أصبحت ظاهرة الهجرة بالغة الأهمية ، حيث كانت مدينة قامشلو تعج بالناس من جميع فئات الأعمار . ففي شوارعها وأسواقها وحارتها كنت تلتقي بالكثير من المعارف والأصدقاء في أغلب الأوقات، لكن الوضع اختلف الآن فالناس تتحرك في قامشلو يمشون كالغرباء وكأنهم يوما لم يعيشوا أو لم يقضوا طفولتهم فيها وكأنهم لم يتربوا بأحضانها ، يلتقون بأناس لغتهم غير لغتهم وعاداتهم غير عاداتهم، ووجوه غير مألوفة لم يلتقون بها قط.
إنهم يقدمون وطنهم لقمة سائغة للأخرين حيث تفرغ المنطقة من أهلها فلا يوجد من يدافع عنها أو يحميها . وتلاحظ بسهولة تغييرا في ديمغرافية المنطقة وهي من أكبر سلبيات الهجرة . كل يوم تسمع أنه من مدينة قامشلو يهاجر مئات الأشخاص .
_وأخبرتنا زوزان في لقاء معها بانها تعاني من سفر زوجها بسبب سوء الأوضاع المعيشية وعدم القدرة على إدارة البيت، لأن المردود المادي الذي كان يشغله أصبح غير كافيا وعدم توفر الاحتياجات اليومية البسيطة. فاضطر إلى السفر إلى خارج البلاد لتأمين حياة كريمة لعائلته تلائم مع هذه الأوضاع .
وتقول:” أن مسؤولياتي أصبحت كثيرة حيث أمثل دور الاب والأم معا ، فبالتالي ازدادت الضغوطات على نفسيتي وابني الذي يكبر وهو بعيد عن والده . والمرأة لوحدها مهما حاولت تكون مقصرة في تربية الأطفال لأن تربيتهم يلزم وجود الأبوين ، وتدمع عيني عندما يقول لي ابني : “أماه لاتقولي إن والدي قد سافر بل ذهب إلى العمل وسيعود مساء إلى البيت” .وزوجي يعاني من الغربة كثيرا وهو بعيد عنا “
_والتقينا بنسرين وتحكي لنا عن سفر ابنها الذي أكمل دراسته بعد معناة طويلة من الشقاء والغربة، في محافظة أخرى تسود فيها الحرب والدمار وخوفها عليه من قذيفة أو رصاصة طائشة، ولم تفرح بشهادته . لم ينتظر هدا الشاب وظيفته الذي أجبر على السفر لأنه مطالب للجيش إن لم يكن من ناحية النظام فإن حزب الPYDالذي أعلن قرار التجنيد الإجباري والتضييق الذي يمارسه على الشعب. فهي كبرت ابنها برموش عينها ولم ترضى أن تقدمه لقمة جاهزة للموت. فاضطرت إلى الموافقة على سفره إلى خارج البلاد . لذلك تعاني من بعده عنها فقد اشتاقت كثيرا لرؤيته ، ولكن صعوبة الحدود التي كادت مغلقة نهائيا وعدم قدرتها للذهاب إليه بطريقة غير نظامية، لأن المبلغ الذي يتم دفعه للمهربين باهظة.
_ وقال محمد الذي يتحدث عن نفسه وهو في بلاد الغربة بأنه ذهب إلى هناك لإكمال دراسته ولأن الظروف لم تسمح بإكماله في أحضان وطنه ، فهو لم ينكر أنه ذهب أيضا من أجل عيش أفضل ويقول :” عانيت كثيرا حتى إلى هنا ، ورغم توفر جميع وسائل الترفيه والراحة إلا أنني لم أجد السعادة والراحة هنا ، فالبلد ليس بلدك ولم أستطع أن أتأقلم مع عاداتهم وتقاليدهم. واكتشفت مؤخرا إن المعنى الحقيقي لهما هو بقائي في وطني وقضاء جلسات مع عائلتي وأصدقائي . وأعاني من مشكلة اللغة حيث لا أستطع أن أعبر لهم ما أريد”.
ورأينا آراء أغلبية الاشخاص في الداخل يقولون : ” إن الشيء الذي يدهشنا هو ارتفاع حدة الروح الوطنية والقومية لدى أخوتنا ما أن يصبحوا خارج البلاد ، والتحدث باستمرار عن حب الوطن والشوق إليه. فالحب للوطن ليس كلمة تقال على الأفواه دون فعل تجاهه ، لو أحببوه حقا كانوا بقيوا صامدين فيه.
ونتمنى لو أن الأموال التي يصرفونها من أجل سفرهم أن يستثمرونه فيه ويفتحون مشاريع ضخمة لنحد من ظاهرة البطالة. وعلى المجلسين أن يتفقوا ويكونا سندا لهذا الشعب الذي ظل متمسكا بأرضه وبلده رغم الظروف الصعبة الذي يمرون به، بعيدا عن الانانية والمصالح الشخصية. وفتح ممرات تجارية على الحدود “.
فالوطن ليس فندقا ننام فيه وقت الراحة ونهرب منه عندما تسوء الاوضاع فيه …….