فارس عثمان: تركيا بين إقليمين كرديين

Share Button

بات الإقليم ” الفيدرالية ، الكيان ” الكردي في المناطق الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، على الحدود faris osman 2016التركية يشكل هاجسا للسلطات التركية حتى أخذت ترهن علاقاتها مع الدول الإقليمية والدولية بالموقف من الكرد والقضية الكردية في سوريا، الذي قال عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة بأن تركيا ترفض قيام ” كيان أو جيب ” كردي في شمال سوريا، على غرار إقليم كردستان العراق (( هو يقول عن إقليم كردستان باستمرار شمال العراق.)). أي ان رفضه للواقع الكردي في سوريا ينعكس كذلك على الواقع الكردي في كردستان العراق.
ومن هنا جاء تصريح أردوغان الانفعالي الذي دعا فيه الولايات المتحدة الامريكية: إلى أن تختار إما الوقوف معنا ” أي تركيا ” أو الكرد، والذي صحح من قبل وسائل الإعلام التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية فيما بعد بأن أردوغان قصد بأن على ” أمريكا أن تختار بين تركيا و(( إرهابيي كوباني )) بالإشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات الحماية الشعبية ” YPJ-YPG “، في محاولة للإيحاء بأن خلافه مع حزب الاتحاد الديمقراطي فقط، وليس مع الشعب الكردي في سوريا.
لذلك فإن توسع قوات الحماية الشعبية سواء أكان ذلك في شرق نهر الفرات أو في غرب الفرات، هي حجة وذريعة فقط لاستهداف الكرد، فرئيس الوزراء التركي الأسبق بولند أجاويد صرح لوسائل الإعلام التركية (( أن تركيا سترفض حصول الكرد على حقوقهم ولو في موزمبيق.)). فالعقلية السياسية التركية لم تتغير منذ انقلاب حزب الاتحاد والترقي التركي عام 1908 الذي سعى لإنشاء دولة قومية تركية صرفة على تركة الدولة العثمانية، من خلال صهر القوميات غير التركية، وإذا تعذر صهرهم اللجوء إلى الإبادة الجماعية والتهجير القسري كما جرى بحق الأرمن والكرد والآشوريين والسريان. ويذكر الأمير جلادت بدرخان الذي كان يشارك في بداية الحرب العالمية الأولى في الجيش العثماني برتبة ضابط في منطقة أذربيجان مع الطابور العسكري الذي كان يقوده أنور باشا أحد مجرمي مجزرة الإبادة الأرمنية، وفي إشارة واضحة إلى أن الأتراك كانوا يخططون لمجزرة مماثلة للكرد شبيهة بالمجازر التي نفذت بحق الأرمن التي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف أرمني، بعد الانتهاء من جريمتهم الأولى فيقول الأمير جلادت: (( كنت في تلك الآونة في مدينة باكو مع طابور أنور باشا في الجبهة، وكنت قومنداناً نجتمع على الأكل 30 أو 40 ضابطاً تركياً ، ويدور الحديث بينهم على الشكل التالي :
قضينا في طريقنا إلى هنا على الـ ( زو ZO) ، وسيكون الدور على الـ ( لو LO ). متى العودة ؟. كان ذلك يتردد على أسماعي مرات يومياً ، وكانوا يقصدون بالـ ( زو ) الأرمن ، وبالـ ( لو ) الأكراد. )) .
وسعت تركيا إلى استغلال ثورات (( الربيع العربي )) بدعم التيارات الإسلامية بالمال وفيما بعد بالسلاح، وازداد هذا الدور وضوحا في الثورة السورية بتأييد واحتضان المعارضة السياسية والمسلحة وفرض شروطها وأجنداتها على كافة قوى المعارضة التي استقرت فيها، ووضعت أكثر من خط أحمر امام النظام ولكنها لم تدافع عن اي خط من خطوها، وكان هدفها ولا زال منع الكرد من أي تحقيق أي مكسب من هذه الثورة، لذلك بدا التناقض واضحا في مواقفها منذ بداية الثورة فهي مع مطالب الشعب السوري – باستثناء الكرد – ولا سيما بعد أن وجدت ان الحركة السياسية الكردية في سوريا تحقق مكاسب ملموسة على الأرض، وخاصة بعد أن تمكنت وحدات الحماية الشعبية “YPG” من حماية المناطق الكردية في الجزيرة وكوباني وعفرين – فلجأت إلى الرفض العلني للحالة والواقع الكردي الجديد، وقامت بفرض حصار اقتصادي خانق على المناطق الكرديةـ بإغلاق المعابر وتشديد الرقابة على الحدود بذريعة أن حزب الاتحاد الديمقراطي (( رديف لحزب العمال الكردستاني )) يسيطر على المناطق الكردية.
لذلك غطى أردوغان بشدة الهجمة الإرهابية لتنظيم داعش الإرهابي على كوباني بمواقف سياسية، وبفتح حدود تركيا للمقاتلين والإرهابيين الأجانب، والسماح بفتح معسكرات للتدريب على أراضيها (( أكثر من 20 ألف ))، ومن ثم دفعهم للانضمام الى تنظيم ” داعش ” و” جبهة النصرة ” وبقية الفصائل الإرهابية في كافة المناطق السوية وخاصة الكردية منها، وتوجيهها بمهاجمة الكرد والمناطق الكردية، وما يحصل في الشيخ مقصود مؤخرا خير دليل على ذلك، فمعظم المجموعات الإرهابية هي التي تدعمها تركيا ” جبهة النصرة, احرار الشام، كتائب السلطان مراد, لواء السلطان محمد فاتح، تجمع فاستقم كما امرت … “.
وقد أدى الانتصار الكردي التاريخي في كوباني نتيجة التعاون بين وحدات حماية الشعب YPG والبيشمركة وبالتعاون مع قوات التحالف الدولي إلى إصابة سياسة أردوغان والحكومة التركية في الصميم، خاصة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا الذي عقد المشهد السياسي والعسكري، وقيام روسيا بدعم وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية. وجاء الرد الامريكي الحاسم والصادم للسلطات التركية بأنها لا تعتبر وحدات حماية الشعب ” قوات إرهابية ” ليزيد الخيبة والإحباط التركي من الاستجابة لمطالبها بالتدخل العسكري البري في سوريا من أجل استهداف الكرد.
وإذا كان إقليم كردستان العراق – الذي ترفضه تركيا – قد تحول إلى واقع تضطر تركيا للتعامل معه، لأنه بوابتها للعالم، ونتيجة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، إلا الإقليم أو الإدارة الكردية في كردستان سوريا، بات العدو الرئيس للحكومة التركية، ولحماية هذه الإدارة التي يرفضها أردوغان وحكومته، ورغم أنها وفرت الأمان لسكانها بدماء وتضحيات آلاف الشهداء، إلا انها وبشكلها الحالي لا تمثل طموح وآمال ولا حقوق الشعب الكردي في سوريا، لا بصيغتها المعلنة ” الإدارة الذاتية والفيدرالية ” ولا بإداراتها المختلفة، فهي خلال ثلاث سنوات من عمرها لم تتمكن من توفير مستلزمات العيش الكريم لمواطنيها – ورغم انتقادنا وملاحظاتنا وتحفظاتنا على قراراتها وسياستها – إلا أن التطورات الهامة في سوريا وخاصة بعد إعلان وقف إطلاق النار من الجانبين الروسي والأمريكي، واستئناف مفاوضات جنيف3 ، وعدم تضمين الرؤيتين رؤية النظام والمعارضة اي إشارة للكرد والقضية الكردية في سوريا، هذه النقاط تدفع الكرد والحركة السياسية الكردية وبمختلف تياراتها واطرها ومحاورها لتتجاوز خلافاتها الحزبية والسياسية – ربما لا توجد خلافات سياسية حادة بينها -، ومراجعة المواقف السابقة، والارتفاع عن الخلافات والمصالح الحزبية الضيقة، بالاتفاق بين المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي” TEV-DEM” والقوى السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني بالبحث عن صيغة وآلية لتطوير عمل هذه الإدارة لتتحول إلى إدارة كردية تلبي آمال الكرد، والاتفاق على مواقف سياسية واضحة تجسد مطالب وحقوق الشعب في الكردي، والتركيز في خطابها السياسي الموجه للآخر سواء أكان في سوريا، أو خارجها على حقوق الإنسان، والقيم والمفاهيم الديمقراطية.
والأهم اتفاق كافة القوى السياسية والفعاليات الثقافية والاجتماعية على تشكيل وفد كردي مشترك للمشاركة في جنيف بوفد كردي مستقل بموقف ومطالب محددة ترتقي لتضحيات وآمال الشعب الكردي، حيث لا تستطيع تركيا ولا النظام ولا المجتمع الدولي رفض المشاركة الكردية في جنيف.
المرحلة حساسة وخطيرة وهناك منعطفات هامة تحدد مصير المناطق والمكونات السورية، ومن بينها كردستان سورية والمكون الكردي الذي ينتظر من نهاية هذه الأزمة تحقيق أهدافه ناضل من أجل تحقيقها لأكثر من نصف قرن.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...