زار المثقف والسياسي الآشوري سعيد لحدو، يوم السبت (6/6/2015)، مقر السليمانية لحزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وكان في استقباله الرفيق عبد الحميد درويش (سكرتير الحزب)، والرفيق علي شمدين (ممثل الحزب بإقليم كردستان).
وقد جاءت زيارته هذه في إطار إنجازه الطبعه الثانية لكتابه (التيه ومسالك الحكمة/ مدخل إلى حوار كردي آشوري)، الذي صدرت طبعته الأولى بسوريا عام 1998، والكتاب عبارة عن نص المحاضرة التي القاها الكاتب بعنوان (مذابح السريان الآشوريين، والمسئولية الكردية)، خلال ندوة نظمها بمدينة القامشلي إعلام الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، بتاريخ (2 كانون الأول 1996)، والتي شارك في نقاشاتها نخبة سياسية وثقافية واجتماعية هامة من الجانبين (الكردي والآشوري)، وتناولت الندوة المذابح التي شهدها هذا الشعب الصديق على يد الطورانية التركية، وحقيقة الدور الكردي في تنفيذها، فضلاً عن الصفحات المشرقة التي سطرها الأكراد في حماية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إخوتهم الآشوريين من تلك المجازر الرهيبة..
وخلال زيارته إلى مدينة السليمانية، قام الأستاذ سعيد لحدو بزيارة البروفيسور الكردي المعروف عزالدين مصطفى رسول، للتعارف والإطمئنان عن صحته، حيث تناولا خلال لقائهما الكثير من المواقف التاريخية المشتركة بين الشعبين الصديقين.
هذا وقد كانت جريدة الديمقراطي (لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، قد نشرت آنذاك مقالاً في عددها (301 أواخر كانون أول 1996)، حول هذه الندوة، ولأهميتها نعيد نشرها بهذه المناسبة (مناسبة إعادة طبع الكتاب):
ندوة ثقافية
حول مذابح السريان الآشوريين
في إطار الجهود الخيِّرة المبذولة لتنشيط الحوار الثقافي (الكردي- الآشوري)، انعقدت في الثاني من كانون الأول 1996م ندوة ثقافية بمدينة القامشلي، حضرها لفيف من المثقفين والمهتمين بهذا الشأن من أبناء الشعبين الكردي والآشوري، حيث أُلقيت في الندوة محاضرة بعنوان (مذابح السريان الآشوريين، والمسئولية الكردية) أعدها وألقاها الكاتب الآشوري الأستاذ سعيد لحدو، تناول فيها الكاتب الظروف الذاتية والموضوعية المختلفة التي ارتُكبَت في ظلها المذابح والمجازر بحق الآشوريين، قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى، والمسئوولية الكردية فيها، والتي خلَّفت نوعاً من القطيعة والجفاء بين أبناء الشعبين، فيقول: ›› إن الآشوريين بكل طوائفهم وفئاتهم، سكنوا الماضي بكل آلامه ومآسيه، وما يعنيه لهم ذلك الماضي من مذابح وتهجير وقتل وتشريد، دون أن يحاولوا، كشعب يسكن الحاضر ويتطلع بأمل إلى المستقبل، الخروج من ذلك الماضي ومرارته. أما الأكراد، فقد أرادوا الانقطاع التام مع ذلك الماضي، وكأنه ليس ماضيهم، ولا يعنيهم بشيء، إلى حاضرهم ومتطلباته الحضارية بشروطه الإنسانية الملزمة..‹‹. ودعا الكردي إلى الاعتراف بحقيقة المسئولية الكردية في تلك المجازر، وإدانة المتورطين فيها، كخطوة أولى في إطار فتح وتعميق الحوار الذي انقطعت قنواته منذ ذلك الحين، تحت ثقل وحجم المأساة من جهة، والضغط الذي شكَّله الإعلام المعادي في رسم صورة مشوَّهة لكل منهما في ذهن الآخر.
هذا، وقد أثارت المحاضرة موجة من المداخلات والمناقشات الهامة لدى المشاركين من الحضور حول النقاط الواردة في المحاضرة، والتي تحتمل المزيد من النقاش والجدال، قد تحتاج إلى ندوات أخرى للوصول إلى نظرة مشتركة حولها.. فأكدت المناقشات على حقيقة تورط بعض المغرَّر بهم من الأكراد، سواء لمصالح ذاتية آنية، او بسبب الجهل والتخلف السائد آنذاك، وهم من انجرَّ إلى المصيدة التي نظمها العثمانيون لهم تحت غطاء ديني مزيَّف، استُخدِم كحصان طروادة للإيقاع بين الأكراد وإخوتهم الآشوريين، الذين لم ينجوا من السموم والحملات الدعائية، التي كانت تبثها الحملات التبشيرية، التي كانت تمثل مصالح الدول الاستعمارية الطامعة كل منها بحصة الأسد من ميراث الإمبراطورية المشرفة على الانهيار، هذا وقد أكد المشاركون على أن المشاركة الكردية في تلك الأحداث لم تتجاوز الحالات الفردية، ولم تأخذ الطابع الجماعي الشمولي ضد الآشوريين، وهي لا تمثل بالطبع الإرادة الكردية الحرة. إذ إن الإرادة الكردية تمثلت آنذاك وبشكل جلي، في المواقف المشرِّفة التي وقفها معظم أبناء الشعب الكردي آنذاك، انطلاقاً من المصلحة المشتركة، والمصير المشترك للشعبين. حيث قدَّم الأكراد يد العون والمساعدة لإخوتهم الآشوريين، لانتشالهم من أنواع المذابح والمجازر التي نفَّذتها الآلة العسكرية التركية، وبفَرَمان بربري صادر من السلطان عبد الحميد.
كما دعا المشاركون إلى ضرورة تصحيح الصورة المقلوبة التي رسمها الخصوم لكل من الآشوري والكردي، في ذهن الآخر، والبدء، كل من موقعه، للتأكيد في أوساط الشعبين ودفعها بالاتجاه الذي يخدم مصلحة ومستقبل العلاقات المنشودة بين الشعبين. وذلك بإبراز تلك الصفحات المشرقة للتعاون والتآلف التاريخي، الذي تؤكد عليه كل المصادر التاريخية، إلى أن بدأ الخصوم بتخريبها في تلك المرحلة المشؤومة، عندما بدأت الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها الشعب الكردي أيضاً، كما راح ضحيتها الشعب الآشوري، ويتَّرتب على كل القوى الخيِّرة بين الشعبين للعمل على تحقيق هذه الغاية النبيلة، وتوفير الأجواء الملائمة النفسية وغيرها، لتحقيق التفاعل الثقافي والاجتماعي والسياسي لهما، وفي إطار تعزيز الوحدة الوطنية للبلاد. إذ إن الماضي رغم مرارته، لا يمكن تصحيحه، وإن تقليب الصفحات السوداء في تاريخ الشعوب، لا تفيد بشيء، إلاَّ إذا كان الهدف هو الاتعاظ بها، والانطلاق منها لبناء مستقبل أفضل، وغدٍ مشرق، لا أن نراجع تلك الصفحات لتجريم الأجيال التالية بما اقترف في الماضي من أخطاء، وبالتالي النفخ في نار الحقد والكراهية التي خَبَت تحت الرماد، من جديد.
ورغم صعوبة المسئولية وطول المشوار، فإن مسافة الألف ميل- كما يقال- تبدأ بخطوة واحدة، وإن الخطوة الأولى الهامة بدأت بانعقاد هذه الندوة، وأملنا أن تستمر مثل هذه اللقاءات.