عدالت عبدالله : مشروع الدولة الكردية و موقف العالم العربي و الإسلامي

Share Button

لا نريد أن تؤخذ إثارتنا لمثل هذه المواضيع على محمل المؤآمرة و التسويق المبكر لفكرة تأسيس دولة كُردية في منطقة الشرق الأوسط، فالأمر بات يتعدى مجرد فكرة، أنه الآن مشروع 205- إيلاف كُردي خالص يجري الإشتغال عليه بخطوات و مراحل، بل بكل الوسائل المتاحة، و من كافة الوجوه و القنوات الممكنة سياسياً و دبلوماسياً، أو أقتصادياً و إعلامياً، أو عسكرياً و مؤسسياً، ولكن بالتزامن أيضاً مع حقيقة مُرة يأخذها الكُرد اليوم بنظر الإعتبار ولا يُقلل من شأنها، ألا وهي إنعدام أي دعم مُعلَن و حقيقي للمشروع حتى الآن من قبل الدول الغربية و البلدان العربية و الإسلامية، فضلاً عن الدول الأقليمية.

و من هذه الزاوية، يَهمُنا هنا أن نتعاطى مع هذا الموضوع أولاً من باب التفكير فيما لا نُفكر فيه في عالمنا الإسلامي – و الكُرد هو أكثر الشعوب تمسكاً بالإسلام- وكذلك من منظور الرؤية العقلانية للقضايا دون أي تعصب قومي و ديني، أو طائفي و مذهبي، أو أي إسقاطات و تقويمات قائمة على نظرية المؤآمرة، لاسيما أننا نعلم أن هذه القضية، أي فكرة تأسيس الدولة الكُردية، هي من بين قائمة المحظورات السياسية عند أغلب الدول العربية والإسلامية و من القضايا التي لاينبغي أن تُطرح و تُثار، و لا يُسمَح لأي عربي أو مسلم في المنطقة أن ينفتح عليها بحرية، و ذلك بذرائع واهية يتمثل أبرزها في الخشية من ولادة تهديد آخر للمنطقة، يُعتَقَد أنه آتٍ من طرف ” أسرائيل آخر” مُفتَرَض هو الكُرد حالما يُعلن دولته!.
و عندما ندعوا الى التعاطي مع الموضوع بمنطق التفكير فيما لانفكر فيه، ننطلق من خلفية هذه الصورة القاتمة السائدة في بنية العقل العربي السياسي تجاه هذه القضية، أي تأسيس دولة كُردية في المنطقة، خاصة إذا ما تعمقنا في الأمر و لاحظنا أن هذا التصور المشوه حول القضية، هو ليس قائم على منطق صناعة الأعداء الوهمية فحسب، و إنما يُبين لنا أيضاً أمرين خطيرين آخرين يتعلقان بالعالم العربي و الإسلامي قبل الكُرد، هما، أولاً: تراجع العقلانية و المنطق و قرأة التأريخ، و ثانياً، هيمنة خطاب الأنظمة الحاكمة على الشعوب العربية و الإسلامية و قدرته الخارقة في تزييف الوعي السياسي و التأريخي لدى الشارع العربي و الإسلامي تجاه قضية الشعب الكُردي، الشعب الذي هو، في النهاية، ليس آتٍ من كوكب آخر، و لا هو مُحتل لأراض غيره!، و إنما هو ليس سوى شعب آخر من الشعوب الإسلامية، والذي خدم الحضارة الأسلامية و قدم تضحيات كبيرة من أجل الإسلام و المسلمين أكثر مما قدمه لقوميته، لاسيما مع التاريخ المشرق للقائد و البطل الكُردي المُسلم صلاح الدين الأيوبي(1138-1193م)، ولكن من دون أن ينال هذا الشعب، في النهاية، مقابل كل ذلك، حقوقه السياسية، المتمثلة في كيان خاص به على موطنه التاريخي في المنطقة، و دون أن يستفيد العالم العربي و الإسلامي أيضاً من قوة الكُرد البشرية و طاقاته الكبيرة لدعم القضايا المشروعة.
إضافة الى ذلك، أن العالم العربي و الإسلامي لديه إشكالية أخرى تتعلق بقراءة الآخر وإنتاج المعرفة عنه، تكمن هذه الإشكالية، فيما يتعلق بالكُرد، في أنه لايفكر حتى الآن في أسباب إنعدام الدعم الغربي الحقيقي لفكرة تأسيس دولة كُردية في المنطقة، و لا يريد أن يُدرك أن الغرب عندما يدعم أو يذل الشعوب إنما هو يعي ما يفعله و يفهم التاريخ بل يدرس كل شيء قبل أن يأخذ المواقف و ينتهج السياسات تجاه الآخرين.
و لا جدال في أن الغرب لايعادي الدول و الشعوب بناءاً على أوهام، كما هو حال بعض الأنظمة العربية مع الكُرد، و كذلك لا يدعم أحد من باب الدفاع عن حقوق الإنسان و الديمقراطية كما هو طاغٍ في خطابه، و إنما هو يستثمر دوماً كل طاقاته العلمية و قواميسه السياسية لقراءة العالم و دراسة الجميع و خلفياتهم السياسية و الدينية و الحضارية لكي يضمن في آخر الأمر الهيمنة و السطوة على الآخرين و التحكم بعقول و مصائر الشعوب.
بمعنى آخر،أن الغرب يضع خططه و خطوطه الإستراتيجية المستقبلية بناءاً على المعرفة و المصلحة لا على النزعات الطائفية و الدينية، أو القومية و المذهبية، أو على السايكولوجيات الخائبة و الخائفة من كل شيء كما هي الحالة في العالم العربي و الإسلامي،الحالة التي يرثى لها أبداً لأنها آلت الى مساويء كبيرة، أبرزها تدمير الذات و القوى الذاتية، أي قمع الشعوب المُسلمة داخل الأمة، وذلك لا لشيء آخر سوى أنها تطالب بحرياتها و حقوقها المهضومة و تدعوا الى أن يكون لها كيانها الخاص بها، مثلها كمثل كافة الشعوب التي تحررت و حققت أستقلالها على غرار الأقطار العربية و الدول الإسلامية نفسها، الدول التي نعلم تماماً بأنها لا تتوحد حتى في أتخاذ المواقف تجاه عدوها الأكبر ” الإسرائيل” بينما تتفلسف علينا في الوقوف على قضية الدولة الكُردية و إعتبارها مؤآمرة مُحاكة ضدها و ضد أمنها القومي!.
ناقشت هذه الرؤية المتهافتة في العالم العربي تجاه المسألة الكردية مع بعض المفكرين العرب المدعويين الى مهرجان “المدى ” الثقافي عام 2005 في أربيل، و قد أردت من ذلك أن لا أكتفي بمنظوري النقدي لمواقف العالم العربي و الإسلامي تجاه القضية الكُردية، وأن أستمع الى هؤلاء المفكرين العرب بشأن أسباب هذه الرؤية السائدة و الطاغية حتى الآن حول الكُرد، و قد لاحظت من خلال آراء بعض منهم، أن الأمر، في تقديرهم، يتعلق بالغرب بالدرجة الأولى، أنه، في نظرهم، هو من دمر العالم العربي و شل قدراته و أستنزف طاقاته ليزرع فيه، في النهاية، بذور ثقافة سياسية قاتلة لاتزال سائدة حتى الآن، يرى هؤلاء المفكرين بأنها تكمن في ثقافة تدمير الذات و إنشغال العرب و المسلمين بفتنهم و خلافاتهم الداخلية، وذلك من خلال دعم الغرب لحكام و أنظمة تابعة في العالم العربي، تخدم المصالح الإستراتيجية للغرب من جهة، و تُذل شعوبها من جهة أخرى بل تُحرِمها حتى من التفكير فيما ينبغي أن تُفكر فيه، و ربما أبرز القضايا – على حد تقدير هؤلاء المفكرين العرب- التي باتت الضحية الأكبر لهذه الحالة المتردية للشعوب العربية و الإسلامية، هي القضية الكُردية.
لا مراء هنا من أنني شاطرت هذا الوجه من التفسير والتقدير للموضوع و وافقت الرأي القائل بأن الأنظمة الحاكمة وراء تدهور أحوال العالم العربي و الإسلامي، لاسيما في منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، لكنني أختلف معهم أيضاً و مازلت عندما يتعلق الأمر بحال الكُرد في المنطقة، والإختلاف هذا دوماً هو كالإختلاف بين من أكتوى بنار الإستبداد و الإضطهاد و بين من يتفرج عليه!، إذ لا يُعقل أن نبرر أبداً بقاء الكرد على حاله هذا، أي أن يظل دوماً ضحية الضحية الى الأبد، حتى و إن أفترضنا، مع تلك الكُتاب و المفكرين، بأن الشعوب العربية و الإسلامية هي بنفسها ضحية لحكامها و نخبها السياسية، فالأمر مع الكُرد صعب و مختلف تماماً، ذلك لأن هذا الشعب هو الشعب الوحيد في المنطقة الذي لايتمتع حتى اليوم بكيان سياسي خاص به رغم أنه لديه كافة المقومات التي تشترط بنائه لهذا الكيان كالأرض و الشعب و الثقافة و اللغة، و عليه فلا عدل فيه أن يُخَدَّر هذا الشعب أكثر من ذلك، بل يحق له و يستحق أن يفهمه الآخرون، و أن يغيروا مواقفهم تجاهه قبل فوات الآوان!. ذلك لأن الكُرد لايمكنه الإنتظار الى يوم القيامة حتى و إن جازف بمصير أبنائه كما هو قدره التاريخي دوماً بين مطرقة الغرب و سندان العالم العربي و الإسلامي.
نعم ينبغي على الشعوب العربية و الإسلامية أن يدعموا، قبل الآخرين، كيان كُردي مستقل و دولة كُردية و أن يدفعوا حكامهم الى دعم هذا المشروع اليوم قبل الغد، و أن يدخلوا حتى في إمكانية توقيع معاهدات سياسية و إستراتجية مع هذا الشعب المسلم و المسالم، وذلك بهدف تحويل هذا الأخير الى قوة أخرى و ذراع آخر للدفاع عن قضايا الشعوب الإسلامية و العربية، و ربما السبب في إطلاق مثل هذه الدعوات هنا و في هذا التوقيت هو ظهور ملامح إقتراب الموعد لهذا الحدث الكبير!، أي تأسيس الدولة الكُردية، خاصة إذا ما أنهارت تماماً العملية السياسية في العراق نتيجةً لديكتاتورية السلطة و دوامة العنف و الإرهاب، و إذا ما فشلت كل من تركيا و إيران و سورية، في تحقيق السلام و الإعتراف بحقوق الُكرد السياسية و القومية ضمن الخارطة السياسية الحالية لدول المنطقة!.
• كاتب و باحث – كُردستان العراق

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...