من الطبيعي أن يربك القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا الاطراف المتدخلة جميعها كدولة مهيمنة عظمى و كما يبدو انه يأتي في سياق نظرية خلق الفوضى العديمة الملامح و السياسة المبهمة التي تتصف بالغموض و المرحلية و المسارات المتعرجة.
وفي حال تنفيذه و هو الظاهر فإن ارتداداته يتيح للروس دوراً و مساحةً اكبر للتوا فقات الإضافية لزيادة مناطق نفوذها – اتفاقات ( صفقات السلاح – نقل الغاز الروسي لتركيا و منها لأوروبا ) – آلية التعاطي في ادلب و افرازاتها – صفقات محتملة شرقي الفرات .
على الرغم من الشرخ المحتمل بينها و بين تركيا في حال نجاح الامريكان في صفقة ( باتريوت – F 35 ) بدل صفقة S400 الروسية.
و هدف القرار زيادة الضغط على الاعضاء في التحالف الدولي لتحمل الاعباء بدل المشاركة الرمزية في الحرب على الارهاب.
و القرار يشجع النزعة التركية التوسعية المحتلة لمساحات كبيرة و يسيل لعاب قادتها لتحقيق اجنداتهم لزيادة حضورهم على الأرض السورية و على طاولة المفاوضات و ضرب أي تطلع كردي للحقوق المشروعة .
و إن أي إدعاء او توكيل تركي لمحاربة بقايا داعش حلفاء العقيدة إنما هو فرصة لانتعاش و تمدد التنظيمات الإرهابية , و سجل علاقة الاحتلال التركي بالإرهاب و دعمها لهم يذهب بهذا الاعتقاد .
فكان اول تحقيق امريكي في 20/07/2013 (عن تزويد تركيا لجبهة النصرة بغاز السارين ) و يخلق القرار أريحية للنشاط الإيراني في المنطقة عامةً رغم الاعتقاد بأن التوتر الامريكي الايراني ينحصر بالملف النووي و نشاطات حزب الله و لا يتعدى التضخيم الاعلامي لحالة عدائية في مسائل تعد ثانوية , و بقاء قاعدة التنف تحقق المراد الاسرائيلي .
و المؤثر بأن الامريكان يعيدون الى الاذهان التجارب المؤلمة و المريرة تجاه الكرد بحيث يعزل القرار و يكشف الى درجة كبيرة و يحمل في طياته فكرة الاستثمار و التخلي عن القوات التي تكاد أن تكون الوحيدة التي حاربت الارهاب بجدية و بشكل فعلي .
إن قول السيد بولتون ( إن امريكا لا تريد أي عملية عسكرية تركية في سوريا إلا بعد التنسيق مع الادارة الامريكية ) لا يلجم العدوان التركي الباحث عن فرصة , بل يزيد من القلق الكردي المشروع من تكرار تجربة احتلال عفرين الكارثية , فكما قال رئيس المرصد السوري السيد رامي عبدالرحمن (تركيا لديها عدو واحد في سوريا و هو الشعب الكردي).
بالمجمل فإن أي تحرك او استدارة من الجانب الكردي و على المسارات الممكنة و الخيارات الصعبة المتاحة من المناسب الاستناد على آلية من النضال المشترك و التحمل الجمعي للمسؤولية و لا مناص سوى المضي الدائم لتحقيق الحد المطلوب من التوافق الكردي و تهيئة المناخات لخلق موقف كردي موحد تجاه التهديدات التركية العدوانية و الجدية و للبناء عليه وفق المعطيات الداخلية و الاقليمية لحماية الوجود الكردي المهدد .
والوضع لا يحتمل السياسات الرغبوية و البحث عن الشروط و مبررات الاختلاف و إن المسائل بحد ذاتها في غاية التعقيد و التشابك و الكرد هم اقل الاطراف امتلاكاً للأوراق .
13/01/2019