كامران قره داغي : أوجلان و «العمّال الكردستاني»: الحل والمشكلة

Share Button

«ملتقى السليــمانية» السنوي الذي تعقده الجامعة الأميركية في العاصمة الثقافية لإقليم كردستان، والذي صار تقليداً قبل ثلاثة أعوام، عُقد الشهر الماضي تحت عنوان «الهلال الخصيب:imagesوالفرص». يشارك في الملتقى عادةً، خبراء وسياسيون ومراقبون وصحافيون محليون ومن دول إقليمية ودولية. كاتب هذه السطور، شارك في محور عنوانه «ديناميكية العلاقات الكردية – الكردية» مع ممثلين عن الكرد في تركيا وسورية، لكن في غياب ممثل عن الكرد في إيران، الأمر الذي حمل على انتقاد منظّمي الملتقى.

البحث في بعض جوانب هذه الديناميكية، هو موضوع هذا المقال الذي سيركز على الوضع الــــكردي في إطار تطوراته في تركيا، ودور حزب العمال الكردستاني PKK الذي تأُسس في 1978، ويتزعمه منذ ذلك الحين عبدالله أوجلان المسجون منذ اعتقاله في 1999 وفي إطار عملية سلام طرفاها أنقرة من جهة، وأوجلان والقيادة الميدانية لحزبه التي تتخذ جبل قنديل في كردستان العراق مقراً وقاعدة لمقاتلي الحزب، وكيف أصبح زعيم الحزب وقيادته الميدانية حلاً ومشكلة في آن. كيف ذلك؟
مع اقتراب الانتخابات البرلمانية التركية المقرّرة في مطلع حزيران (يونيو) المقـــبل، يتوقع كثر أن يكون للعامل الكردي تأثير مهم في نتائجها، وبالتالي في عواقبها المرتبطة بعملية السلام الكردية من جهة، ومن جهة أخرى بمساعي الرئيس رجب طيب أردوغان، مدعوماً من حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي أسسه في 2001 وتزعمه حتى تخلّيه عنه إثر انتخابه رئيساً للدولة العام الماضي، وفقاً لما ينصّ عليه الدستور الذي يلزم الرئيس باعتكاف الحياة الحزبية.

السياسيون الكرد الذين شاركوا في الانتخابات التركية الثلاث الماضية، ودائماً كواجهات لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، كانوا يترشحون كمستقلين ثم يعمدون الى تشكيل كتلة برلمانية إثر انتخابهم، وذلك تجنباً للمشاركة كحزب يتعيّن عليه بموجب الدستور أن يحرز نسبة 10 في المئة من أصوات الناخبين على مستوى البلاد لدخول البرلمان.

هذه المرة، قرّر حزب الشعب الديموقراطي (الكردي)، الذي يقوده السياسي الكاريزمي صلاح الدين دميرتاش، خوض الانتخابات كحزب يطمح الى تخطّي حاجز الـ10 في المئة، وهي خطوة تنطوي على مخاطرة قال في شأنها سياسي كردي بارز آخر هو أحمد ترك، إن الفشل فيها يعني أن الكرد «سيحقّ لهم أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم». بعبارة أخرى، سيواجه الوضع السياسي، وبالتالي الوضع الأمني، تطوراً نوعياً جديداً سواء نجح الكرد في تحقيق النسبة المرجوة أم فشلوا في ذلك.

يتعين إدراك أن التطورات الكردية التركية الراهنة، لا يمكن تناولها بمعزل عن المفاوضات الجـــارية بيــن أنقرة وإمرالي، الجزيرة الواقعة في بحر مرمرة، حيث يقبع أوجلان في سجن أقيم له هناك.

ولعلّ المفارقة هنا، تكمن في أن سجن أوجلان لم يؤدِّ الى خفوت نجمه بل بالعـــكس، أدى الى صعوده وتحوّله من إرهابي وعدوّ أول للجمهورية التركية، الى المفاوض الأول الذي تعوّل عليه أنقرة لإنهاء الصراع الدموي المسلّح، الذي أودى بحياة 40 ألف شخص منذ نشوبه في 1984.

الحزب الحاكم في تركيا، وتحديداً زعيمه أردوغان ومستشاره ومهندس سياسته الخارجية ولاحقاً وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، تعيّن عليهما اتخاذ خطوات في اتجاه الانفتاح على الكرد، بدءاً بالاعتراف رسمياً بوجود «مسألة كردية» في تركيا تستدعي البحث عن حل سياسي، وهذا بدوره أدى بالتالي الى البحث عن شريك كردي يمكنهما التفاوض معه.

لكن أنقرة أوقعت نفسها في ورطة، تمثّلت في أنها استبعدت في البداية خيار أوجلان كشريك، على أساس أنه لا يمكن التفاوض مع سجين مدان بتهمة الإرهاب. أردوغان كلّف جهاز الاستخبارات المعروف باسم «ميت»، بالبحث عن بديل أو حتى بدائل عن حزب أوجلان في تركيا نفسها وفي أوروبا، حيث هناك جالية كردية تركية كبيرة تضمّ نشطاء كرداً قريبين من الحزب. ومع تطور الـعلاقات بين إقليم كردستان وأنقرة، خـــصوصاً منذ 2005 ولاحقاً، بدأت أنقرة تبـــحث الأمر مع القيادة الكردية في العراق، التي أبلغتها منذ البداية بأن الشريك الوحيد القادر على اتخاذ قرار هو أوجلان نفسه.

أما القيادة الميدانية في قنديل، فاعتبرت أن أوجلان يجب اعتباره المفاوض الأوحد، وأن أي محاولة لتجاهله بمثابة خط أحمر لا يمكن تخطّيه إطلاقاً. باختصار، انتهى الأمر بأنقرة الى التفاوض المباشر مع أوجلان، الـــذي تحوّل سجنه شيئاً فشيئاً الى مـــقر للتفاوض بينه وبين أنقرة، وكـــذلك لاستقبال ممثلين يختارهم بنفسه عن حزب الشعب الديموقراطي، لنقل رسائله الى قيادة حزبه في قنديل وأيضاً الى أربيل والسليمانية في إقليم كردستان.

هنا تأتي مفارقة أخرى، تتمثل هذه المرة في «ورطة قنديل». ذلك أن عزلة أوجلان لستة عشر عاماً في جزيرة إمرالي، تعني أنه لم يعد قائداً فعلياً قادراً على السيطرة على حزبه وقيادته، ورسم سياساته وخططه العسكرية، واستيعاب وفهم المستجدات وآلياتها وتفاصيلها على الأرض، الأمر الذي بات من وجهة نظر قيــادة قنديل ينعكس سلباً على قراراته وإدارته عملية التفاوض مع أنقرة. في غضون ذلك، ليس سراً أن جميل بايك، الشخص الثاني في الحزب وأحد أبرز آبائه المؤسسين، استطاع عملياً في غياب أوجلان انتزاع صلاحيات الزعيم. ويلاحظ في هذا الصدد، أن قيادة قنديل تخرج أحياناً بتفسيرات لقرارات أوجلان قد تختلف عن تفسيراته لها. وليس سراً أيضاً للعارفين، أن قنديل تشعر بالإحباط وعدم الرضا حيال الطريقة التي يقود بها أوجلان عملية التفاوض مع أنقرة.

هنا جوهر الورطة. فقيادة قنديل تدرك الشعبية الطاغية لأوجلان بين الكرد في تركيا، الى حدّ تقديس شخصيته واعتباره منزهاً عن أي خطأ، وهي صورة رسختها هذه القيادة نفسها إذ سعت الى ترويجها وترسيخها في نفوس الكرد، وهذا واقع يقيّد يديها ويجعلها عاجزة تماماً عن اتخاذ أي موقف يوحي بأنه خروج عن إرادة أوجلان، الأمر الذي يثير مخاوف من عواقب لا تُحمد عقـــباها على الحزب ووحدته ومستقبله.

يُضاف الى هذا كله، العواقب الغامضة التي يمكن أن تسفر عنها الانتخابات في حال أسفرت عن عدم حصول الحزب الكردي العلني على نسبة 10 في المئة، وما عناه أحمد ترك بقوله إن ذلك سيعطي الحق للكرد في أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
لعل في ما سلف تبريراً كافياً لعنوان هذا المقال.

نقلا عن الحياة

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...