سورية هذا البلد الجميل التي عشقها أبنائها، تعيش هذه الأيام حالة من البؤس والضياع لما يحدث فيها من قتل ودمار وانتهاكات، بينما المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بكل منظماته الإنسانية والحقوقية يتجاهل ويغض الطرف عنه وكأن هذه البقعة من العالم لا تشملها القوانين والمعايير الدولية،وكأن الأمم المتحدة لا تعنيها حماية السوريين و أمنهم , وربما وضع الأطفال السوريين خارج دائرة اهتمامات منظمة اليونيسيف بالنسبة للحقوق بل هم فئران التجارب لمختبراتهم ، تجرب فيهم و عليهم شتى أصناف السموم و الأسلحة الكيمياوية الفتاكة و التي تم تحريمها و حظر استعمالها في بلدانهم المدللة بل و كتب عليها : صنعت خصيصاً للجمهورية العربية السورية قابل للاستهلاك البشري و على المدنيين فقط ؟!!.
بما كان يطالب الشعب السوري في بداية ثورته؟ أليس بقليل من الحريات والإصلاحات السياسية وتخفيف وطأة الأجهزة الأمنية على رقاب الناس في هذاالبلد الآمن المستقر! وإذا بالدول الإقليمية كتركيا وقطر والسعودية وإيران وغيرها تتدخل بالشأن السوري وبتوجيه مباشر أو غير مباشر من الأوساط الدولية التي تدعي الديمقراطية والسلم العالمي لتتحول هذه المطالب العادلة وبقدرة قادر إلى التقاتل والتصارع وجعلوا من هذا البلد ساحة لتصفية حساباتهم وأرسلوا إليها أفواجاً ممن يسمونهم بالمجاهدين والمناصرين وهم في الحقيقة حفنة من أسوأ أصناف الإرهابيين والمجرمين والانتحاريين وزودوا الشعب السوري الأعزل بشتى أنواع الأسلحة و الذخائر حتى باتت المكونات السورية تتقاتل كالديوك التي يسوقها المقامرون و المراهنون إلى حلبات المصارعة لتتناحر تلبية لمصالحهم و اشباعاً لرغباتهم و أطماعهم التي لا تنتهي.
وإذا كان غير ذلك فلماذا لا تتسارع هذه القوى وأسيادها إلى اقناع السوريين بمبدأ الحل السلمي والحوار البناء لوضع نهاية لهذه المسرحيات المشؤومة وأبطالها المزيد من أطفال وشباب ونساء السوريين حيث تتوالى حلقاتها وفصولها كالمسلسلات التركة والهندية وتمتد أجزاؤها إلى ما شاء الله.
إلى متى ننتظر نحن السوريون وماذا نتأمل من أمراء الحرب وتجار الأسلحة سوى زرع الفتن بيننا وبث روح التعصب والتطرف والعداء في نفوسنا حتى بات السوري يفقد الأمل ويهاجر ويترك وأرضه وتراثه هارباً إلى المجهول دون أن يلتفت إلى الوراء لإلقاء النظرة الأخيرة كالطفل السوري الكردي ((آلان)) الذي أبكى قلوب الملايين في أصقاع الكرة الأرضية.
هذا الجسد الصغير الذي وجد على شاطئ المتوسط وحيداً يتيماً تلتقطه كاميرات المصورين مثله مثل مئات الآلاف من الهاربين الذين يمتطون قوارب الموت عنوةً خوفاً من العنف والإرهاب وانتشار الميليشيات المسلحة وقوى الشروالظلام التي انتشرت على عموم سوريا وتتبع لأجندات مختلفة ومتضاربة المصالح والغايات.
أما في الشأن الكردي: الوضع عندنا ليس أفضل من غيرنا من المكونات السورية فإننا من سيء إلى الأسوأ ووزننا النوعي بدأ يتناقص وانتقلنا من حالة التمسك والاستقرار إلى حالة التفكك والتباعد وبداية العد العكسي.
متى كان الكردي وعبر تاريخه الطويل يترك وطنه وتراب أجداده العظماء ألا يتذكر هذا الهارب الخجول آباءه الميديين والميتانيين واللوريين والكاردوخيين الذين تشبثوا بموطن الكرد واستبسلوا من أجلها رغم كل الحملات والحروب التي تعرضوا لها لأن موطننا كردستان هي من أجمل وأغنى بقاع المعمورة قاطبة كما يقول شاعرنا الجليل جكرخوين وتغنى بها الملايين عندما قال:
Welatê Kurda tev xêr û bêr e
Alîk meden e yek zîv û zêr e
و يفرض علينا التاريخ و قدسية هذه الأمانة التي وضعت في أعناقنا لأن نحميها و نحافظ عليها و نورثها للطفل الكردي الكوباني (( آلان)) و لكن يا للهول أين آلان ذهب مهاجراً و أدار ظهره للوطن نحو البعيد المجهول بسبب فقدانه للثقة بالحركة الكردية المعاصرة التي تدعي فن السياسة و إدارة الأزمات و تظهر حرصها و إيمانها بالقضية و الشعب و الوطن في مناهجها السياسية و نظامها الداخلي و لقول الحقيقة و التاريخ إن الحركة الكردية تعتبر الجهة الوحيدة المسؤولة عن موت آلان و أمثاله بسبب خلافاتها المختلفة و أنانياتها الحزبية الضيقة و فقدان التوازن بين الغاية و الوسيلة كوضع العربة أمام الحصان هذا من جهة و من جهة أخرى وجود نزعة السلطة و الهيمنة و التفرد لدى البعض الآخر حيث تتناسى جميع هذه الأطراف الهزيلة مسؤوليتها التاريخية و في هذه الفرصة النادرة من تاريخ الشعب الكردي في سوريا و لما ستحدث في هذه الحقبة من تغيرات سياسية و تكتلات جديدة و قد تصل الأمور لرسم خرائط جديدة في منطقة الشرق الأوسط لذا يتطلب من القيادات الكردية توحيد الموقف و الخطاب و بالصبغة الكردية الواضحة المعالم و الأهداف و الاقتداء بمبدأ المشاركة و العمل الجماعي و بناء علاقات و صفقات سياسية أو عسكرية مع الأوساط المختلفة على أن تصب في خانة المصلحة الكردية و القضية العادلة ، لأن أي تفرد في مثل هذه العلاقات سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات سوف يزعزع الثقة بين أفرادها و مكوناتها و من الممكن أن يكون أداء هذا الشخص أو ذاك الحزب أفضل من غيره و هذا لا يعني التعالي و الغرور لأن اليد الواحدة لا تصفق كما يقول المثل الشائع.
في العمل الجماعي و الأخذ بالرأي والرأي الأخر وفق معايير الشفافية و الوضوح بين الأفراد و الجماعات سنكون قد خطونا الخطوة الأولى للقضاء على الفكر الديكتاتوري و السلطوي و وضعنا اللبنة الأولى و بسواعد جميع أبنائنا لبناء المؤسسة العصرية التي توصلنا إلى الدولة المدنية الديمقراطية ، دولة الحق و العدالة و القانون لا مكان فيها للتفرد أو التسلط أو الصراعات الحزبية بكل أشكالها ، ووفقاً لهذه المبادئ ستعود ثقة الجماهير بقياداتها ، و سوف تتوقف هذه الهجرة الجماعية المخيفة التي تزداد تدفقاً في كل يوم عن سابقه و الحركة الكردية تقف حائرة حيالها عاجزة عن وضع الحلول بسبب خلافاتها وتصرفاتها اللامسؤولة تجاه أبنائها الذين فقدوا الثقة بالحركة السياسية الهشة و بدا المستقبل أمامه قاتماً مجهولاً لا أمن فيه و لا استقرار .
هل هاجر الشباب الكرد بسبب التجنيد الاجباري وواجب الدفاع عن أرضه ومقدساته لا وألف لا , بل حدث هذا وما يحدث لأن قرار التجنيد صدر من طرف واحد دون الآخر الذي تعرض للهيمنة والاعتقال والنفي والمضايقات والجميع يشهد كيف تدفق الشباب إلى مكاتب الأحزاب لحمل السلاح طوعاً ودون ضغط أو إكراه أليس هذا الكردي هو ذلك الصلب العنيد الذي كتب عنه جكرخوين قائلاً:
Ez im ew Kurdê serhişk û hesin îro jî dijmin ji min ditirsin.
وختاماً: بالوحدة والشراكة والمسؤولية الجماعيةوالأيمان بعدالة القضية الكردية والوقوف في خندق واحد للدفاع عن مقدسات شعبنا نكون قد أدينا واجبنا الأخلاقي والإنساني والكردستاني وسنكون قد ثأرنا لطفلنا آلان وروحه الطاهرة وسنسلم الأمانة لمن بقي من أصدقاء آلان على أرض الوطن وسنعمل على اقناع العالم المتحضر للاعتراف بحقوقنا والوقوف بجانبنا.
القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
ديرك في 10/09/2015