صدر العدد الجديد 645 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا باللغتين الكردية والعربية، ويتضمن العدد مواضيع ومقالات سياسية وثقافية وقد جاء في افتتاحية العدد:
من أين تأتي الشرعية الحقيقية؟.
بات من شبه المسلم به أن سقوط النظام البائد واستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، لم يكن بمجرد انتصار قوة معارضة مسلحة على قوات جيش النظام القائم آنذاك، وإنما كان وفق ترتيبات وتوافقات سياسية وعسكرية خططت لها أطراف دولية وإقليمية فاعلة بهدف خلق واقع عسكري وسياسي جديد في المنطقة التي كانت سورية تقع في قلب صراعاتها وتوازناتها ومعادلاتها المتشابكة. ومن المعلوم أيضا أن التغيير الحاصل، والواقع الجديد الذي تم فرضه، لم يكن تماما استجابة لتطلعات الشعب السوري الذي عانى مطولا وقدم الكثير من التضحيات والمعاناة للتخلص من نظام البعث البائد الذي كان يتستر به الطاغية الفار. وهذا الأمر، رغم كونه كذلك، فقد كان محط ترحيب وارتياح من جانب كل أبناء الشعب السوري لأنه أدى إلى طي فترة مشؤومة وبائسة عاشها السوريون مطولا.
وكان السوريون ينتظرون منذ البداية التخلص من نظام الحكم الفردي الاستبدادي الدموي..
إلا أنهم فوجئوا بأن السلطة الجديدة خيبت الآمال في العديد من الخطوات العملية التي أخذتها على أساس أنها من ضرورات المرحلة الانتقالية وترسيخ دعائم الحكم وصولا إلى الاستقرار الأمني والسياسي، إلا أن كل الخطوات التي اتخذت، بدءا من تنصيب الرئيس المؤقت، وعقد ما سمي بالمؤتمر الوطني، وصولا إلى توزيع المناصب الحكومية، السيادية منها والخدمية، كلها تمت بطريقة استئثارية أحادية، ومن طيف واحد، ومن تبعية أيديولوحية، واحدة عملا بالمقولة غير الدقيقة التي ابتدعوها والتي تقول، ( من يحرر، يقرر، أو أن الأسير الذي يتم تخليصه من أيدي الخاطفين، لا يحق له أن يسأل : إلى أين تأخذوني؟)، باستثناء بعض التنويع الشكلي بهدف ذر الرماد في العيون، والتغطية على حقيقة ما يجري، ناهيك عن أن تداول كلمات ومفاهيم مثل “الديمقراطية” و “والتعددية”، و “حقوق الأقليات” و “المكونات” و الانتخابات الحرة تحت إشراف دولي، وتداول السلطة، بدت من المحظورات تماما، ولم يأت على، ذكرها قط أي مسؤول في السلطة الجديدة، وهو ليس أمرا اعتباطيا بالتأكيد، وإنما هو دليل توجه وتوجيه، .. وهذا التوجه، وهذه الخطوات لا يمكن أن تجدي نفعا، أو أن تؤسس لإعادة بناء دولة فقدت كل مقوماتها ومرتكزاتها، هذا، ناهيك عن الممارسات والانتهاكات الفظيعة التي وقعت في العديد من الأماكن، من حوادث القتل والإعدامات الميدانية على الهوية الطائفية دون اللجوء إلى المؤسسات القانونية والمحاكم بهدف محاسبة كل من أجرم بحق الوطن والمواطنين، ومن تلطخت أياديهم بالدماء، دون وجه حق. وقد أصيب غالبية المواطنين السوريين، خاصة، من أبناء المكونات السورية المختلفة ممن باتوا خارج دائرة ” الهوية الطائفية” للسلطات الجديدة، بالفزع عندما باتت تظهر مجاميع مسلحة غير منضبطة تدعو علنا، وأمام شاشات وسائل التواصل ووسائل الإعلام، إلى إبادة هذا المكون أو ذاك، ومنحهم مهلا قصيرة لترك مناطق سكناهم، تحت التهديد بالتصفية.
إن النفخ في قربة العنصرية والطائفية والتفرقة الدينية من بعض الجهات والتشكيلات المحسوبة على السلطة الجديدة، لن يجلب لسوريا ما هو أفضل من ” إنجازات” الحكم البائد..
والجهات الخارجية لاسيما الإقليمية منها، لا يهمها مصير ومعاناة السوريين، و يتصرفون فقط وفق مصالحهم وأجنداتهم ، والتي تمثلت بشكل رئيسي في كسر المحور الإيراني في المنطقة وإبعاد خطره منها، والقضاء على قدرات حزب الله وحركة حماس كذراعين عسكريين أساسيين لإيران في المنطقة، وإلى حد ما تقليص النفوذ الروسي على الساحة السورية، لم تر الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل ضيرا لتنفيذ هذه الخطط، ولو على يد هيئة تحرير الشام، القوة شبه الوحيدة المنظمة والمؤهلة للقيام بمهمة من هذا النوع والمتمركزة في الشمال السوري، وكان لهم ذلك بالفعل، واستكمالا لذلك المخطط، أبدت الولايات المتحدة استعدادا لمنح الفرصة كاملة تقريبا للسلطة الجديدة، وإن كان ذلك بشكل مشروط، لتقوية نفوذها وترسيخ سلطتها والسعي إلى ضبط الوضع الأمني.
بادر الرئيس الأمريكي، وفي عجالة غير معهودة، بإطلاق وعد وإصدار أوامر برفع العقوبات عن سوريا، وغير ذلك من إعادة فتح السفارة الأمريكية، وتبادل السفراء، هذه الخطوات التي كانت دول الخليج قد سبقته فيها ضمن ذات السياق، وربما بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، ولكن نوعية الشروط التي طرحتها الولايات المتحدة على رئيس السلطة الانتقالية، تبدو غير سهلة على الإطلاق، وقد لا يسع المجال لذكر تفاصيلها هنا، إلا أن السلطة التي تدرك هذه المفارقات والمعادلات تماما، تحاول أن تبدي مرونة نظرية إلى أبعد حدود إمكانياتها، فهي تبدو كمن يستجدي الشرعية من الخارج، ولو بأي ثمن بهدف تثبيت أركان الحكم، حتى وإن كان من ضمن ذلك التوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل.. الخلاصة أن الشرعية الحقيقية المطلوبة المستدامة هي التي تأتي من كل فئات ومكونات الشعب بعد إحقاق حقوقها وإشراكها في الحياة السياسية ورسم مستقبل البلاد، مشاركة حقيقة. واعتماد نظام حكم ديمقراطي يأخذ واقع التعددية الإثنية والقومية والدينية للشعب السوري الذي لا يلائمه ولا يلبى طموحاته إلا الحكم الديمقراطي التعددي اللامركزي الذي يمكن التوصل إليه واعتماده من خلال حوار وطني سلمي بناء وهادف، يضمن مستقبل الأجيال القادمة في سورية على أسس الاحترام المتبادل تحت سقف الوطن الواحد، وفي هذا المجال، قد يبدو من الحكمة الاستفادة من خبرات قوات سورية الديمقراطية وإقامة تحالف وطني معها، وهي تتمتع بالخبرة الكافية في محاربة القوى الإرهابية، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي الذي ازدادت نشاطاته بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تخلق أجواء من الأمن والأمان وتثبيت الاستقرار وقطع الطريق أمام كل من يحاول بث الفرقة والفتن بين أطياف الشعب السوري، وبخلاف ذلك، فإن النظام البائد أيضا كان يتغنى ب “الشرعية الدولية” ، وكان له ممثله في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكان هو الآخر يلبي مطالب ومصالح القوى التي حمته وأبقته على سدة الحكم طوال تلك السنوات العجاف، رغما عن الغالبية العظمى للشعب السوري، إلى أن انتهت صلاحيته واحترقت أوراقه، ضمن إطار مخطط عام يخص المنطقة ككل، فتم التخلص منه بأيسر السبل.. لذا نقول بأن الشرعية الفعلية تأتي من الداخل، من كل فئات ومكونات الشعب الذين يرون، وبكل قناعة أن مصيرهم ومستقبلهم مرتبط بهذا الوطن وبتطوره وازدهاره، وأنهم شركاء حقيقيون في إدارته والاستفادة من وارداته، عندها، ستأتي الشرعية الدولية على قدميها، وكتحصيل حاصل، ولن يبقى مصير البلاد والعباد رهين مصالح وسياسات وإيعازات الآخرين من خلف الحدود..
هيئة التحرير
لقراءة وتحميل العدد اضغط هنا: