لا شك إن أحزاب الحركة الكردية في سوريا نجحت في العقود الماضية وفي ظل القبضة الأمنية الشديدة أن تحافظ على كينونتها وشعبيتها بأساليب متعددة وأفكار متزنة جنبتنا الكثير من الويلات ،التي كانت الأطراف الشوفينية تخطط لها فكانت الحركة تلجأ إلى السرية التامة في اغلب الحالات فتعقد اجتماعاتها في القرى والمدن بشكل حلقات صغيرة كي تجنب رفاقها الاعتقالات التعسفية التي كانت الأجهزة الأمنية تقوم بها بشكل يومي تقريباً كما كانت الحركة تجيد استغلال المناسبات القومية والاجتماعية لإيصال رسالتها إلى اكبر عدد من الناس ومنها ” عيد نوروز ” حيث يحتشد الآلاف من الناس في مكان واحد بانتظار سماع رسالة نوروز وخطاب الحركة الكردية الذي كان يحثهم دوماً على ضرورة الوقوف في وجه المشاريع العنصرية التي كانت تهدف إلى إنهاء الوجود القومي الكردي في سوريا وتدعوهم إلى الالتفاف حول حركته والمطالبة بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي ، هذا من جهة ومن جهة أخرى وكعبء إضافي كانت الحركة تحارب الحركات والعناصر العميلة والدخيلة وسياسات حزب البعث الخبيثة التي كانت تبث الفتن والسموم بين أطراف الحركة وللأسف بأدوات كردية كانت الغاية منها ضرب وحدتها وإضعاف قوتها الجماهيرية ونجح في ذلك إلى حد بعيد وما تشتت الحركة اليوم وانقسامهم إلى يساري ويميني وعلماني وقومي كردستاني إلا نتيجة لتلك السياسات الممنهجة التي كانت تخطط لها في الدوائر الأمنية فاتبعت الحركة أساليب مرنة غالباً لمواجهتها لتجنب شرورهم والمحافظة على الهدوء داخل المنظمات الحزبية، ورغم تلك الظروف والصعوبات التي كانت تواجه مناضلي الحركة الكردية استطاعت أن تصمد بإرادة قوية وتحافظ على الروح القومية والوطنية العالية لدى أعضائها ومناصريها وما وجودنا القومي الواعي اليوم إلا ثمرة هذا النضال والجهد الكبير للحركة الكردية في سوريا .
واليوم وبعد مرور 57 عاماً على تأسيس هذه الحركة وانتهاء تلك الحقبة السوداء وفي ظل ثورات الربيع العربي واندثار أنظمة وبروز أنظمة جديدة بمفاهيم وقيم جديدة ألا تجدر بحركتنا الكردية ان تفكر ملياً وبشكل مدروس في كيفية تغير أساليب عملها السياسي التقليدي ؟ أعتقد إنه آن الأوان الخروج من الحلقات الصغيرة إلى الشارع ومخاطبة الجماهير في الساحات العامة وليس من وراء الكاميرات أو على أوراق البيانات والجرائد والمواقع الرسمية والمقرات الحزبية الضيقة ، فاستفيقوا يا قادة الحركة الكردية فهؤلاء الجماهير هي جماهيركم وليس سواكم فأنتم من دفعتم الغالي والنفيس لرؤية هذا اليوم وزوال سلطة البعث من مناطقنا فلماذا تتخلون عن مسؤولياتكم اليوم وتخاطبون الشعب من مئات وآلاف الكيلومترات وتتركون غيركم يحصد ما زرعتموه منذُ أكثر من نصف قرن يا من كنتم تتحدّون أكثر الأنظمة دكتاتوريةً في الشرق الأوسط عندما كان قوياً جداً واليوم وقد زالت سلطته في مناطقنا وأصبح ضعيفاً جداً في عموم الوطن وأنتم الأقوياء بجماهيركم إن أردتم ذلك ولكن يبدو أنكم لا تستطيعون التحرر من عقلية العمل السري والمتقوقع على نفسه ولا تستطيعون فتح صفحات جديدة بين بعضكم البعض لان هذا النظام قتل فيكم الثقة ببعضكم وأصبح مرضاً مزمناً لا شفاء منه ، فإذا لا خيار أمامكم وأمامنا إما أن نحرق أوراق تلك الحقبة السوداء ونعيد بناء الثقة ببعضنا وبالتالي نفتح صفحات جديدة نسجل فيها تاريخاً جديداً لحركتنا الوطنية الكردية وننقذ بها شعبنا من المزيد من الويلات والضياع والهجرة الخلاقة أو ان تستقيلوا من مهامكم وبارك الله في جهودكم حتى هذه اللحظة وبقية المشوار سيكمله جيلاً جديداً ما زال يستطيع التحرر من عقليتكم وعقلية الأنظمة الشمولية .
طه عيسى : 23\7\2014