خلال مؤتمر صحفي عقد في مدينة القامشلي بتاريخ (4/4/2020)، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية، عن تشكيل لجنة لمتابعة ملف المعتقلين والمختطفين في سوريا، أكدت خلاله السيدة إلهام أحمد ( رئيسة الهيئة التنفيذية للمجلس)، بأن هذا القرار يأتي تلبية لنداء السيد أنطونيو غوتيريس (الأمين العام للأمم المتحدة)، والسيد غير بيدرسون (المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا)، بالإفراج عن المعتقلين، خوفا على حياتهم من الانتشار السريع لفيروس كورونا، وأيضاً تعزيزاً لوقف إطلاق النار في سوريا، وقالت أيضاً بأن اللجنة جاءت متأخرة ومهمتها البحث في وضع كافة المعتقلين والمختطفين دون استثناء لدى جميع الأطراف في سوريا، وفي سجون الادارة الذاتية أيضاً.
أجل، وكما تفضلت السيدة إلهام أحمد، فقد جاءت هذه المبادرة متأخرة، ومتأخرة جداً، إذ جفت عيون ذوي المعتقلين والمخطوفين طوال هذه السنوات من عمر الأزمة السورية، وهم يذرفون دماً بانتظار عودتهم، وإن أطفالهم كبروا بغيابهم داخل دوامة خانقة من الجوع والجهل والتهجير، وفي ظل ظروف قاسية أفرزتها حرب مجنونة أُشْعِلَتْ نيرانها من خارج الحدود، كل ذلك ليس لذنب ارتكبه هؤلاء المفقودون سوى أنهم وجدوا أنفسهم بوعي أو بدونه بين الحشود المنادية بحياة حرة وعيش كريم، ولهذا فإن البحث عنهم والكشف عن مصيرهم لم يعد واجباً أخلاقياً فقط، وإنما مسؤولية تاريخية لأن نقوم بها اليوم متأخرين وبأي دافع كان، خير من أن لانقوم بها أبداً.
حقيقة أن مناسبة هذه الكلمات هو الجرح الذي لايندمل، والذي ظل يوخزنا في ضمائرنا جميعاً، إنه راج آل تمر مصطفى الذي اختطف في زورافا بدمشق بتاريخ (3/10/2012)، وهو بالنسبة لنا عنوان لجميع أقرانه وأمثاله من دون استثناء، الذين اختطفوا من دون وجه حق من قبل جميع الأطراف المعنية بهذا الصراع، وسلسلتهم تطول وتطول، الذين غيبوا بأساليب ترفضها العهود والشرائع والمواثيق الدينية والدنيوية، كما إن هذه الكلمات هي أيضاً استجابة أخلاقية لنداء الإستغاثة التي أطلقها والد المفقود (دلير محمد صديق ملا/ مواليد 1997)، الذي خرج من مكان إقامته بمدينة ديريك بتاريخ (19/8/2014)، ولم يعد حتى اللحظة، وهو الذي يشكل هو الآخر عنواناً للشباب القاصرين الذين فقدوا بكل تلاوينهم وأسمائهم وانتماءاتهم الدينية والقومية والحزبية..
صحيح إن انتشار (كورونا)، هذا الوباء الفيروسي الخطير، ليس فقط يهدد حياة هؤلاء المغيبين ظلماً وهم داخل سجونهم ومعتقلاتهم فقط، وإنما يهدد أيضاً الأحرار من عائلاتهم ومجتمعاتهم وشعوبهم، كما لا يهدد السجناء فقط وإنما سجانيهم أيضاً، إنها لحظة للتصالح مع الذات، لحظة يقظة الضمير الذي لايزال فيه نبض من الحياة، والمبادرة من دون تأخير إلى الكشف عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين والمغيبين من دون أثر، وخاصة أولئك الذين تتحمل الإدارة الذاتية مسؤولية غيابهم من دون استثناء.
وفي هذا الإطار لابدّ من الترحيب بهذه المبادرة التي أطلقها (مجلس سورية الديمقراطية)، مجرداً من أيّ شرح أو توصيف لايفيد سوى في هدر المزيد من الوقت، ولابدّ من تشجيعها بغض النظر عن جوانب الخلل والقصور التي سوف لن يخل منها اليوم وغداً أيضاً، ولنعمل معاً من أجل إشعال شمعة في غياهب هذه السجون التي غيبت الكثير من المناضلين الذين كانت الحرية تليق بهم، وابتلعت قوافل طويلة من الأبرياء والمظلومين في داخل أحشائها، بدلاً من أن نظل نلعن الظلام في انتظار أن يقضي علينا جميعاً وباء (كورنا)، ووباء هذه الحرب المجنونة التي شارف عمرها على عقد من الزمن.
السليمانية 6/4/2020