اثبتت تجربة العنف في العقود القليلة الماضية التي اودت بحياة ما يفوق عن اربعين الف شخص من الطرفين وتدمير اكثر من خمسة ألاف قرية وبلدة كوردية ,كلفت البلاد مليارات الدولارات ,وهذا المبلغ كان كافيا لتحقيق نهضة شاملة في المناطق الكوردية والتركية النائية المتدنية من كافة نواحي الحياة الاقتصادية والعمرانية والثقافية والاجتماعية والخدمية , وليس لهما أية مصلحة خارج العملية السلمية الهادفة الى التوصل الى اتفاق لحل القضية الكوردية, وتجدر الاشارة الى ان مفاوضات السلام قد بدأت منذ أذار عام الف وتسعمائة واثنا عشر , بشكل غير مباشر بين جهاز الاستخبارات التركية والسيد عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكوردستاني دون ان تسفر عن شيء ملموس على الارض سوى الوعود والاكاذيب, الغاية منها المداعبة وشراء الوقت باحنك المفاوضين من اقوى سلطة في البلاد وا ستخدام ما لديها من البدع الضالة وما تملك من الاوراق وفق ما تملي عليها اجنداتها ومصالحها الحيوية والاستراتيجية القريبة والبعيدة وما تربطها باجندات قوى دولية اقوى منها في منطقة تتصارع فيها قوى ضد اخرى على ما تحتوي من الثروات الطبيعية الهائلة خاصة النفط .
وثمة مراوحة اخرى في المكان باتت تشكل خطرا على مستقبل العملية والهدف منها ,بسبب التطورات الدراماتيكية السريعة الحاصلة في المنطقة ولعل ابرزها ما جرى في كوباني ,من الدعم اللا محدود ماديا ومعنويا من قبل الحكومة التركية للارهابيين الدواعش واستخدامه كاقوى ورقة لديها لطمس القضية الكوردية ومنعها من السير قدما نحو التدويل والتعريف بها اقليميا ودوليا لا في تركيا فحسب بل لدى جارتها واختها في الدعارة الامنية والبروباغندائية “سورية الاسد”,حيث اندلعت التظاهرات الاحتجاجية في العديد من المدن التركية بسب موقفها السلبي المشين من الحرب في كوباني ومنعها للنازحين من اهالي البلدة اغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ من العبور الى داخل اراضيها هربا من القتال الدامي بين اصحاب الحق والقضية الذين اجبروا على الدفاع عن ارضهم وعرضهم بشرعية دولية ومساعدة جوية لطيرانها وبين قوى الرجس والشر والظلام الذين جمعتهم اجندات بعض دول اقليمية ومن في تسعيرتهم بتسهيلات تركية علنيية وعلى الملأ ,نجمت عنها مخاوف لانهاء العملية السلمية لانهيار الثقة بين الجانبين الى درجة تقارب الصفر .
كون التعقيدات والتحديات التي تواجهها كثيرة ما دفع الطرفين الى محاولة البحث عن أليات في المنعطف الأخر خاصة والمنطقة مقبلة على ترتيبات جديدة للقضايا التي تعصف بها في كل من سورية والعراق واليمن ما يستدعي السير قدما باتجاه تحقيق عملية السلام الهش والدفع بها نحو الأمام ,والاتفاق على خارطة طرق حقيقية تضمن للطرفين السلام الحقيقي قبل ان ينجز مراكز القرار الدولي حلولا جذريا بالاستناد الى استرايجيات واضحة المعالم بشأن الازمات المستفحلة , لا سيما وشعلة النار تتوهج على حدودها بطول اكثر من الف وخمسمائة كيلو متر , فهذ الامر يتطلب الشجاعة في اتخاذ قرارات مصيرية لمصلحة الطرفين وتأكيدا للثقة المتبادلة بينهما, يفضل ادخال طرف ثالث كراع او كشاهد على العملية.
وفي هذا الاطار قال السيد يالتشين أكدوغان نائب رئيس الوزراء التركي ” ان عملية السلام تمر حاليا بمرحلة هامة حيث وصلت للمرة الاولى الى نقطة هامة تسمح برؤية الضوء في نهاية النفق ” وفق تعبيره , حيث لا يخفى على احد بأن السلطات التركية قد حددت الواحد والعشرين من شهر, أذار لهذا العام كحد اقصى لنزع الكوردستاني لسلاحه مقابل حصول الكورد على المزيد من حقوقهم في تركيا والسؤال الذي يطرح نفسه هنا , هل حصل الكورد على بعض حقوقهم حتى يعطى لهم المزيد ؟ وما هي الحقوق التي ستعطى لهم ؟ تزامنا مع التصريح الذي ادلى به مراد قريلان عضو الهيئة القيادية في منظومة المجتمع الكوردستاني ” ان حزب العمال الكوردستاني يدرس امكانية انسحاب مقاتليه من جنوب كوردستان والمرابطين في جبهات القتال .
ورد عليه الرئيس السابق لحزب هال بار كمال بورقاي بأن الشعب الكوردي لم يجن من الكفاح المسلح لحزب العمال الكوردستاني على مدار السنوات الماضية الا تدمير المناطق الكوردية وضياع الشعب الكوردي , ولطمأنة الولايات المتحدة للرئيس التركي اردوغان على تصريحه الذي شن فيه هجوما لاذعا على ما سماها ” مؤامرة كوردية لتقسيم سورية ” اكدت المتحثة باسم الخارجية جين بساكي “لن نعترف بأي منطقة حكم ذاتي في اي مكان في سوريا ,وظلت هذه سياستنا منذ زمن بعيواننا اسقطنا بعض المساعدات بهدف محاربة داعش ” , فكل ما ذكرناه أنفا اشارات بأن هناك اتفاقات وتفاهمات جديدة للعملية السلمية بين الكوردستاني والحكومة التركية .
على ان تدخل تركيا في اعادة اعمار كوباني بعد تحريرها من الجردان السود والقبول بسلطة أوجلان في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا ذات الغالبية الكوردية المتاخمة لحدودها وأمته الديمقراطية بادارتها الحالية مقابل تخلي قواته عن السلاح والانسحاب من جنوب كوردستان والتمركز في الكانتونات التي تشكلت في هذه المرحلة الضبابية والحساسة التي تمر بها المنطقة والظروف المعقدة والمتشابكة التي احدثتها دولة الدوعش بشكل مرحلي ومؤقت لسببين هما:
تهدئة الاجواء المشحونة بين تركيا والتحالف الدولي خاصة الولايات المتحدة تمهيدا لانضمامها اليه عمليا والتوقف عن دعم وتمويل عناصر تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي ,وعدم الدخول في اي حراك مع الكوردستاني والانتخابات البرلمانية على الابواب حفاظا على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وصورته داخليا , لكسب المزيد من اصوات الناخبين الاتراك والاكراد في عموم البلاد.
وكذلك تحسين وتلطيف الاجواء الكوردستانية والسير بهم نحو المزيد من التقارب والتكاتف للوقوف معا في خندق واحد لمواجهة التنظيم المتوحش والقضاء عليه.