بعد محادثات فيينا 2 حول سوريا، والتي اتفق خلالها المتحاورون على حل سياسي يبدأ بمحاربة الإرهاب من دون توحيد الرؤى حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد، أكد ميشال كيلو، الكاتب والمعارض السوري، في حديث لـ “إيلاف”، ان الولايات المتحدة ليست متساهلة في موضوع رحيل بشار الأسد، وهي تعتبر ان الأولوية اليوم لم تعد للإرهاب وإنما لرحيل الأسد، لأن رحيله يضمن حربًا حقيقة ضد الإرهاب، بحيث يكون الشعب السوري هو قوة المواجهة الأساسية للإرهاب والإرهابيين.
كيلو أشار إلى أن “موسكو لم تغيّر حرفًا واحدًا من خطابها خلال السنوات الأربع الماضية، وهي تعتبر أن بشار الأسد رئيس شرعي منتخب، وتقول للمعارضين السوريين من انتم؟ اذهبوا ووافقوا بأن تكونوا وزراء في نظام الأسد”، وأضاف: “روسيا اتت لتنقذ بشار الأسد، وهي على يقين أن الأسد كان ليسقط لولا تدخلها العسكري، وهي تدافع اليوم في سوريا عن موقف إيديولوجي يرى أن الثورات خربت الدول التي قامت فيها”، ثم يستطرد قائلًا إن موسكو ستدرك قريبًا أكاذيب النظام السوري، الذي أدخلها في حرب ستنعكس سلبًا على أمنها القومي الداخلي.
فيما يلي نص الحوار:
– لم تُدع المعارضة السورية إلى أي من اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت للبحث عن حل سياسي للنزاع السوري، بالمقابل هل كان هناك من لقاءات جانبية عُقدت مع المعارضة السورية على هامش هذه المؤتمرات، او هل تم استشارتها على الأقل؟
لم يتم دعوةٌ المعارضة السورية حتى الآن، وأظن أن دعوتنا كانت لتكون مسألة لا لزوم لها، لأن هناك وثيقة مختلف عليها بين الدول العظمى، ولذلك جمعت اللقاءات موسكو وواشنطن مع15 دولة أخرى ليتفاهموا على مدخل لتطبيق جنيف 1، وبالتالي فإن دعوتنا لم يكن لها مكان إلا من الناحية الشرفية، أي للإفتخار أننا جلسنا مع الكبار، وأود ان أقول أننا، ومنذ فترة طويلة، لم نتلق دعوة لا من الصغار ولا من الكبار.
– هل تم التشاور مسبقًا حول المقترحات التي تم تقديمها في محداثات فيينا 2 إستنادًا إلى وثيقة العمل التي قدمها وزير الخارجية الأميركية؟
كان هناك لقاءات موسعة في اسطنبول مع سفراء الدول الكبرى بإستثناء الروس، وكانوا يسمعون وجهات نظرنا، ونسمع وجهات نظرهم.
– العنصر الأقوى هي الولايات المتحدة، ما الذي سمعتموه من الجانب الأميركي؟ وما الطرح الذي نقلتموه إليها؟
واشنطن قالت لنا إنها ليست متساهلة في موضوع بشار الأسد، وهي تعتبر ان الأولوية اليوم لم تعد للإرهاب، وإنما لرحيل بشار الأسد، لأن رحيله يضمن حربًا حقيقة ضد الإرهاب، اما بوجوده فالإرهاب لا يمكن التغلب عليه، لأنه مصدر أساسي له، فهو يستخدم سياسات إرهابية ضد الشعب السوري، والجرائم التي يرتكبها تدفع نحو التطرف والوقوع في مستنقع المنظمات الإرهابية، ولذلك فإن رحيل الأسد، مع توحيد طاقات السوريين ومصالحة وطنية كما نص عليه إعلان جنيف، بالإضافة إلى حكومة وحدة وطنية وانتقال سلمي للسلطة، سيحوّل الشعب السوري إلى قوة المواجهة الأساسية للإرهاب والإرهابيين، وأنا أرى ان ذلك صحيح.
– تظل العقدة الأساس مصير الأسد، ماذا كان الطرح الروسي حول هذه المعضلة؟
نحن لم نلتق مؤخرًا مع الروس، ولكن اللقاءات التي جمعتنا معهم، طوال السنوات الأربع الماضية، لم تغيّر فيها موسكو حرفًا واحدًا من خطابها الذي يقوم على أن بشار الأسد رئيس شرعي منتخب، وأن الشعب السوري معه، وعليكم أن تتحاوروا معه ضمن الشروط التي نضعها، وبالتالي فإن روسيا ليست صاحبة منطق يمكن التحاور معه، فهي صاحبة منطق إقصائي وتتحدث طوال الوقت أن الشعب السوري يقرر مصيره، لكنها، في المقابل، ترسل جيشها لتدمير جزء من السوريين.
روسيا تتخبط بمجموعة من التناقضات التي لا تليق بدولة عظمى، وهي تهاجم طوال الوقت المدنيين والجيش الحر، وتدّعي بأنها تقاتل تنظيم داعش، وعلى سبيل المثال، هي ضربت منطقة تلبيسة التي فقدت مئة شهيد لطرد داعش، و من هنا لا أدري بأي منطق علينا التحاور مع روسيا، وباعتقادي إذا ما أصرّت على رؤيتها للنزاع السوري، سيكون هناك مشكلة كبيرة، بل وكبيرة جدًا.
– تقولون إن موسكو ستستفيق بعد أشهر قللية على واقع مر في سوريا، ولكن من يعرف موسكو يعلم انها دولة استخبارات لا تنطوي عليها ما تعتبرونه اليوم كذبة النظام السوري، هل يمكن لبشار الأسد أن يخدع موسكو كما تقولون؟
روسيا دخلت إلى سوريا بإعلان صريح من بوتين انه اتى لينقذ بشار الأسد، وهي على يقين بأن بشار الأسد كان ليسقط لولا تدخلها العسكري، وتخيلوا اليوم لو توفر للمعارضة المسلحة عشرة ملايين دولار لكانت اشترت صواريخ مضادة للطائرات وماذا يجري للسيد بوتين آنذاك؟ سيكون قد غرق في ورطة كبيرة، وأفضل طريقة للروس ان يعترفوا أن هنالك شعبًا لديه مطالب محقة، ونحن مستعدون لإجراء محادثات مع قسم من النظام السوري يقبل الإنتقال الديمقراطي في منتصف الطريق، لكنني لا أفهم الأهمية التي يمتلكها بشار الأسد لنجد موسكو متمسكة به لهذا الحد، نحن لا نقول إننا سنقضي على النظام السوري، وهنالك ضمانات دولية لذلك.
– ما مرد هذا التمسك الروسي ببشار الأسد؟
أنا في الحقيقة لا أعرف ما هو السبب، بحثت كثيرًا، وسمعت مرارًا الروس يقولون نحن لسنا متمسكين ببشار الأسد، و لكن دعيني أسرد لكِ ما دار مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في احد لقاءاتنا، فقد سألني: “ما الذي تريدونه من الثورات؟ الثورات خرّبت الدول التي قامت فيها، وبشار الأسد هو أحسن رجل يمكن أن تجدوه لحكم بلادكم؟”، وبالتالي فإن روسيا لديها موقف إيديويلوجي من الثورة في سوريا، هذا هو التفسير الوحيد.
– هل هو قلق روسي من خلايا نائمة موجودة في الشيشان والقوقاز، يُمكن أن تستعيد زخمها نتيجة النزاع السوري؟
السياسة الروسية في سوريا هي أقصر طريق لإنهاض الخلايا النائمة في القوقاز والشيشان، اود ان أؤكد انه لغاية اليوم لم تصدر عن موسكو كلمة واحدة فيها تعاطف مع ما يعانيه الشعب السوري، و لم يقل أي مسؤول روسي منذ بداية الأزمة السورية إن هناك سوريًا بريئًا مات، فلو ان الروس أتوا وقالوا إنهم سيجدون حلًا، وأن الشعوب لها حق في ان تنال ما ناله الشعب الروسي، بان يقوم بثورة على نظامه وان يغير نظامه كما فعل الروس، لكانوا قطعوا الطريق على الإرهاب في بلادهم وبلادنا، ولكن بهذه الطريقة التي تتبعها موسكو، انا أؤكد انه سيكون هناك عمليات إرهابية في موسكو، وأنا أدين الإرهاب بكل أشكاله وصوره، لأن الشعب السوري من أكثر شعوب العالم الذي عانى من الإرهاب، لكنني أقول لموسكو إن هذه السياسة التي يعتمدونها هي سياسة تفريخ الإرهاب، لأنها سياسة تعقيد المشكلات وتحريض الشعوب على بعضهم بعض وتحريض الناس، وهي سياسة عمياء وفاشلة.
– من يتحمل مسؤولية الإرهاب في سوريا؟ الولايات المتحدة بعد غزو العراق؟ أو دعم موسكو للنظام السوري؟ وهل من دور لإيران؟
أدت مجموعة هائلة من الظروف إلى نشأة الإرهاب، منها دعم الغرب والشرق، طيلة 50 عامًا، نظم ديكتاتورية وإستبدادية خرجت من الإستعمار بمشاريع ديمقراطية اولية، وشكل دعم الغرب والشرق لها حالة من التفاوت الإجرامي، أسرد على سبيل المثال في سوريا قبل عام 1958 كان فارق دخل الفرد السوري يتراوح بين 1 و 12 بالمئة، ولكن بعد حكم حزب البعث العربي الإشتراكي أصبح الفارق بين صفر إلى ما لا نهاية، وقد سكت الغرب على مدى السنوات الماضية على إحباط كل ما فكر به العرب والشعب البسيط، ثم اتبع، بعد حرب الفييتنام، سياسة تقول إنه من المستحسن التعامل مع شخص أفضل من شعب، وكون الشعب لا يقبل بهذا الشخص، فليس علينا إلا دعمه كشخص إستبدادي ومجرم وقاتل، ونحن لا يهمنا الناس، فقط هذا الشخص بعينه، وهذا ما قاله وزير الخارجية الأميركي الأسبق هينري كيسنجر في دمشق “من الأفصل لنا ان نتعامل مع شخص لأن الشعوب صعبة، لكن الأشخاص يُمكنُ ترويضها وعلينا ان نضمن لها البقاء في السلطة”، وخير مثال على ذلك الحالة العراقية ، فقد حكم اهل السنة العراق طوال ألف وخمسمئة سنة، وفجأة تراءى للغرب أن يحكم الشيعة العراق بحجة أن اهل السنة من جماعة صدام حسين، وهذا خطأ، ولكن عندما تم
هذا التغيير التاريخي الكبير، الذي أخذ شكلا مذهبيا تحت اجنحة إيران، فتم البطش بالسنة فقط لأنهم سنة، واتُهموا بأنهم من جماعة صدام حسين، وهذا ما أدى إلى ولادة التنظيمات المتطرفة.
الإرهاب صنعته ازمة طويلة عريضة، منع الغرب والشرق حلها، هي ازمة الإستبداد والتفاوت الإجتماعي واحتقار البشر وإلغاء القانون وإلغاء حقوق الإنسان والمواطن وإلغاء المواطنة وتسليط المجرمين على بسطاء الناس، وفي النهاية بسطاء الناس انفجروا.
– هناك أقليات في سوريا كالعلويين و المسيحيين ما زالت ترى في النظام السوري هو الضامن الأساسي لوجودها، كيف سيتم تطمين هذه الأقليات ان مصيرها لن يكون مشابها لمسيحيي الموصل الذين أجبروا على الهجرة هربا من الميليشيات المسلحة؟
ما ورد في إعلان جنيف طمأن الأقليات في سوريا، وقال إن الهيئة الحاكمة التي ستنقل سوريا إلى الديمقراطية ستقوم بتراضي الطرفين، وقد ورد في الحل الدولي أيضًا ضمانات للأقليات بأنهم سيكونون شركاء بضمانات قوات عربية، وكذلك عبر صلاحيات خاصة لإدارة مناطقهم من قبل ممثلين لهم، بالإضافة إلى ضمانات عسكرية بأنهم سيكونون جزءًا من الجيش، وجزءًا من إدارة الدولة، وهم جزء تكويني من الشعب السوري، وإن غدت سوريا حرة فسيكونون أحرار.
– هل ما خرجت به محادثات فيينا يُلبي مطالب المعارضة السورية؟
نحن أخذنا موقفًا وديًا من محادثات فيينا، واعتبرناها بداية، فجنيف فشل لأن العالم لم يكن متفاهما على أسس للحل، وعلينا أن نبدأ محادثات مع النظام السوري على أسس تُلزم النظام وتُلزمنا، وهي أسس تتعلق بسياسات عملية، لكن الجنون الروسي بعد إسقاط تركيا لإحدى مقاتلاتها أخذ المنطقة إلى مكان لا احد يعلم إلى أين سيصل، وكانت روسيا تقول إنها لا تريد إرسال جنود إلى سوريا، واليوم يوجد في سوريا 6000 جندي روسي، وكانت تقول إنها سترسل قوة محدودة إلى سوريا وانها لن ترسل أسلحة متقدمة تؤثر على التوازنات الإقليمية، لكنها أرسلت أسلحة أس 400 التي تؤثر على التوازنات الدولية.
– هل فرضت روسيا، عبر نشرها أسلحة أس 400 المضادة للطائرات، منطقة حظر جوي فوق الأراضي السورية؟
تفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا وفوق قسم من العراق إذا ما أرادت، بوتين في حالة جنون وهو يريد ان يستعيد السياسات القيصرية من القرن 11 إلى القرن 18، عبر استعباد الناس وإخضاعهم لموسكو، بدل ان يرى أن حادث إسقاط الطائرة هو رد فعل مباشر على قصف منطقة مدنية خالية من أي عنصر لتنيظم داعش على الإطلاق، فهو هجّر15 ألف إنسان من المدن التركمانية التي يعيش فيها150 ألف نسمة، ومن هنا كان من الطبيعي أن يوقفه الأتراك، فبوتين يريد ان يمرر حلًا عسكريًا بحجة محاربة الإرهاب.
– تقوم موسكو بتعزيز قدراتها العسكرية في سوريا، تكتفي أميركا بالمراقبة، هل الرد الأميركي على مستوى خطورة ما تقوم به موسكو في سوريا؟
الولايات المتحدة لا تكترث لما يحدث في سوريا، وهي لو أردات، تستطيع أن تغرق روسيا في سوريا حتى تستغيث، وتستطيع أن تعزل روسيا عن الجوار العربي والإسلامي وأن تضع موسكو في موقع حرب مع الدول الإقليمية والعربية، فموسكو قطعت كل شعرة معاوية مع شعوب المنطقة، والولايات المتحدة لا تكترث كثيرًا، وهي تعتبر ان أفضل طريقة لمحاربة الإرهاب تتمثل بإدخال المسلمين في حرب مع بعضهم البعض، وهي تعمل على ذلك، وإذا كانت روسيا ستدخل لتكون طرفا في هذه الحرب مع الشيعة ضد السنة، فإن هذه الحرب لن تنتهي بـ 50 عامًا.
– هل نتجه إلى لبننة الوضع السوري؟ أي استنباط الحرب الأهلية اللبنانية في سوريا؟
إن الفرق بين لبنان وسوريا هو أنه هناك سلطة في سوريا تستخدم الأقليات في الحرب ضد الأغلبية، وليس طوائف تتقاتل مع بعضها كلبنان، وإن رحلت السلطة اليوم من سوريا ستقف الحرب وسيكون هناك مشكلات، لكن الحرب الأهلية على الطريقة اللبنانية مستبعدة، وإن رحل اليوم الأسد من سيقول إن الحرب يجب أن تستمر، أستطيع أن آتي بضمانات بأن الحرب ستقف متى رحل بشار الأسد.
عن ايلاف