علي شمدين: ألم يحن الوقت كي نراهن على قوتنا الذاتية؟

Share Button

بتاريخ (7/3/2012)، استضاف الأستاذ عبد الحميد درويش (سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، وبحضورنا أيضاً، أحد كبار المسؤولين الأمريكيين عن شؤون الشرق الأوسط، وأثناء وخلال انتقاده للموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية قال بأن موقف الرئيس باراك أوباما أشبه بموقف الأرملة التي تعتزل الأفراح تجنباً للغط الناس، وتحجم كذلك عن الاتراح بحجة إنها امرأة أرملة ليست بيدها حيلة، حينها تردد المترجم في نقل حديثه كاملاً، إلاّ أنه ألح عليه بترجمة كلامه كما هو، ففعل المترجم وحينها لم يعلق ضيفه الأمريكي على موقفه سوى بابتسامة عريضة.

ومناسبة هذا الحديث هو التأكيد على إن موقف الأستاذ حميد حين ذاك كان بمثابة تنبؤ بما يصرح به اليوم السفير الأمريكي السابق في دمشق (روبرت فورد)، في لقاء أجراه معه إبراهيم حميدي ونشرته جريدة (الشرق الأوسط) في عددها (14083)، بتاريخ (19/6/2017)، هذا السفير الذي كانت نصائحه وآرائه ذات يوم ملزمة وغير قابلة للنقاش بالنسبة للبعض من المعارضة عموماً والكردية منها خاصة، فها هو السيد فورد اليوم وبعد أكثر من ست سنوات من القتل والتشريد والدمار الذي لحق بالبلاد والعباد، يدين علناً مواقف حكومته تجاه مجريات الأحداث التي بدأت في سوريا منذ عام 2011، هذه التصريحات التي يقرأها البعض بوعي أو بدونه بأنها مفاجأة أشبه بتفجير قنبلة.

فهو يقول بأنه لم يزور حماة في حزيران 2011، إلاّ لمعرفة: من بدأ بالعنف، ويقرّ بأن زيارته تلك وفرت للحكومة ذريعة لربط الثورة بمؤامرة خارجية، وأعطت للسوريين أملاً زائفاً، وبأن خطأه السياسي الأكبر الذي ارتكبه هو اعتقاده بأن النظام سيقبل التفاوض حول نهايته.. وبأن واشنطن قبلت ببقاء الأسد منذ 2013 على عكس تصريحاتها بضرورة رحيله، وقال بأن إدارة ترمب لها أولويتين: محاربة (داعش) وتقليص نفوذ إيران.. ويقول بأن اللعبة انتهت وبأن أوباما لم يترك لإدارة ترمب الكثير من الخيارات لتحقيق هدفها.

وفي الجانب الكردي يعلن فورد من دون لف أو دوران بأن الأميركيين سوف لن يدافعوا عن الكرد ضد قوات الأسد، وإنما فقط سيستخدمونهم لتحرير الرقة من (داعش)، وبأن ما يقومون به مع الأكراد ليس فقط غباء سياسي، وإنما هو غير أخلاقي، ويصرح بأن مسؤولين أميركيين قالوا له بأن الأكراد السوريين يقومون بأكبر خطأ لدى ثقتهم بالأميركيين.

ومما يزيد من جدية هذه التصريحات وضرورة أخذها كما هي، هو الموقف الفرنسي الأخير الذي صرح به الرئيس (ايمانويل ماكرون) في هذا الاتجاه تماماً خلال مقابلة له مع عدد من الصحف الأوروبية، بأنه لا يرى أي بديل شرعي للرئيس السوري بشار الأسد، وبأن فرنسا لم تعد تعتبر رحيل الأسد شرطاً مسبقاً لحل الصراع المستمر منذ ست سنوات، مضيفاً بأن الأسد عدو للشعب السوري لكنه ليس عدواً لفرنسا وأن أولوية باريس هي الالتزام التام لمحاربة الجماعات الإرهابية.. هذا فضلاً عن التغيير الجذري في موقف النظام التركي من تطور الأحداث في سوريا، والذي ليس فقط لم يعد يطالب بإسقاط النظام وإنما يقوم علناً بالتنسيق معه والمساومة على مستقبل المعارضة كما حدث في حلب.

الحقيقة إن هذه المواقف التي جاءت متأخرة جداً، لاتعكس فقط فشل سياسة هذه الدول تجاه قضية الشعب السوري، وهي التي لا تهمها المبادئ بقدر ما تهمها مصالحها، وإنما تعبر ايضاً عن الفشل الذريع للمعارضة السورية وإخفاقها في قراءة هذه المواقف قراءة صحيحة في حينها، بعد أن اختطفتها الاتجاهات الاسلامية المتطرفة والعروبية الشوفينية المتزمتة.

كما لايخفى بأن هذا المستوى الخطير الذي بلغته قضية شعبنا من التشويه والطمس والانكار في هذه الظروف التاريخية، يتحمل مسؤوليته أطراف الحركة الكردية في سوريا بتشتتها المفرط وخلافاتها العميقة وخاصة بين ( (ENKSو (TEVDEM)، والمذهل حقاً في هذا الصراع العقيم هو أن كلاً منهما ما زال يراهن في تصفيته للآخر على العصا السحرية التي تلوح بها أمريكا بين الحين والآخر هنا وهناك وفقاً لأجنداتها، ويجزم كل منهما بأن أمريكا ستكون آجلاً أم عاجلاً في صفه ضد الطرف الآخر، خاصة بعد دعمها لتمثيل الطرف الأول سياسياً ضمن وفد هيئة التفاوض في جنيف وبمباركة صريحة من تركيا، واعتماد الطرف الآخر عسكرياً كقوة مقاتلة رئيسية معتمدة من قبلها في معركة تحرير الرقة، وهذه المراهنة المفرطة التي يؤكد فورد بأنها ستكون خاسرة قطعاً، سوف تدفع أطراف الصراع في الساحة الكردية إن عاجلاً أم آجلاً إلى الندم ولكن بعد فوات الأوان، ولهذا فلا خيار في هذا المجال أمام الجميع سوى الاستماع ولو للحظات لصوت الضمير والاستجابة لمسؤولياتهم التاريخية تجاه قضية شعبهم الذي يواجه وجوده اليوم كارثة ديموغرافية قومية ناهيك عن الكارثة الانسانية التي حلت به جراء هذه القراءات غير الواقعية، والإسراع معاً في إعادة تقييم الأحداث وسياسات الدول الفاعلة في الأزمة السورية من جديد وبطريقة صحيحة وفقاً لمصالح شعبنا وحقوقه القومية، والتوصل معاً إلى القواسم السياسية المشتركة بين الأطراف الكردية الرئيسية في سوريا وبناء مركز قرارها القومي، وعدم التكبر في العودة إلى نقطة الصفر لإجراء مراجعة عاجلة ومسؤولة للظروف والعوامل التي دفعت حركتنا السياسية نحو هذا الانقسام العميق، وجعلتها تراهن في خلاصها إلى هذا الحد المطلق على أمريكا التي باعت ثورة المرحوم مصطفى برزاني دون خجل أو وجل.

نقلا عن موقع روداو

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...