أبلغت الخارجية المصرية هيئة التنسيق الوطنية السورية أن مشاركتها في الحوار مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي سيتم برعاية بلجيكية فرنسية في بروكسل، يضعها خارج اتفاق القاهرة وخارج لجانه وفعالياته القادمة. لم وماذا يريد النظام المصري من ذلك؟. بقي موقف النظام المصري من الملف السوري ملتبسا، فقد ظل يتحدث عن تخوفه على الدولة السورية ووحدة أراضيها ومستقبلها وارتباط ذلك بالأمن القومي المصري، ويدعو إلى حل سياسي ينهي الصراع ويحافظ على مؤسسات الدولة ووحدة شعبها وأرضها، دون التطرق إلى مصير رأس النظام تارة، وبالحديث عن تحقيق تطلعات الشعب السوري ومطالبه، دون تحديد لهذه المطالب، تارة أخرى. يلمح إلى بيان جنيف تارة والى تجاوزه تارة أخرى والبدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشترك المعارضة فيها دون تحديد صلاحياتها وموقعها من المرحلة الانتقالية ومدى ارتباطها ببند تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات التي طرحها بيان جنيف. قبل أن يتجه لرعاية حوار بين أطراف في المعارضة ويعمل على الدفع بها كي تتصدر حركة المعارضة وتتجاوز الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. خلال رعاية وزارة خارجيته للقاء القاهرة الأول(22-23/1/2015)حاولت تورية هدفها بالحديث عن دور محدود: استضافة اللقاء والاكتفاء بدور المراقب والتدخل لحل الإشكالات التي قد تظهر خلال اللقاء، وأعتمت صيغة دعوات شخصية، بذريعة تجاوز نقطة خلافية حول شرعية تمثيل الشعب السوري التي يتمسك بها “الائتلاف” ولا تقره عليها المعارضات الأخرى، قبل أن تفاجئ الجميع برفض مشاركة مندوبين عن “الائتلاف” ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، الأولى على خلفية اعتبار النظام “الجماعة” حركة إرهابية، والثاني على خلفية إدانته للانقلاب الذي وقع في مصر ودعوته إلى عودة الشرعية واحترام إرادة المواطنين، ناهيك عن عدم السماح بدخول نائب رئيس الائتلاف إلى مصر رغم وصوله إلى مطار القاهرة وإعادته على نفس الطائرة. في لقاء القاهرة الثاني(6/5/2015) وضع الملف تحت إشراف المخابرات المصرية، سيئة الصيت، التي قامت بتوجيه الدعوات وسعت إلى فرص أشخاص بعينهم كي تضم توجيه الحوار الجهة التي تخدم تصوراتها وأهدافها، حيث كان في تصورها إعلان جسم سياسي جديد والعمل على تسويقه كبديل للائتلاف لولا تدخل السعودية وإيفادها وزير الخارجية عادل جبير إلى القاهرة لهذا الغرض. واتخذ مواقفا ضد ” الائتلاف” بدءا من تجاهل قرارات الجامعة العربية التي اعتبرته ممثلا للشعب السوري بعدم دعوته إلى القمة العربية التي عقدت في شرم الشيخ، ومنعه عقد مؤتمر صحفي للأخير أراد منه توضيح موقفه مما حصل في القمة. ينظر النظام المصري إلى الملف السوري من زاوية كونه نظاما عسكريا تسلطيا لا يتقبل قيام ثورات تطالب بالحرية والديمقراطية من جهة، وصراعه مع جماعة الإخوان المسلمين من جهة ثانية وتطلعاته الإقليمية لإضعاف تركيا وقطر، الداعمتين للإخوان المسلمين، ومحاصرتهما من جهة ثالثة، وهذا دفعه إلى الاصطفاف إلى جانب روسيا وإيران والنظام السوري، على خلفية تقاطع المصالح، وجعله ينظر إلى الملفات العربية والإقليمية والدولية من هذا الموقع. فقد نسق مع روسيا في السعي إلى إعادة صياغة تشكيلات المعارضة وموقفها من الحل السياسي بحيث يصب في خدمة تصورهما المشترك المرتكز إلى إعادة تأهيل النظام وتشكيل حكومة “وحدة وطنية” بمشاركة أطراف من المعارضة تقبل بذلك واحتفاظ رأس بمنصبه ودوره، وانفتح على إيران، كان لافتا موقفه من الاتفاق النووي، المختلف عن موقف دول الخليج التي تمده بأسباب الحياة، حيث أيده دون تحفظ، وقبلها كان تأييده لعاصفة الحزم فاترا، وسعى إلى عقد اتفاق لمد خط أنابيب لنقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر الأراضي المصرية مرورا بالعراق والأردن. لقد وسّع صراعه مع جماعة الإخوان المسلمين ليشمل العالمين العربي والإسلامي، من سوريا إلى ليبيا مرورا بتركيا وتونس واليمن وفلسطين، حيث وضع حركة حماس على لائحة المنظمات الإرهابية، قبل أن يتراجع عن قراره تحت الضغط السعودي، وحدّد موقفه من صيغة الحل السياسي في سوريا في ضوء تقديره للمكاسب التي يمكن أن يحصل عليها الإسلاميون بعامة وجماعة الإخوان المسلمين بخاصة، وانعكاس ذلك على الدور التركي والقطري في الإقليم. وقد عبر عن تحفظه على إعادة التواصل السعودي مع حزب الإصلاح اليمني في ضوء سعيها لإيجاد حاضنة شعبية تدعم الرئيس اليمني منصور هادي، باعتباره جزءا من جماعة الإخوان المسلمين، وأعترض على ضمه إلى صفوف المقاومة اليمنية ضد الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني المخلوع. وقد قسّم توجهه هذا تحالف عاصفة الحزم حيث يقف هو ودولة الإمارات العربية المتحدة في صف الرفض المطلق لجماعة الإخوان المسلمين وتجريمها واعتبار محاربتها أولوية مطلقة في مقابل موقف السعودية وقطر وتركيا المؤيد لتخفيف المواجهة معها وإقامة علاقة تعاون معها واستثمار حضورها العربي والإسلامي في التصدي لإيران ومشروعها في السيطرة الإقليمية وعملها على زعزعة استقرار الدول العربية بتوظيف الورقة الشيعية في تفكيك المجتمعات وإطلاق صراع هوياتي داخلها على أسس دينية ومذهبية. لقد كشف النظام المصري بموقفه السلبي من الحوار بين “الهيئة” و “الائتلاف” انه ضد وحدة المعارضات السورية، وانه يسعى إلى تمزيقها وتشتيت صفوفها وإضعافها كي لا تحقق بعضا من أهدافها التي انفجرت الثورة من اجلها.