صبيح إسماعيل : كوباني رمز المقاومة والمصالحة الوطنية

يبدو أن استراجية داعش و أخواتها من الحركات الإسلامية المتشددة ليس كما يروج لها إقامة دولة إسلامية فـــي العراق والشام وإنما الهدف أشــمل وأعمــق وأوسع من ذلـــك ويظهر جلياً مــن خـــلال تتبع الأحداث منذ انطلاقة ثورة الحــرية والكــرامة التي رفع رايتها أبناء سوريـا الأحرار بكافة مكوناتهم الأثنيــة والــدينية مـن أقصى الشمـــال إلى أقصــى الجنوب عــن طريق المظاهرات السلميـة إلا أن النظـام حاول وبشتى الـوسائــل وبمساندة أدواته تحريف بوصلة الثورة عن مســـارها الطبيعي من ثورة سلـمــية إلى ثــورة مســلحة غــير متــكافئة من حـيث العـــدد والعتـاد وبنفــس الـوقــت مـهد الــسبيل للمجــموعات الإرهابية المــسلحة مــن كافة أصقــاع الأرض مــن أوروبيـة وأمريكيــة وعربيـة وإمدادهم ودعمهم بالمال والأسلحة الثقيلة من قبل النظام السوري والعراقي ( نظام المالــكي ) وذلك بإضعاف المعارضة الحقيقية التي كانت ولا تزال تصــر على تغيير النظام الشــمولي مـن جــذوره هذا من جانب ومن جانب آخر إظـــهار الوجه القبيح للثــورة وتشويــهها أمام الرأي العــام مــن خــلال الممارسات الإجراميــة التــي يقترفهــا داعــش وأخواتــها بــحق الثــوار والــمدنيين مــن قتل وذبح وإبـادة وسـلب ونــهب للـــممتلكات الخاصــة والعامة وإقناع المجتمع الدولي بأن البديل الذي يبحثون عـنه للنظام الـسوري بـات مهيمــنا علــى المعارضة السورية ويطــرح نفســه بقوة على الأرض .

فبــدلا أن يــقـدم داعــش إلــى محاربــة النظــام فـي سوريا والعراق لرسم خارطة مــا يسمى بدولتهم الإسلاميـة ولكن بقدرة قادر تغير المسار والهـــدف كما أسلفنا في البداية وبإيعاز من أسيادهــم فــي الــدول الإقليميـة المجــاورة بدوافــع عنـصرية و شوفينية معششة في مخيلتهم التي لا تروق لها أن ترى الشعب الكردي سيد نفسه على أرضه حرا كريما , لذلك زجوا بقطعانهم مـع من تبقى مــن نظــام صــدام المقبور إلــى محاربة شعبنا في شنكـــال الجريحــة كالوحوش الكاســرة دون شفقــة كــعادتهم خــلفوا ورائهـم دمـــارا وخرابــا وتشريداً وإعدامات بالجملة و الأنكى من ذلك كله اختطاف النساء واعتبــارهن سبايــا حـرب و اغتصابهن و ربطهن بالحبال على شكل أرتال كالدواب وعرضهن فـــي أســواق النخاسة . ولم يتوقف همجيتهم عــند هــذا الحــد وإنمــا توجــه قطعانهم حســب مـــا هــو مــرسوم لهم إلــى جلــولاء وخانــقين ومخمور وبــاقي مدن الإقليم حيث أبـدى الشـعب الــكردي مقاومة بطولية فريــدة من نوعها لصـد الهجـــوم مـن قبــل قــوات البيشــمركة وقوات الحماية الشعبية وقفة رجل واحد وزناد واحد وقلب واحد وشعب واحــد وعندمــا خاب أملهم في السيطرة على مدن الإقليـــــم بسبب المقاومة العنيفة من أهلــها لذلك توجهوا إلى كوباني الصامدة بقوة جرارة وأســلحة ثقيلــة كانـــوا قد استولوا عليها في سوريـا والعراق وبصورة أدق تخلوا عن الأسلحة لهم بإيعاز مـن النظام السوري والمالكي في العراق عن طريق مسرحية قتاليــة مفبركة لذلك دخلوا قرى كوبانـي وشردوا أهلها ودمروا مــنازلهــا حتــى وصلوا إلــى مـشــارف مدينة كـــوباني . إلا أن قــوات ( YPG-YPJ ) وأهــالي كـــوباني الأبطـال كــــانوا لهــــم بالمرصــاد وقــالوا لهــم توقفوا هــذه كــوباني ولــيست الموصل . وصـمدوا صمود الأبطال لأكثر مـــن شــهر بأسلحتهم الخفيفــة فــي مواجهة أخطر تنظيـــم إرهـــابي وأذهلــوا العالــم بكفاحهــم ودفــاعهم المستمــيت عن شرفهم وكرامتهم . وتصدرت مقاومتهم في مقدمة صفحات الجرائد ووسائل الإعلام الأخرى في العواصم الأجنبية , وكذلك مسيرات مؤيدة لهم في أغلب دول العالم منددين بأعمال داعش الإرهابية و مؤيدة لكوباني , وكانت لتضحيات المرأة الكردية في صفوف ( YPJ ) صدى واسعاً في أوساط الرأي العام العالمي لأنها قدمت صــورة مشرفة عن المــــرأة الكردية في التضحية والفداء والمقاومة وتبقى تجربة نادرة وفريدة من نوعها في كــفاح حركات التحرر في منطقة الشرق الأوسط وهــي مبعــث فخر واعتزاز لشعبنا الكــــردي , وكسبت مقاومة كوباني تعاطفاً دوليا وخاصـــة مـــن التحالف الدولي المشـكل ضــد داعش وذلــك بتأميــن غطــاء جوي عن طريق الضـــربات الجوية لمواقع داعش .

وفي هذا السياق أبدى الشعب الكردي تأييداً كبيراً في أجـزاء كردستان وبلاد المهجر بكافة إمكاناتهم الماديــة والمعنوية والفكرية والعسكرية , وخــاصة إقليم كـــردستان الذي حشد دعما دوليــاً كبيراً لــهم , وذلــك بتنشــيط دبلومــاسيتهم بين حلفائهم فـــي التحالـف الدولي ,إضافــة إلــى إرســال قوة عسكريــة من البيشمركة مدججة بالعتاد الثقيل لمناصرة أهــل كــوباني , وبالرغم أن كوباني وحــدت الشعب الكردي فكرياً وجغرافياً وعسكرياً وأصبحت رمزاً للمقاومة الوطنيــة بامتيــاز إلا أنها باتت رمزاً للمصالحة الوطنية لأنها وحدت قلوب وعواطف الشعــب الكــردي تجاه محنة أهلهم في كــــوباني المنكوبة والمحاصرة مــن جهاتها الثلاث باســتثناء المــنفذ الحــدودي المــؤدي إلى تركيــا , حــيث تــلعب تركيا دوراً مشبوها بإرسال مقاتلي داعـش إلى كـــوباني , لذلك أصبحت كـــوباني البلسم الشافي لالتئــام كــل الجــروح والخلافات الثانوية بين أبناء شعبنا ودفعت بهم إلى التعاون والمحبة والتكاتف وذلـك بوقفة رجل واحد ضد الخطر الداعشي المدعوم إقليمياً وداخلياً الذي يستهــدف وجــودهم القومي كشعب يعيش على أرضه التاريخية مـنذ آلاف السنــين وتكللــت تــلك النوايا الحسنة والرغبات الصادقة بتوقيع اتفاقية دهــوك التاريخيــة في إقليم كردستان بيـن المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي وبرعايــة رئيس إقليم كردستــان السيد مسعـود البارزانــي , وأظــهر الطرفـيـن المتفاوضين مرونــةً وتفــاهماً حيال بعـض الاختلافات في وجهات النظر من بنود الاتفاقية التي باتت أمــور صغيرة ولا شــيء مقارنة مع حجم المؤامرة التي تهدد كيانــهم من متطرفـي داعــش , واستقبــل شعبنا إعـــلان الاتفاقية التــاريخية بيـــن الطرفــين بالأهــازيج والأفـــراح والـزغاريد في rojava وباقي أجزاء كردستـان , وبنــفـس الــوقت كلـهم أمــل أن تـــرى الاتفاقية النور على أرض الواقــع و تطبيقها بشكل فعلي بروح عالٍ من المسؤولية التاريخية أمام شعبهم الــذي منحهــم ثقــة مطلقــة لـحمل تـلك الأمانــة . وأعــود وأكــــرر أن كوباني الصامدة والمقاومة ستبقى رمز المقاومة والمصالحة الوطنيــة ورمز السلام والمحبة والتفــاهم والتــعايش الأخــوي بين كافة مكونات الشعب السوري , وسوف تتحول كوباني بفضل التلاحم الكفاحـــي بـين أبناء شعبنا إلـى مقبرة لقطعان داعــش ومن يساندهم في الداخل والخارج.