زلماي خليل زاد : إما نجاح تكتيكي وإما نكسة استراتيجية في الموصل

Share Button

ترمي عملية الحكومة العراقية بالتنسيق مع قوات البيشمركة الكردية الى تحرير الموصل من قبضة «داعش». وعلى رغم أن 204 - الحياةحظوظ نجاح الحملة هذه كبيرة في استعادة السيطرة على ثاني أكبر المدن العراقية، قد يحوِّل التنافس المحلي والإقليمي النجاح (النصر) التكتيكي الى نكسة استراتيجية.

وإذا لم يُحسن الإعداد لما بعد العملية العسكرية، تُشعل الحملة على الموصل عدداً من الحروب في الحرب المتواصلة الفصول، وتُلحق بالموصل دماراً عظيماً. ومثل هذا الانزلاق قد يعقد مساعي إرساء الاستقرار في العراق، وهذا يتعثر بسبب غياب السعي الى إعادة إعمار مدن سنية محررة، وعدم السعي الى عودة النازحين، ولو الحد الأدنى، الى مناطقهم، والخوف من الميليشيات الشيعية وانتهاكاتها. وهذه العوامل تشير الى تفاقم التوتر المذهبي، وتعاظم احتمالات انبعاث تنظيم «داعش» أو من يخلفه.

وثمة 6 مسائل معلقة لم تجبه بَعد:

1- دور الميليشيات الشيعية: في البداية، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن الميليشيات الشيعية لن يكون لها دور في عمليات استعادة الموصل. وكان دافعه الى هذا القرار حوادث وقعت بعد تحرير الفلوجة قبل أشهر. وحين طوقت الميليشيات الشيعية المدينة هذه، اتهمها السكان، وهم سنّة في معظمهم، بإنزال فظاعات بالمدنيين. والى اليوم، أثر 600 مدني مفقود. ويبدو أن اعتداءات تلك الميليشيات تفوق انتهاكات «داعش» الفظيعة، وحملت السنّة على الشكوى والتنديد، وكانت وراء هجمات انتقامية على أهداف شيعية. وإثر ثلاثة أشهر على تحريرها، يقتصر عدد العائدين من سكان الفلوجة النازحين على 500 شخص، وكانت هذه المدينة تعد 350 الف نسمة. وإذا كانت الميليشيات الشيعية ستدخل الموصل أو «تغربل» المدنيين الفارين، توقع المرء تعقيدات كثيرة.

وتراجع العبادي عن إعلانه تقييد تدخل الميليشيات، وقال أنه لا يملك عدم إشراكهم في عملية الموصل. ويرجح أنه تراجع على وقع ضغوط قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، وأحزاب شيعية في بغداد متحالفة مع إيران (لاحقاً أكد العبادي أن الجيش والشرطة العراقيَّين وحدهما سيدخلان الموصل).

وترى إيران أن حوادث الموصل وازنة، وترغب في هزيمة «داعش». ويندرج انشغالها بالموصل في سياق سعيها الى إضعاف الجماعات السنّية. وتتصدر أولويات طهران كذلك منطقة تلعفر، وهي موئل تركمان شيعة. وهي جبهة متقدّمة في مناطق كردية عراقية وسورية وتركية متداخلة. وسيطرة إيران على تلعفر هي الجسر الى بسط نفوذها وخدمة مصالح نظام الأسد في سورية والتضييق على الإقليم الكردي في العراق. وفي زيارتي الأخيرة المنطقة، أبلغني قادة كثر قلقهم من اقتناص إيران فرصة احتلال عناصر تابعة لها الموصل لإنشاء ممر بري الى سورية تستخدمه لضرب حلفاء أميركا أو زعزعة استقرارهم. وترى طهران أن تدخل عناصر موالية لها يجبه انتشار تركيا العسكري ويُقيده ويساهم في عودة النازحين من الشيعة التركمان.

2- دور تركيا: الاعتداءات الإيرانية هي من عوامل قد تحمل تركيا على التدخّل. فمن مصلحة أنقرة الدفاع عن السنّة التركمان في وجه فظاعات الميليشيات الشيعية وضمان عدم إقصاء حلفائها من العرب السنّة في حكم مرحلة ما بعد «داعش». وأنقرة تنظر بعين القلق الى مرابطة حزب العمال الكردستاني ووحدات «حماية الشعب» الكردية في منطقة سنجار بين الموصل والحدود السورية. وطالب، أخيراً، ممثلو العراقيين التركمان بطرد «الكردستاني» من مناطقهم. وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أنه سيدعم دخول قوات عربية سنّية لحماية السنّة التركمان. وأثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، من أبرز حلفاء تركيا. وعلى خلاف رغبة بغداد، أنشأت أنقرة قاعدة عسكرية على ضفاف دجلة في بعشيقة حيث يدرب جنودها قوات «الحشد الوطني» من متطوعين عرب جمعهم النجيفي. ودعوة العبادي القوات التركية الى مغادرة الأراضي العراقية هي مؤشر الى مشكلات ستبرز ما لم يُتفق على دور تركيا. وهذه قد تضطر الى التدخل إذا دخلت الميليشيات الموالية لإيران الى الموصل وتلعفر. وقد يساهم تدخل تركي راجح في تعقيد مساعي إرساء الاستقرار المحلية.

3- التوترات بين بغداد والأكراد: على رغم أن الأكراد والحكومة العراقية يتعاونون في وجه «داعش» في الموصل، فإن استبعاد النزاع بينهما متعذر. وليس وراء امتــــناع الأكراد العراقيين عن إعلان الاستقلال تصدر أولوياتهم مكـــافحة «داعـــش» فحسب، بل الخلاف مع بغداد على كركوك وغيرها من الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم. وإثر عملية الموصل، يرجح أن يسعى مسعود بارزاني الى علاقات جديدة بالحكومة العراقية، سواء من طريق الاستقلال المباشر أو مباشرة ترتيبات كونفيديرالية.

4- الحكم المحلي: ثمة انقسامات يعتد بها بين القوى المحلية على سبل حكم الموصل. وتنوي بغداد تسليم الحكم الى نوفل حمادي، محافظ نينوى، بمساعدة نواب عن الحكومة المركزية وحكومة الإقليم الكردي. لكن موقف أهالي نينوى- من النازحين أو الذين عانوا عنف «داعش»- يلفه الغموض الى اليوم. وشطر من المشكلة مرده الى دمج الحكومة العراقية والقوات الأميركية بعض القبائل السنّية في خطط العمليات، في وقت يبدو غامضاً مستقبل المتطوعين العاملين مع النجيفي، وهو يرغب في دور في إدارة الموصل وربما أن يكون رئيس إقليم فيديرالي في المستقبل.

5- إعادة الإعمار: يُفتقر الى خطة جدية يعتد بها لإعمار الموصل بعد التحرير. وإدارة اوباما نسّقت مع منظمات دولية لإغاثة مدنيي الموصل الهاربين من المدينة قبل تحريرها، لكنها لم تعلن عن أي برنامج لتذليل مسائل طويلة الأمد. ووضع العراق المالي سيئ بسبب أسعار النفط المنخفضة وحال الطوارئ. لذا، تمسّ الحاجة الى مساعدة بغداد على إعداد خطة إعمار تحول دون إهمال انزلقت اليه في الفلوجة والرمادي. وتوقيت إقالة البرلمان العراقي وزير المال، الزعيم الكردي هوشيار زيباري، في غير محله. والخطوة هذه تفاقم التعثر الاقتصادي العراقي وقد تقوض تدابير القروض مع صندوق النقد الدولي، وتساهم في تعقيد العلاقة بين الأكراد وشرائح في البرلمان العراقي.

6- معالجة علة الأزمة الأولى: ومع معركة الموصل، يحمل التأخر في تذليل هذه المسائل على القلق في سياق انتظارات إقليمية من الدور الأميركي. وكثر في المنطقة يحسبون أن إدارة اوباما ترى أن تحرير الموصل حيوي في إرثها (السياسي)، وأنها ترغب في إنجاز التحرير قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ويخشى السنّة العرب أن تستغل إيران نفاد صبر الإدارة الأميركية لتنتزع منها مساومات في مسائل بارزة، منها مشاركة الميليشيات الشيعية. وليس الحل العدول عن إلحاق الهزيمة بـ «داعش» في الموصل والانصراف الى مناقشة هذه المسائل، بل الإقرار بأن تأجيل جبه التحديات الطويلة الأمد يفاقم الإرهاب في العراق ومشكلته مع التطرف. ويؤيد كثر من السنّة العرب تحويل نينوى منطقة فيديرالية. ودعا إلى هذه الفكرة النجيفي ومجالس محافظتي صلاح الدين وديالى قبل سيطرة «داعش» على الموصل، لكن رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي رفض هذه الدعوات.

وعلى خلاف سلفه، يبدو العبادي منفتحاً على مثل هذه الحلول، لكنه مغلول اليدين. والقيد الأول عليه هو معارضة المتطرفين الذين تدعمهم إيران منح السنّة العرب إدارة ذاتية أو استقلالاً، مخافة إضعاف قبضة الشيعة. والقيد الثاني ناجم عن خوف عام من انتشار الفيديرالية ما وراء كردستان، وانتقال عدواها إلى البصرة الثرية بالنفط فتضعف قوة الحكومة المركزية.

ولا شك في أن حل هذه المشكلات ومشكلات تقاسم السلطة والنفوذ، والموازنة بين المركز والمناطق على وجه التحديد، حيوي لإنهاء الحرب الأهلية في العراق. ومن صيغ الحل تقاسم عائدات النفط. وليس ميثاق وطني شامل يجمع العراقيين كلهم ممكناً في هذه المرحلة. فهو يقتضي اتفاقات على تقاسم السلطة بين المركز والفيديرالية، أو إرساء كونفيديرالية أو اللامركزية في المجتمعات المحلية. لكن الإقدام على خطوات أولى في المتناول. وخلاصة القول إن حملة عسكرية ناجحة في الموصل قد تكون ركن عملية المصالحة، إذا تصدرت الأولويات مرحلة ما بعد الحرب. وإذا لم يُعد لهذه المرحلة، قد يؤذن النصر في الموصل ببداية مرحلة جديدة من الحرب الأهلية العراقية.

 

* السفير السابق للولايات المتحدة لدى أفغانستان والعراق والأمم المتحدة، صاحب «المبعوث من كابول الى البيت الأبيض: رحلتي في عالم هائج»، عن «ناشينل انتيريست» الأميركية، 27/9/2016، إعداد منال نحاس

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 648 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 648 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...