في ذكرى معاهدة لوزان تلوح في الافق دولة كوردستان
قد يكون 24 تموز يوما عادياً عند بقية شعوب العالم ولكن الامر يختلف تماماً عند الشعب الكوردي, ففي هذا اليوم تكالب الطامعون مستثمرين الظلام السياسي لإجهاض الحلم الكوردي, ففي هذا اليوم تم تقسيم جغرافية كوردستان عملياً وقانونياً في معاهدة لوزان , في وقت الذي أقامت كل شعوب المنطقة دولتها المستقلة. في هذا اليوم لم يسمح المتآمرون للشعب الكوردي الحصول على دولتها المستقلة التي كانت من المفترض أن يحصل عليه وفقاً لمعاهدة سيفر المنعقدة في 10 اغسطس 1920, ولكن وصول اتاتورك الى الحكم من جهة ومصالح الدول الاستعمارية من جهة اخرى حالت دون قيام دولة كوردية , لذا اتفق الجميع على تسوية جديدة تحققت لهم بالفعل في معاهدة لوزان في 24 تموز 1923. وعلى هذا الاساس اسدلت معاهدة لوزان الستار على قضية الكورد دون أن يرد في هذه الاتفاقية أي ذكر لحقوقهم السياسية و الثقافية , وتسببت هذه المعاهدة لمعاناة الكورد طيلة عقود من الزمن, وأصبح الكوردي غريباً على أرضه لا حول له ولا قوة , ولم تكتفِ تلك الدول التي ورثت كوردستان بهذا القدر من الظلم بل ذهبت الى أبعد من ذلك سواء كان بالقتل أو التهجير أو السعي لمحو هويته القومية. انهم استطاعوا اجهاض الدولة الكوردية ولكنهم لم يستطيعوا اجهاض ارادة شعب كوردستان, ولم يستطيعوا محو هويته القومية بعد كل هذه المحاولات اللاإنسانية , لا بل أصبح الكوردي أكثر صلابة وتمسكاً بهويته واثبت للعالم كله بأن ارادته أكبر من مخططات الحاقدين وان الكورد لم ولن ينصهر في بودقة أي من شعوب المحيطة بأرضه. ولم يستسلم الكورد للواقع فأختار النضال سبيلا لتغيره مؤمنا بأن شجرة الحرية لا بد أن تروى بالدماء ولهذا السبب ضحى بالغالي والنفيس في سبيل قضيته, والأيام أثبتت بأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى والحرية لا توهب وإنما تنتزع من المستبدين والمستعمرين. واليوم بعد كل هذه المحن والمصائب التي حلت بالكورد جراء تكالب الدول عليه نرى بأن التأريخ يعيد نفسه وتجري رياح سايكس بيكو الجديد بما تشتهي سفن الكورد, والخارطة السياسية لمنطقة الشرق الاوسط مقبلة على تغير كبير وتقسيمات غير متوقعة.
وما يحدث اليوم في العراق وسوريا ما هي إلا مشهد من هذه السيناريوهات المحتملة, وتقسيم هذين البلدين أصبح واقعاً لا مفر منه, وفي هذه الاثناء يرى المراقبون للوضع الحالي بأن الكورد هم أحد المستفيدين من هذه التغيرات, والخارطة الجديدة تضم في طياته دولة كوردية مستقلة التي لطالما حلم به الكورد طوال سنين عديدة. وعلى الارض الواقع نرى بأن جنوب كوردستان الذي الحق بما يسمى بالعراق فأنه يخطوا يوما بعد يوم نحو الاستقلال, ومسألة انفصاله عن العراق أصبحت أمرا محتوماً, لأن لسان الحال يقول يصعب على الكورد العيش في عراق يحكمه أناس لا يختلفون في التفكير عن الذين سبقوهم في الحكم, لان الحكومة العراقية ماضية في انتهاكاتها الدستورية تجاه الكورد والمكونات الاخرى, والاستمرار في الخلافات خير دليل على فشل العملية السياسية وشراكة الحكم. وإذا كانت التأريخ يقول بأن صفحات الكورد ملئ بالمآسي والخلافات في ظل كل أنظمة الحكم في العراق, ديمقراطية و غير ديمقراطية ملكية و جمهورية, ولم يكن الدستور مرجعاً لحل الخلافات بين الفرقاء بل كان الحكام ولا يزال يحكمون حسب أهوائهم الشخصية والحزبية. وليس من الظلم أن تضع كوردستان حداً لهذه الحالة وتقوم بفسخ هذه الشراكة التي طالما كانت سبباً لهلاكه وتدميره. ذلك أنَّ حق تقرير المصير ليس ظلماً وجوراً بل هو من الحقوق الطبيعية للإنسان فالقوانين الدولية والشرائع السماوية والدستور العراقي اعطوا هذه الحق للكورد, والدستور العراقي أجاز للكورد ان يقوم بفض شراكته الاختيارية الحرة اذا لم يتم الالتزام ببنوده, وقد جاء في ديباجة الدستور العراقي ” أن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادةً”.
وعلى المستوى الشعبي أصبحت مسألة تقرير المصير مطلباً جماهيراً في كوردستان, فلم يعد شيئاً يحفز الكورد للبقاء ضمن العراق لان ماضيه أليم و حاضره نزاع والمستقبل لن يكون أفضل من الماضي والحاضر , والأفضل للكورد ان يكون دولة جارةً متآلفةً مع الأخوة العرب بدلاً من أن نكون شركاء متخاصمين. وليس من المنطق ان يمن احد على الكورد في هذا الحق وما يحصل عليه قريباً ليس إلا جزء من ما فقده في معاهدة لوزان, وليس هناك حاجة لكل هذا التقديس للخارطة السياسية ألعراقية فالعراق لم يكن موجودا قبل الحرب العالمية الأولى, فالمنطقة بأسرها كانت تحت حكم الامبراطورية العثمانية, وفي داخل هذه الامبراطورية كانت كوردستان منطقة معروفة والخرائط العثمانية شاهدة على ذلك, ولكن الاحتلال قسموا هذه المنطقة إبان الحرب العالمية الاولى وفقاً لمصالحهم وإستراتيجياتهم, و رسموا خارطة لهذه المنطقة من خلال إتفاقية سايكس بيكو ومن ثم معاهدة لوزان, فتشكلت الدولة العراقية والدول الاخرى و كان الكورد هو الخاسر الوحيد في هذه المنطقة و تقسمت أشلائه بين عدة دول. واليوم تلوح في الافق الدولة الكوردية بعد سنوات من النضال وإِن شجرة الحرية أثمرت بعد ان سقيت بالدماء لسنين عديدة, ونأمل أن نسمع في هذه ذكرى الأليمة ذكرى معاهدة لوزان, نبأ إعلان دولة كوردستان.
الولايات المتحدة الامريكية