قد لا يكون في التاريخ ولاسيما المعاصر منه، وضع أكثر صعوبة مما يواجه سوريا الدولة والسوريين كشعب. وهذه بين حقائق تحيط بالقضية السورية، يقرها معظم المراقبين للوضع السوري وتطوراته، التي توالت في السنوات الماضية، والاحتمالات التي تواجه الدولة والشعب في سوريا.
سوريا اليوم تغيرت. ففي الواقع لم يعد هناك سلطة واحدة في البلاد. هناك نظام الاسد الذي يسيطر على مساحة من البلاد، تتركز في دمشق والمنطقة الساحلية اضافة الى حمص وحماه وطرق توصل بينها، وفي الجنوب تسيطر قوات من الجيش السوري الحر في درعا والقنيطرة واجزاء من ريف دمشق، فيما السويداء موضع تنازع راهن بين الجيش الحر والنظام، وفي الشمال تسيطر تشكيلات من المعارضة المسلحة، تغلب عليها صفة التنظيمات الاسلامية المنضوي اغلبها في جيش الفتح، وفي جوارها وفي الامتداد نحو الشرق، تمتد منطقة واسعة في اعماق الرقة ودير الزور وريف حماه وحمص الشرقي، تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، فيما تسيطر على شمال شرق البلاد قوات الحماية الشعبية الكردية المتحالفة مع تشكيلات من الجيش الحر، وفي النتيجة، تتوزع سوريا تحت سلطة خمسة من الكيانات العسكرية، التي تحمل تمايزات سياسية فيما بينها.
ولا يتوزع السوريون على الكيانات الخمسة فقط، بل هناك أكثر من خمسة ملايين بصفة لاجئين ومقيمين موزعين على بلدان الجوار والابعد منها، وثمة ثلاث دول منها تضم كل واحدة مابين مليون ونصف ومليوني نسمة هي على التوالي تركيا ولبنان والاردن، الامر الذي يعني ان السوريين في واقعهم الراهن، لم يعودوا «شعباً»، ينتمي الى كيان اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي واحد.
وسط تلك اللوحة من الانقسام والتشظي للدولة والشعب السوري، يستمر الصراع المسلح، ليس على الجبهات، انما داخل الكيانات العسكرية السياسية ايضاً، الامر الذي يجعل واقع هذه الكيانات بين اخذ ورد، وقد يقود ذلك الى تمدد بعضها، وتراجع آخر على نحو مايحدث حالياً للنظام في الشمال والجنوب، ولـ«داعش» في محافظة الرقة، وهذا واقع سوف يستمر، مالم يحدث تطور دراماتيكي، يأخذ البلاد الى حالة مختلفة، تضعها وتضع السوريين الى خيارات مستقبلية أخرى.
والخيارات المستقبلية في سوريا، تبدو شديدة التعقيد نتيجة عوامل اربعة، اولها الانقسام السياسي والميداني الذي يكرسه الواقع الحالي، والثاني ضعف المعارضة والنخبة السورية واستمرار انقسامها، والثالث تواصل التدخلات الاقليمية والدولية في الشؤون السورية، والرابع غياب اي مشروع دولي لمعالجة القضية السورية، يضع حداً لتداعياتها الداخلية والخارجية، ويأخذ سوريا الى التغيير.
اول الخيارات المحتملة، هو استمرار الوضع الحالي مع تداعياته، وهو المرشح الاكثر احتمالاً والاسوأ، ليس فقط بسبب بفعل ماهو قائم فقط، انما بسبب اصرار نظام الاسد على موقفه في الحل العسكري الامني، وفي زيادة حدة تدخل ايران وادواتها ولاسيما حزب الله في الصراع السوري، وهو ماتم التعبير عنه في تصريحات لمسؤولين ايرانيين وزعيم حزب الله، وقيامهم بدفع قوات جديدة الى سوريا منها دخول سبعة آلاف ايراني الى دمشق، ودفع حزب الله بقوات جديدة الى القلمون.
الخيار الثاني، هو تغيير الوقائع الميدانية والسياسية في سوريا بالخروج من حالة الانقسام في صفوف المعارضة واعادة تجميعها على برنامج تغيير سوري عبر محاربة التطرف والارهاب المتمثل بالنظام و»داعش» في آن معاً، وثمة انجازات عملية تواصلت في الاشهر القليلة الماضية، تدعم هذا الخيار سواء في حرب الشمال من جانب جيش الفتح والجيش الحر في الجنوب ضد النظام أو من جانب قوات الحماية الشعبية والجيش الحر في الرقة، او تشكيلات جيش الفتح والجيش الحر في ريف حلب والقلمون ضد «داعش». وقد ترافقت التطورات الميدانية على الارض مع حراك في المعارضة لاقامة توافقات سياسية على نحو ما حصل في مؤتمر القاهرة حول الحل السياسي، وسعي مكونات سياسية وعسكرية لادخال روح جديدة في التشكيلات السياسية للمعارضة، تعمل على تقاربها واقامة مستوى اعلى من التنسيق فيما بينها، ان لم يكن توحيدها ودمجها في وعاء واحد وفاعل، وتناغم مسار التطورات الميدانية مع التطورات السياسية، يمكن ان يقلب الموازين العسكرية والسياسية القائمة في البلاد، ويدفع الى تغيير بالتوافق بين السياسي والعسكري، اذا توفر له دعم اقليمي ودولي محدود، لكن الاخير غير متوفر حالياً.
الخيار الثالث، يكمن في الانتقال الى عملية سياسية للقضية السورية عبر جنيف جديد، تنهض بالدعوة اليه القوى الدولية آخذة في الاعتبار الوضع القائم، والتقدم في ثلاثة مسارات متزامنة، اولها الضغط على النظام وحلفائه للدخول في مفاوضات، تقوم على مرجعية جنيف وبخاصة تشكيل هيئة حكم انتقالية، والمسار الثاني استمرار وتصعيد الحرب على «داعش» واخواتها باتجاه تصفيتها، والثالث الضغط على قوى المعارضة بكل تشكيلاتها السياسية والعسكرية وضمنها التشكيلات الكردية والتشكيلات الاسلامية للتوافق على الحل السياسي استناداً الى المرجعية الدولية، التي رسمها بيان جنيف1 وما تبعه، وقد تكون خريطة طريق الحل السياسي لمؤتمر القاهرة مدخلاً في التوافق المطلوب.
خلاصة الامر في الوضع السوري الحالي، انه وفي ظل احتمال استمراره، انما يعني استمرار الجحيم السوري، وتفاقمه دفعاً باتجاه صوملة سوريا. والبديل هو التغيير سواء كان عبر تغيير الوقائع العسكرية والسياسية في موازين القوى، التي ستقود الى تغيير النظام في سوريا، او من خلال حل سياسي يقدمه المجتمع الدولي، ويعمل بكامل طاقته لتنفيذه، وهذا وحده يشكل بداية طريق للخروج من الجحيم السوري.