عندما بدأت انتفاضة 15 آذار 2011 في مدينة درعا، وبعد أيام قليلة عمت هذه الانتفاضة العديد من المدن والبلدات في سوريا، وكان سرعة انتشارها يدل على مدى الكبت الذي يحمله جماهير الشعب السوري ضد نظام البعث وممارساته الدكتاتورية والقمعية، وعاملت أجهزة الأمن والمخابرات المواطنين بكل قسوة وعنجهية، وعندها سارع حزبنا إلى طرح مبادرات من شأنها تجنيب سوريا من أحداث قد تؤدي بالبلاد إلى التدمير وتحويل بلادنا إلى سوق لسماسرة السياسة وتجار وأمراء الحرب، وكان في مقدمة هذه المبادرات، الدعوة إلى مؤتمر وطني عام تحضره أوسع فئات الشعب من أحزاب، شخصيات، ورجال دين لمناقشة الأوضاع المستجدة والوصول إلى حلول سلمية تحمي بلادنا من الأزمات.
إلا أن مبادرات حزبنا لم تلق آذاناً صاغية، فكل طرف كان يعتقد بأنه خلال فترة قصيرة سيتمكن من كسر شوكة خصمه والقضاء عليه نهائياً وتحقيق آماله، لكن الأحداث جرت وسارت على غير ما كان يتوقعه كل طرف، فامتدت أيادي كثيرة إلى سوريا وتغلغلت في أحداثها، فألهبتها ودفعت بالأزمة إلى التعقيد أكثر. ثم حدث ما كنا نخشاه، وهو ان بعض الجماهير حملت السلاح واستخدمته في وجه السلطة، وحدث هذا لأسباب، هي:
1- إن قسماً من الجماهير رأت من حقها استخدام السلاح في وجه سلطة لا تتورع عن استخدامه، بدلاً من التعامل مع المظاهرات بأسلوب سلمي واللجوء إلى حوار لإيجاد مخرج لهذه الأزمة.
2- إن جهات إقليمية ودولية استغلت هذه الفرصة لتحرض على حمل السلاح في وجه السلطة، بغية دفع الأمور باتجاه استبعاد الحل السلمي.
3- إن بعض الجهات في الأمن والاستخبارات هي الأخرى لعبت دوراً مخزياً لدفع المتطرفين والعملاء وقصيري النظر إلى حمل السلاح في وجه السلطة، حتى يتسنى لها تحقيق مآربها في التعامل مع المتظاهرين بقسوة ووحشية.
وهكذا كان الأمر. فماذا حصد الشعب السوري من هذه الأحداث المأساوية؟
لقد قضى مئات الألوف نحبهم في هذه الحرب الأهلية، وتم تدمير عشرات الآلاف من المنازل والبيوت والمزارع، ودمرت مدن بكاملها مثل حمص، درعا، ادلب، جسر الشغور، كوباني، وجزء كبير من حلب ودمشق ودير الزور وغيرها… ولجأ ملايين السوريين إلى المخيمات ويعيش الباقي في فقر مدقع جراء هذه الحرب المجنونة. وبعد أربع سنوات يعود الجميع الى المربع الأول، وهو أن الحل السلمي وحده يمكن أن ينقذ سوريا ويوقف سفك الدماء ويحمي ما تبقى من منازل، وان انتصار أي طرف في هذه الحرب غير ممكن وغير قابل للتحقيق، لان الأيدي التي تعبث بالأحداث لا تريد لها التوقف والانتهاء.
وهنا نقول للأخوة هنا وهناك، أن نعود إلى الحل وتحقيق السلام في بلادنا، وان كان متأخراً، فهو أفضل من أن نستمر في سفك الدماء وفي تدمير ما تبقى من وطننا العزيز، والى تحقيق هذه الأمنية، أدعو كل وطني شريف أن يرفع صوته عالياً ويقول كفى موتاً لأبناء بلدنا، كفى تدميراً لمدننا وبلداتنا وقرانا، كفى جوعاً لأبناء شعبنا…
إن الحل السلمي الذي يدعو اليه الجميع لا يتحقق بسهولة ولا في وقت قصير، وإنما يجب التمهيد له بخطوات مخلصة وصادقة حتى تتهيأ الأرضية المناسبة للوصول إلى الحل السلمي الشامل،ونعتقد بأن ذلك يتحقق من خلال:
1-البدء بالوقف الفوري للقتال بين الحكومة وتوابعها، وبين الجيش الحر، وتوجيه فوهات بنادق الطرفين نحو محاربة الفصائل الإرهابية كداعش وأخواتها.
2- المبادرة دون قيد أو شرط، إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين ذاقوا الأمرين حسب المعلومات الواردة من هذه السجون، وأصبحوا رهينة هذه الحرب وضحاياها.
3- السماح لكافة المعارضين والمنشقين (مدنيين وعسكريين)، أن يعودوا إلى وطنهم دونما مساءلة أو تحقيق.
4- على المعارضة الوطنية أن تعلن من جهتها استعدادها للتفاوض مع السلطة دون شروط مسبقة،وان تبادر إلى تعيين وفد يقوم بهذه المهمة، وعلى النظام أن يستجيب لهذه المبادرة، والقبول هو الآخر بالبدء بالحوار معها على أساس جنيف1.
اننا بهذه الخطوات يمكننا ان نتخطى الحاجز النفسي الذي يحول بيننا، واننا يجب أن نعلم بان الحل بيدنا كسوريين، وان يقتصر دور الآخرين في مساعدتنا على إنجاز هذه المهمة الوطنية وتذليل العقبات أمام نجاحها.
نقول هذا الرأي ونحن نعلم جيداً بأن صوتنا خافت ودورنا في الأحداث متواضع، إلا أننا أقوياء جداً في موقفنا الوطني الصادق والبعيد عن المزاودات والإرهاب الفكري، وأننا نطرح ما يجول في خاطرنا وما نعتقد بأنه يخدم وطننا وشعبنا، ونعتقد أيضاً بأن ما طرحناه في السابق ونكرره اليوم، سيكون في نهاية المطاف المنفذ الوحيد إلى إيجاد حل للخروج بوطننا من هذه الأزمة القاتلة، وان الأفكار والخطوات التي نقترحها سيقوم عليها الحل السلمي، أن لم يكن اليوم فغداً..
السليمانية 12/8/2015
عبد الحميد درويش
سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا