علي العبدالله : تركيا وإعادة تعريف الذات

Share Button

في جولات المفاوضات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني التي بدأت سراً في أوروبا منذ 2010، قبل ان تصبح علنية وتتم على الارض التركية عام 2012، اتفق الطرفان 204 - الحياةعلى خريطة طريق لحل القضية الكردية في تركيا. غير ان العملية تأرجحت تقدماً وتراجعاً تحت ضغط التطورات والمتغيرات الاقليمية والدولية.
فهل تصبح المصالحة واقعاً وتتصالح تركيا مع ذاتها؟

انطوت الجمهورية التركية التي أسسها كمال أتاتورك عام 1923 على مجموعة من المفارقات والتناقضات، لعل أهمها وأخطرها على مستقبلها مماهاته بين القومية التركية والإسلام فقد رفض في مفاوضات لوزان الإقرار بوجود أقليات قومية في الدولة التركية، ولم يعترف إلا بوجود أقليات غير مسلمة فـ «المسلم تركي وغير المسلم غير تركي»، واعتبر النشاطات السياسية التي قام بها الكرد، تعبيراً عن تميزهم وعن وعيهم القومي، عصياناً ضد الدولة ووصف القائمين بها بـ «العصاة» واستخدم ضدهم القوة.

شكلت قضية الحقوق القومية الكردية ولا تزال عقدة السياسة التركية لاسباب عدة أولها فشل عملية تذويب الكرد وتحويلهم الى اتراك. وثانيها عجز الجيش التركي عن حسم المواجهة عسكرياً. وثالثها وهو السبب الاهم عدم وجود تصور موحد داخل المجتمع والنخبة السياسية التركية لحلها. وقد زاد في تعقيد الموقف تشكل جماعات، خاصة في الدوائر السياسية والعسكرية، لها مصلحة في استمرار الصراع بين الدولة والكرد، فالجيش كان يستحوذ على ثلث إجمالي الناتج القومي، والجنرالات والضباط والعاملون المدنيون في الجيش يحصلون على رواتب ومكافآت عالية تحت بند محاربة الإرهاب الكردي، ناهيك عن وصول أحزاب قومية متطرفة إلى سدة الحكم تختلف في ما بينها في الكثير من القضايا وتتفق في إنكار الهوية القومية للكرد. فما جمع بين أجاويد اليساري وباغجلي اليميني هو نزعتهما القومية المتطرفة واستنادهما في مقاربة أوضاع تركيا إلى منظور صارم يضع الانتماء إلى العرق التركي فوق كل اعتبار.

مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة اختلف الموقف نسبياً فقد تبنى، مستفيداً من حالة الأعياء من الحرب والدماء والدمار في المجتمعين التركي والكردي وميل للحل السلمي تبنته منظمات المجتمع المدني الكردية، مقاربة ديموقراطية في التعاطي مع المطالب الكردية، فمع تمسكه بوحدة تركيا الجغرافية والسياسية وعمله على احتواء التداعيات الإقليمية، بخاصة الوضع في كردستان العراق، على الملف الكردي في تركيا، سمح بإطلاق قناة ناطقة بالكردية تبث طوال اليوم، وبتعليم اللغة الكردية في المدارس في المناطق ذات الغالبية الكردية، وعمل على تحسين أوضاع الكرد المعيشية والخدمية في منطقة جنوب شرقي البلاد.

بعد لقاءات بين الحكومة ونواب كرد من حزب السلام الديموقراطي الكردي والسماح لهم بزيارة عبدالله اوجلان في محبسه، ومع قيادة حزب الشعوب الديموقراطية لاحقاً، تم الاتفاق على اعتماد الحل السياسي ونبذ العنف، والاتفاق على خطة خريطة طريق تبدأ بوقف اطلاق النار وانسحاب قوات الحزب الى جبال قنديل في كردستان العراق، بحيث تتم تسوية اوضاعهم وادماجهم في الدولة والمجتمع التركيين، وتبادل الاسرى، فاذا نفذت هذه الخطوات تقوم الحكومة بتعديل قوانين مكافحة الارهاب، وتحولها إلى المجلس النيابي لإقرارها، وتبدأ المباحثات الرسمية بين الحكومة التركية وقيادة الحزب في جبال قنديل يتلوها تعديل دستور 1980 وتضمينه الاقرار بالحقوق الكردية. وأعلن عن الاتفاق عبر رسالة من اوجلان قرأتها النائبة التركية ليلى زانا في احتفالات الكرد في عيد النيروز يوم 21/3/2013، دعا فيها الى وقف القتال والانسحاب الى جبال قنديل، وأكد انتهاء مرحلة الكفاح المسلح وبدء مرحلة الكفاح السياسي.
تعرضت المقاربة إلى امتحان مرات ومرات، فالتوتر السياسي الداخلي على خلفية الانتخابات الرئاسية والتعديلات الدستورية وسعي أردوغان الى تغيير طبيعة النظام التركي الى نظام رئاسي، ووجود جناح متشدد داخل حزب العمال الكردستاني له تحفظات على خيار المصالحة التي وافق عليها عبدالله اوجلان زعيم الحزب من محبسه، وقيامه بعمليات عسكرية استفزازية لاستدراج رد من الجيش التركي يخلط الاوراق وينهي المفاوضات، وانفجار الثورة السورية واقامة حزب الاتحاد الديموقراطي/ جناح حزب العمال الكردستاني في سورية ادارة ذاتية في ثلاث مقاطعات على الحدود التركية السورية، وهجوم «داعش» على مدينة عين العرب/كوباني ورفض الحكومة التركية، لاعتبارات تتعلق بموقفها من استراتيجية واشنطن في مواجهة «داعش» وتجاهل النظام السوري الذي مارس القتل وخلق المناخ الذي أفرز الأخير، ومن الادارة الذاتية الكردية في سورية، ما أتاح للتيار المتشدد في حزب العمال فرصة التشكيك بنوايا أردوغان وخروج تظاهرات كردية وحصول صدامات وسقوط شهداء وجرحى من الكرد وقوات الامن، ناهيك عن قيام الحزب بفرض حالات حكم ذاتي في بعض المدن والبلدات في جنوب شرقي البلاد وتجنيد الشباب الكرد بالقوة في صفوفه والدخول في مواجهة مسلحة مع انصار حزب الدعوة الحرة الاسلامي في مدينة جزيرة ابن عمر او جزيرة بوتان.
يستعد الطرفان لجولة جديدة من المفاوضات، وأكدا العزم على بلوغ الاتفاق النهائي هذا العام. من جانبه اعلن اوجلان خريطة طريق للحل النهائي قائمة على: اعتراف دستوري بالشعب الكردي وحكم ذاتي للمناطق الكردية والحق بالتعليم باللغة الكردية.

واضح ان الارادة السياسية لإنهاء الصراع لدى الطرفين قوية لكن القضية الكردية وطبيعة الحل المستهدف، والذي ينطوي على تبدل جوهري في بنية الدولة وهويتها، يستدعي اجماعاً وطنياً، اذ لا يمكن اغلاق الملف بالكامل باتفاق الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، ولا بد من رأي عام داعم ومناخ سياسي مواتٍ. لذا تم تشكيل لجنة حكماء من منظمات المجتمع المدني لاستطلاع رأي الشعبين وردود فعلهما وتسويق المصالحة، على ان تعتبر الانتخابات البرلمانية القادمة مقياساً لتوجهات الرأي العام والوسط السياسي ومؤشراً على امكانية تعديل الدستور تنفيذاً للاتفاق.

ستنتقل تركيا في حال تم الاتفاق وعدل الدستور ولبى مطالب الشعوب والاديان والمذاهب من دولة عرقية منغلقة الى دولة تعددية منفتحة، ويفتح طريق الامن والاستقرار وتعظيم الازدهار امامها واسعاً، وهذا سيمنحها وزناً كبيراً ودوراً مميزاً في الاقليم والعالم.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...