أثارت المجزرة الأخيرة التي تعرض لها سكان مدنيون في مدينة كوباني (عين العرب)، طائفة من الأسئلة بعد تلاشي هول الصدمة التي انتابت الكثيرين، فما الذي دفع التنظيم على الإقدام على عمل “انتحاري”، رَصد لأجله فئة من مقاتليه لا يقل عددهم عن الثلاثين نفراً، تم القضاء على معظمهم على يد وحدات الحماية الشعبية الكرديَّة، وما الذي جعل المنظومة الأمنية لوحدات الحماية هشة خلال ساعات المجزرة التي أفضت إلى مقتل أكثر من مئتي شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، فضلاً عن عشرات الجرحى. ثم ما الذي دفع الكثيرين من جمهور الثورة كرداً وعرباً، إلى تأزيم الموقف وتبادل الاتهامات، وربما كان ألطف التهم، وأخفها، الوصم بالخيانة!.
لعلّ للضربة الكبيرة التي وجهتها وحدات الحماية الشعبية وكتائب من الجيش الحر (غرفة عمليات “بركان الفرات”) مصحوبةً بغطاء جوي لطيران التحالف الدولي – العربي، أثره البالغ في عزل تل أبيض ومن ثم إخراجها من يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فكانت الضربة الموجعة الثانية التي يتعرض لها داعش خلال أقل من خمسة أشهر، أي بعد فشله في السيطرة على مدينة كوباني (عين العرب) الأثر البالغ على سمعة التنظيم، وعلى صيغة تخويفه الفضلى، أي “باقية وتتمدد”. فإنه يمكن قول أن العملية – المجزرة في موجزها، كانت عملاً ثأرياً لـ “كرامة” التنظيم المهدورة، واستعادةً لسمعته في أنه الطرف الأكثر إرعاباً وإرهاباً. وقد يصدق القول إن قلنا أن مجزرة كوباني لم تكن بغاية السيطرة على المدينة بقدر ما كانت عملية ثأرية وانتقامية تعيد الروح لنفوس أفراد التنظيم وبقدر ما كانت رسالة مفادها: “إن التنظيم سيكون في كل مكان وبخاصة المكان غير المتوقع، واستطراداً قد يكون من المشروع القول أن العملية نُفذت بدقة عالية، وكأنها دُبرت من قبل أجهزة استخبارات، لكن بأيد ولمسات داعش. ولعل الذي يؤيد هذا المذهب، طبيعة الاستثمار السياسي الذي سيترتب على فكرة هشاشة المنظومة الأمنية لوحدات الحماية الشعبية الكرديَّة، وسهولة اختراقها وإيذاء شعبيتها، لأجل حسابات سياسية داخل أو خارج سوريا.
في المقلب الآخر، فشلت الماكينة الأمنية لوحدات الحماية من تطويق الموقف بسرعة وإيقاف عدّاد الضحايا المدنيين قبل بلوغه للرقم الكبير الذي آل إليه، فإذا كان نصر الوحدات في تل أبيض ولاحقاً عين عيسى قد عزز من موقع وسمعة الوحدات، فإن من شأن مجزرة كوباني أن تبقي على إنجاز الوحدات غير ذي قيمة نظراً لعدم قدرته على حماية المحكومين في كامل المنطقة المترامية التي تحت سيطرته.
انعكس الأمر لدرجة سماع أصوات كردية منادية بمحاسبة المقصرين، لا بل أبعد من ذلك، إذ ظهرت أصوات تنادي بضرورة إشراك بيشمركة كرد سوريا – بيشمركة روج آفا (وهم مجموعة من كرد سوريا تلقت تدريباً عالياً في كردستان العراق وتدين بالولاء للحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه البرزاني) للتدخل لحماية كرد سوريا الأمر الذي يزيد من إحراج الوحدات وقياداتها.
في الأثناء، لازال ناشطون كرد وعرب يتبادلون كيل التهم، وذلك على ضوء ما حصل منذ بدأت عملية سيطرة وحدات حماية الشعب على مدينة تل أبيض الحدودية. فكان الكلام عن حملات تهجير طالت العرب، بل وضخ مفردات من مثل “التطهير العرقي” و”الترانسفير” إلى قاموس الاتهامات. جوبه الكلام إياه بنفي كردي عارم لهذا الزعم، الذي بقي بلا سند يعززه، ولا توثيق يؤكده، فبلغ “سوء الفهم” مراحل لم تكن في الحسبان، الأمر الذي آل إلى زيادة الاستقطاب وارتفاع في منسوب الحيرة في ما خص مآلات العلاقة العربية – الكردية السورية. ثم بلغ سوء الفهم أعلى درجاته مع مجزرة كوباني التي كانت بحاجة لتضامن وطني والوقوف بمسؤولية أمام الجريمة التي طالت مدنيين كرد سوريين. في المقابل، يبدو من الصعب التعويل على البيانات الطيبة الصادرة عن مثقفين وشخصيات أعتبارية سورية، والتي تحاول لملمة الموقف المتأزم ذلك أن ماتفعله وسائل الاتصال، ومحطات التلفزة في تسعير الخلاف الناشب تجاوز جهود أصحاب النوايا الوطنية الخالصة.
لا شك أن ما قبل كوباني من أحداث متسارعة أوقع كوباني في فخٍ مكين، ولا شك أن ما بعد كوباني سيوقع السوريين الكرد والعرب في فخاخٍ متناثرة أين منها اللعنة الطائفية التي ابتليت بها سوريا.
نقلا عن موقع: http://www.ana.fm/