظة الحكومة المركزية في بغداد واحتجاجها على تجاهلها من قبل أنقرة وأربيل.

لكن لأسباب واضحة ترتبط بالجغرافيا وبمناطق نفوذ الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان، فإن العلاقات بين الإقليم وتركيا اتخذت منحى يتجاوز العلاقة الرسمية بين ادارة الإقليم والحكومة التركية التي يحتكرها منذ عشر سنوات حزب العدالة والتنمية بفضل غالبيته البرلمانية المطلقة. فالحدود تقع بأكملها تحت مناطق نفوذ حزب بارزاني، الأمر الذي يفسر ميل الحزب الى اعتماد سياسات تدعو الى اقامة ما يمكن وصفه بعلاقات «خاصة» مع تركيا والتعويل عليها لضمان دعمها لتحقيق طموحات استقلالية مستقبلاً. وبالمناسبة يلاحظ، وفقاً للاعتبارت ذاتها، أن مناطق نفوذ حزب طالباني يشمل معظم الشريط الحدودي بين الإقليم وإيران، الأمر الذي يفسر في المقابل تمسكه باقامة علاقات «خاصة» مع طهران.

هذه العلاقات بين الإقليم وإيران وتركيا تتحكم فيها ايضا عوامل اقتصادية واضحة. تكفي الاشارة الى حقيقة ان هاتين الدولتين تغطيان أكثر من نصف احتياجات اسواق الإقليم: حصة تركيا 35 بالمئة، وايران 25 بالمئة، فيما تغطي الصين 30 بالمئة من هذه الاحتياجات. في هذا الاطار يحتدم التنافس بين 20 ألف شركة و100 ألف تاجر على تغطية الطلب المحلي لأسواق الإقليم. لكن دور تركيا في دعم اقتصاد الإقليم يتفوق على الآخرين في المجال الأهم وهو قطاع النفط. فاللقيم يصدر حاليا نحو نصف مليون برميل من النفط يوميا الى ميناء جيهان التركي عبر انبوب أُنجز حديثا ويمر عبر مناطق تخضع لحزب بارزاني.

هنا يدخل على الخط حزب العمال الكردستاني بزعامة مؤسسه عبدالله اوجلان، السجين في تركيا منذ 1999 والذي يتخذ آلاف من مقاتليه جبال قنديل في إقليم كردستان قاعدة أساسية يوفر لهم امكان عبور الحدود الى تركيا لمواجهة القوات التركية عند الحاجة. التطورات السياسية في السنوات الاخيرة في تركيا أدت كما هو معروف الى تغيرات غير مسبوقة انعكست في اجراء مفاوضات غير مباشرة بين الحكومة التركية و»العمال الكردستاني» لعب فيها اوجلان دورا رئيسيا، وهي مفاوضات تشهد حاليا انتكاسة كبيرة أدت الى تجدد المواجهات بين الطرفين وسقوط قتلى وجرحى وشن غارات جوية تركية واسعة على مواقع الحزب في قنديل وداخل تركيا، الأمر الذي تنعكس عواقبه بشدة على إقليم كردستان حيث التنافس التقليدي بين التيارين التقليديين يتحكم بالقررات السياسية: تيار يدعو الى تغليب المصلحة الذاتية للإقليم فيتمسك بضروة الحفاظ على العلاقات المميزة مع تركيا التي تشكل المجال الحيوي لاقتصاده، خصوصا في مجال تصدير النفط، وتيار آخر يرى أن التحالفات الكردية – الكردية العابرة للحدود أهم من ذلك كله، وبالتالي يتعين، وفقا لذلك، ان يربط الإقليم علاقته مع تركيا بشكل علاقتها مع العمال الكردستاني.

في ضوء ما سلف وفي ظل الظروف والتعقيدات والمشكلات الحالية التي يمر بها إقليم كردستان، يتعين على قياداته اعتماد مبدأ اقامة علاقات جوار على أسس واقعية تأخذ في الاعتبار قبل كل شيء مصلحة الإقليم وشعبه وانجاح تجربته واعتماد مبدأ المصالح المشتركة في علاقاته مع الآخرين سعياً الى فتح آفاق للتقدم باتجاه تحقيق طموحات أوسع، وصولاً الى طموح الدولة.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...