علي العبد الله: سوريا تحت الاحتلالات

Share Button

انتشر اطلاق وصف احتلالات على الوضع الراهن في سوريا في ضوء حجم الانخراط الخارجي في الصراع بين الثورة والنظام 167 - علي العبد اللهالاستبدادي وعمق هذا الانخراط ومخاطره، والذي تطور من الدعم السياسي والمالي والعسكري الى الحضور المباشر ان عبر مستشارين تقنيين او عسكريين او مقاتلين من قوات حزبية او رسمية. وهو وصف ينطوي على كثير من الصدقية وان كان لا يستغرق كل الحالات المنخرطة في الصراع. نحن امام طيف واسع من الدول والقوى المنظمة/الميليشيات التي انخرطت في الصراع الى جانب النظام او الى جانب المعارضة، او ضد النظام والمعارضة معا،على خلفية تعارض الخيارات والاهداف السياسية والاجتماعية. فالنظام الذي اطلق العنان لآلته الحربية منذ اليوم الاول لانطلاق الاحتجاجات الشعبية لم يُحسن تقدير المزاج الشعبي وعمق الانفصال النفسي والوجداني عنه والمدى الذي يمكن ان تذهب فيه هبة المواطنين ضد الظلم والقهر والاذلال وتحمّل كل تبعات المواجهة البشرية والمادية للتحرر من نظامه والولوج الى حياة حرة وكريمة في ظل نظام عادل، لم يجد من مخرج امام الانتشار الواسع للاحتجاجات وفشل آلته الحربية في احتوائها والسيطرة على التطورات المتسارعة الا الاستنجاد بالخارج لتعويض خسائره المادية:السلاح والذخيرة، واستجلاب الخبرات في مجال الانترنت، لمراقبة اتصالات الناشطين، والطائرات دون طيار لمراقبة ساحات القتال وتوجيه القصف، قبل بدء المقاتلين من الشيعة العراقيين بالتدفق بذريعة حماية المقامات المقدسة في دمشق. ولما لم يجد الدعم العسكري والبشري المحدود في تعديل ميزان القوى على الارض وكادت قواته تنهار امام هجمات الثوار دخل حزب الله اللبناني عبر ارسال آلاف المقاتلين من قوات النخبة جيدة التدريب، وخاصة على حرب العصابات، وكثفت ايران ارسال المقاتلين من الميليشيات الشيعية العراقية. غير ان اتساع ساحات المواجهة والزخم الشعبي المتصاعد دفع النظام الى طلب المزيد من الدعم البشري فالقت ايران بثقلها وراء هذا الطلب وبدأت بتجنيد الشيعة من العراق الى افغانستان وباكستان مرورا باليمن باغرائهم بالرواتب العالية وتقديم الوعود بحياة رغيدة في سوريا عبر تجنسيهم وتمكينهم ماديا. وقد اضطر قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الى النزول الى ميدان المعركة في الجنوب السوري والزج بقوات من الحرس الثوري الايراني، حشد آلآف المقاتلين من الحرس الثوري في السويداء وفق ما جاء في تصريح الاستاذ وليد جنبلاط، لمواجهة قوات الثوار ومنعها من التقدم شمالا والالتحام بالثوار في الغوطة الشرقية ومحاصرة العاصمة دمشق. وهذا ادى الى تغلغل ايران في البنى السياسية والعسكرية ولعب دور رئيس في صنع القرار فيهما. لم تكن روسيا خارج العملية حيث تحولت ليس كمصدر شبه يومي للاسلحة والذخيرة فقط بل وكمصدر للنقد الاجنبي الذي يساعد النظام على تمويل حربه المجنونة ضد الثوار والانتقام من الشعب الذي ايد الثورة واحتضن الثوار، وقد تصاعد انخراطها في الصراع الى حدود خطيرة بارسال طيارين لسد حاجة النظام لقيادة الطائرات التي تقصف المدن والبلدات والقرى “لانه لا يثق في كثير من طياريه الذين ينتمون الى الطائفة السنية”، وفق تقرير لمجلة الايكونومست البريطانية الصادرة يوم 4/4/2015، دون ان ننسى دورها السياسي وحماية النظام من العقوبات في مجلس الامن باستخدام الفيتو اربع مرات، ناهيك عن سعيها لضرب المعارضة وتعميق خلافاتها عبر رعاية مفاوضات عبثية بين بعض المعارضة والنظام فيما سمى بـ “منتدى موسكو”، ما منحها فرصة التحول الى المحاور الرئيس مع المجتمع الدولي حول الملف السوري وتوظيف ذلك لخدمة مصالحها في ملفات اخرى. على صعيد متصل تدفق الى ساحة الصراع آلآف المقاتلين المنتمين الى حركات السلفية “الجهادية” جاءوا من اكثر من مائة دولة بخلفياتهم العقائدية ومشاريعهم السياسية وأسسوا تشكيلاتهم المسلحة الخاصة وبدأوا في فرض حضورهم في القتال ونجحوا في السيطرة على الارض والهيمنة على السكان عبر فرض فهمهم للاسلام ومعاقبة الرافض او المراوغ باقسى العقوبات حيث قتل المواطنون لابسط الاخطاء وقطعت ايادي بتهمة السرقة ورجمت نساء بدعوى ممارسة الزنا، قبل ان يعلن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، الذي تشكل قبل ذلك في العراق، مشروعه الخاص عبر اضافة الشام الى تسميته ليصبح تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش) ويبدأ في بسط نفوذه على الاراضي ويوجه جل جهده القتالي الى محاربة قوات المعارضة على خلفية “اولوية قتال المرتدين على الكفار”. وقد نجح في استقطاب المقاتلين الاجانب وعزّز مكانته بشن عملية عسكرية كبيرة في سوريا سيطر فيها على مساحات شاسعة في محافظات الرقة وديرالزور والحسكة وأطلق معركته في غرب العراق وبسط سيطرته على اجزاء كبيرة من محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وازال الحدود بين سوريا والعراق واعلن اقامة دولة الخلافة على هذه الاراضي. شكل الحضور الاجنبي المتعدد والمتباين في الساحة السورية، الذي انخرط في القتال الى جانب النظام او الى جانب المعارضة، ناهيك عن مشروع الخلافة الذي اعلنه تنظيم داعش، واحتمال اعلان جبهة النصرة لاهل الشام امارة لها على اجزاء من الارض السورية، في تعارض شامل مع خيارات النظام والمعارضة، شكل احتلالا كامل الملامح والاوصاف ليس لكونه عنصرا غريبا وحسب بل لكونه صاحب مشروع سياسي يعمل على تسويقه تحت عناوين وشعارات متعددة ومتعارضة من “حماية محور الممانعة والمقاومة” الذي ترفعه ايران وحزب الله اللبناني، الى التمسك بالقانون الدولي ورفض اسقاط السلطة الشرعية بالقوة والدعم الخارجي الذي ترفعه روسيا، مرورا باقامة الخلافة الاسلامية وتطبيق شرع الله الذي يرفعه تنظيم داعش، وسعي كل منها الى فرض مشروعه على السوريين قسرا وبالقوة المجردة والبطش الوحشي، وقد زاد في كارثية هذه الاحتلالات ما اثارته من توتر اجتماعي ومن اصطفافات مذهبية انعكست سلبا على تماسك المجتمع السوري ووحدته الداخلية وخاصة مع سعي النظام وحلفائه الى تغيير التركيبة المذهبية لبعض المدن الرئيسة، وضرب الثورة التي أطلقها السوريون من اجل التحرر والخلاص من الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة باقامة دولة ديمقراطية، دولة مواطنة وحريات عامة وخاصة، دولة مساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق او الجنس او الدين او المذهب، دولة عدالة اجتماعية وتوزيع الاستثمارات بين المناطق دون تمييز مناطقي، وتطوير البنى التحية والخدمات التعليمية والصحية وماء الشفه والكهرباء والاتصالات على امتداد الارض السورية، وتحقيق تنمية مستدامة بشكل يحقق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية ويزيد فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين مع عدالة في توزيع الخيرات.

نقلا عن موقع المدن

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...